أشعر بالعار كما تشعرون. تختنق الدموع فى حلقى كلما لاح المشهد أمامى. لم تغمض عيونى طوال الليل. كأن أسياخا من النار تخترق الرأس. يحتمل الإنسان أن يواجه الموت، ولكن كيف تحتمل الإهانة عندما تكون عارا لك.. وللوطن كله؟! أعرف منذ أن جاء مرسى وجماعته للحكم أن علينا أن نستعد لمواجهة الفاشية. لكن لم أتصور أن يصل الأمر إلى هذا الانحطاط، ولهذه السفالة التى تجلت فى مشهد سحل المواطن العارى بجانب أسوار قصر الرئاسة الذى أصبح عنوانا للجرائم ضد الإنسانية، والذى شهد قبل ذلك فى معارك الأربعاء الدامى «حفلات تعذيب» كان رجال الرئاسة هم الرعاة الرسميين لها!! لم يكن المواطن الذى سحلوه أمام «الاتحادية» هو الوحيد الذى تعرى. كان نظام الحكم كله -فى نفس اللحظة- يقف عاريا (!!).. قبل المشهد بساعات قليلة كان رئيس الجمهورية يصدر بيانا يطلق فيه يد الشرطة لتفعل بالمواطنين ما تشاء. مع المشهد كان على الجميع أن يعيدوا تركيب الأحداث، وأن يجدوا الإجابات عن الطرف الذى يسعى جاهدا لنشر العنف حتى يجد المبرر لفرض ديكتاتوريته، ولخنق كل الأصوات، ولإحكام القبضة على كل مقدرات مصر!! الآن نعرف لماذا جاء وزير الداخلية الجديد لموقعه، وما المهام الموكولة إليه. الآن نعرف لماذا كانت حالة الطوارئ وحظر التجول فى مدن القناة، والتى كان الحكم يريد لها أن تعم مصر كلها. الآن نعرف من الملثمين الذين اندسوا وسط الثوار فى ميدان التحرير، وفى المظاهرات أمام الاتحادية، ليثيروا الشغب ويعطوا المبرر لقمع النظام. الآن نعرف سر الحملة الضارية من الحكم وجماعته فى محاولة بائسة لتحميل المعارضة السلمية مسؤولية العنف الذى تربى الحكم فى أحضانه. الآن نعرف أنهم كانوا يتحدثون عن رفع «الغطاء السياسى» عن المتظاهرين.. لكى يقوموا بتعريتهم وسحلهم.. بل وقتلهم بعيدا عن الأضواء. الآن.. يقