مع تطور الأحداث وتوتر الأوضاع فى مصر واقتراب موعد زيارة جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى، لمصر يوم السبت، اتصل الرئيس الأمريكى باراك أوباما، هاتفيا بالرئيس محمد مرسى. وصدر بيان من البيت الأبيض بمضمون المكالمة. وهى أول مكالمة هاتفية بين الرئيسين يتم الإعلان عنها منذ أن تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة فى نوفمبر الماضى. وكان أوباما كما وصفه بعض المراقبين «ملتزما الصمت» خلال الفترة الماضية مما أثار كثيرا من علامات الاستفهام والاستعجاب تجاه واشنطن ورد فعلها مما يحدث فى بر مصر. وسائل الإعلام الأمريكية وهى تتناول خبر المكالمة قالت: «أوباما ينصح مرسى أن يظل ديمقراطيا»، و«أوباما يبلغ مرسى مصر: قُمْ بحماية الديمقراطية»، و«أوباما يحثّ الزعيم المصرى على حماية المبادئ الديمقراطية فى الانتخابات القادمة». وكان البيت الأبيض قد أعلن بعد ظُهر الثلاثاء (بعد الساعة الثالثة بقليل) أن الرئيس أوباما تحدث هاتفيا مع الرئيس المصرى محمد مرسى «ليؤكد من جديد الالتزام القوى من جانب الولاياتالمتحدة تجاه الشعب المصرى بينما يواصل انتقاله للديمقراطية» -حسبما جاء فى البيان الصادر عن البيت الأبيض. وأضاف البيان: «أن الرئيس رَحّب بالتزام الرئيس مرسى أن يكون رئيسا لكل المصريين بمن فيهم المرأة وأناس من كل العقائد. كما شدد الرئيس على مسؤولية الرئيس مرسى فى حماية مبادئ الديمقراطية التى حارب الشعب المصرى بشدة من أجل ضمانها. وحَثّ الرئيس أوباما الرئيس مرسى وكل المجموعات السياسية على العمل من أجل بناء توافق ودفع بالانتقال السياسى إلى الأمام». وهذا كان الجانب السياسى الذى حرصت الإدارة على التركيز عليه وتأكيده فى الفترة الأخيرة: إقامة حياة سياسية شاملة لا إقصاء فيها، واحترام حقوق المرأة وحماية الأقليات والالتزام بالمبادئ الإنسانية الأساسية للحريات». ثم يستكمل البيان: «كما ناقش الزعيمان الوضع الاقتصادى فى مصر وأهمية تطبيق إصلاحات تتمتع بمساندة واسعة وتدفع بالنمو طويل الأمد. وناقش الرئيسان أمن المنطقة ورحَّب الرئيس أوباما بدور مصر المستمر فى الدفع بالسلام فى المنطقة واستمرار وقف إطلاق النار فى غزة. وأخيرا يتناول البيان زيارة كيرى المرتقَبة يوم 2 مارس وأن الرئيس أشار إلى أن كيرى سيلتقى مع الحكومة وزعماء المعارضة وأعضاء فى المجتمع المدنى، وأنه سيشدد على ضرورة أن يعمل كل المصريين معا من أجل بناء ديمقراطيتهم وتعزيز الاستقرار الاقتصادى والرخاء». بالمناسبة لم يَرِد فى البيان الصادر عن البيت الأبيض أى إشارة من قريب أو من بعيد إلى «تطلّع الرئيس أوباما إلى زيارة الرئيس مرسى لواشنطن هذا العام» مثلما ذكر البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية. وكما نعرف فإن الحديث عن زيارة مرسى لم يتوقف منذ الخريف الماضى خصوصا من الجانب المصرى، وذلك بالإشارة دائما إلى أن أمر الزيارة محسوم وأن الجدل أو النقاش فقط حول تاريخها. إذ روّج وأشيع فى بادئ الأمر أن الزيارة المنتظرة ستتم يوم 17 ديسمبر الماضى ومع زيارة مستشار الرئيس د.عصام الحداد، لواشنطن فى بداية ديسمبر تكرر ذكر التاريخ ذاته ثم تم إرجاؤه، كما قيل ليتم فى فبراير 2013 مع بداية ولاية أوباما الثانية. ثم جاء الرئيس نفسه وفى حديثه مع وولف بليتزر من شبكة «سى إن إن» ليقول إن زيارته ستتم قبل نهاية مارس المقبل. وفى المقابل كان المتحدث باسم البيت الأبيض حريصا على الإشارة إلى أن ليس لديه شيئا ليعلنه بهذا الخصوص أو أن جدول الرئيس لا يشمل الزيارة فى الوقت الحالى. لكن كما جرت العادة فإن وسائل الإعلام المصرية وجدت فى هذا الأمر إثارة إعلامية وسياسية، فتارة تؤكدها وتارة تنفيها (والكل حسب مصادر مطلعة ومقربة من البيت الأبيض) كما أن البعض منها لم يغير قاموسه القديم وأسلوبه المتَّبع منذ العهد السابق لذلك آثر تكرار العبارة إياها «تتطلع واشنطن لزيارة الرئيس». فى كل الأحوال يبدو أن أمر الزيارة لم يُحسَم وسيظل معلَّقًا لبعض الوقت. خصوصا أن أصواتا عديدة طالبت وأَلَحّت فى طلبها على أن تكون الزيارة (إذا تمّت) «مكافأة» لما قرره وطبقه مرسى من توافق ولَمّ الشمل السياسى وتعزيز للديمقراطية وأن لا يتم التعامل مع الزيارة ودعوة واشنطن إليها ك«حافز» كما يرى ويريد البعض الآخر حتى يدفع بمرسى ليفعل ويطبّق فى ما بعد كل هذه الخطوات المطلوبة فى الحياة السياسية. وإذا كانت الخارجية الأمريكية فى اليومين الماضيين حاولت من جانبها أن توضح موقفها من ملف قنابل الغاز المسيلة للدموع والمنتجة أمريكيا فى التعامل مع المتظاهرين فإن القضية بالتأكيد لن يتم وضعها على الرفّ وستظل موضع تساؤلات واستنكارات وتفسيرات. كما أن «الخارجية» منذ أيام دعت الأطراف السياسية للتوافق والحوار والمشاركة فى الانتقال الديمقراطى. وصباح الثلاثاء عقدت اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمجلس النواب جلسة استماع بعنوان: «المظاهرات فى ميدان التحرير... ماذا تغير بعد عامين؟». وشارك فيها بشهاداتهم كلٌّ من إليوت أبرامز زميل دراسات الشرق الأوسط فى مجلس العلاقات الدولية، وكاترينا لانتوس سويت رئيس اللجنة الأمريكية للحريات الدينية، وتمارا كوفمان ويتس مدير مركز «صابان لسياسة الشرق الأوسط» بمعهد بروكنجز. وقد استغرقت الجلسة نحو ساعتين وقد تطرقت إلى قضايا عديدة تخصّ مصر وأيضا علاقات أمريكا معها. وخلال الجلسة أشار أعضاء اللجنة إلى: سحل حمادة صابر، وعصيان مدن القنال، وتفصيل مواد الدستور، وانتشار وباء الاعتداء الجنسى على النساء. كما تم استنكار ما ذكره مرسى عن «أحفاد القردة والخنازير» وتأمل ما قاله البرادعى فى حديثه الأخير مع «بى بى سى» ورفضه المشاركة فى الانتخابات البرلمانية. وبالتالى تناول الأعضاء كل أوجه المشهد المصرى مع بيان اهتمامهم بمستقبل علاقة أمريكا معها وكالعادة التساؤل عن مدى استعداد مصر ورغبتها فى الالتزام بمعاهدة السلام مع إسرائيل. ولم يحضر أى مسؤؤل عن الإدارة. كما هى العادة المتَّبعة فى مثل هذه الجلسات. فالجهة أو السلطة التشريعية تسأل وتتساءل والسلطة التنفيذية تجيب وتُفسِّر وتبرر السياسات. رئيسة اللجنة الفرعية إليانا روس ليتنن (جمهورية من ولاية فلوريدا) حرصت فى بداية الجلسة على تقديم خالص العزاء لأسر ضحايا حادثة سياح الأقصر الذى حدث فى اليوم نفسه. ثم جاءت كلماتها عن القلق والمخاوف بعد أن تسلم حكم مصر محمد مرسى والإخوان المسلمين. وما صدر عنه من لغة الخطاب وأفعال بذكر خطوات مرسى لتوسيع سلطاته وقمع حقوق الإنسان وتهميش الأقليات وأيضا بتعزيز علاقات مصر مع طهران. روس ليتنن التى تتمتع بنفوذ قوى داخل الأغلبية الجمهورية بمجلس النواب لم تنسَ أن تذكِّر الحاضرين بأن مشروع قرار «HR 416» يوم 25 يناير 2013 يسمى «مشروع قانون محاسبة مصر وتعزيز الديمقراطية». وقد وصل عدد النواب الذين يقومون برعاية وتبنِّى هذا التشريع حتى الآن 14 عضوا. ومشروع القانون يطالب بربط المعونة لمصر بشروط ترتبط بتحقيق الانتقال الديمقراطى وتبنِّى وتنفيذ إصلاحات قانونية تحمى حقوق كل المصريين وأيضا الالتزام بتطبيق اتفاقية السلام مع إسرائىل وتدمير شبكات التهريب بين مصر وغزة. وخلال الجلسة أُشير أكثر من مرة إلى ضرورة إعادة تقييم وهيكلة ليس فقط المساعدات وإنما العلاقات نفسها مع مصر وتأكيد أن هذا التوجه لا يأتى فقط بسبب وجود مرسى والإخوان وإنما أساسا لما حدث فى التحرير ومصر كلها وما أظهرته الأجيال المصرية الجديدة من رغبة واستعداد لحياة أفضل. وكما قالت تمارا ويتس، فإن علاقتنا مع مصر يجب أن لا تكون مركَّزة على شخص واحد. كما أنها نوَّهت إلى ضرورة إيجاد صيغة أفضل لدعم المؤسسات السياسية والديمقراطية والمجتمع المدنى. ومن ثَمّ أن تكون هناك مساعدة ديمقراطية بجانب المساعدة العسكرية والاقتصادية. وفى ما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل والإخوان أشار إليوت أبرامز إلى أن حكومة مصر الحالية تتفادى المواجهة فى الوقت الحالى على الأقل وأن مرسى ظل حَذِرا، فمثلا فى الأسابيع الأخيرة حينما تقدمت حماس بطلب آخر لفتح مكتب فى القاهرة فإن الحكومة فى مصر قالت لا. ثم جاءت التقارير التى تتحدث عن إغراق الأنفاق بالمياه والمجارى. ثم قال: «ويبدو أن حكومة مصر تقوم بمهمتها أفضل مما كان يفعله نظام مبارك». وأبرامز الذى كان نائبا لمستشار الأمن القومى للرئيس السابق جورج دبليو بوش (الابن) ذكر للحاضرين «بما أن مصر هامة فليس فى استطاعتنا أن نتحكم فى طريقها للمستقبل. فنحن لسنا مسؤولين عن القرارات (حسنةً كانت أم سيئةً) التى يصنعها حكام مصر. ولكننا مسؤولون عن كلماتنا وسياساتنا ومساعداتنا، وكل هذه الأشياء يجب أن تُستخدم من أجل تعزيز مصر التى هى أكثر استقرارا وأكثر حرية. فلنكن واثقين بأن المصريين يعرفون على أىِّ جانب نقف».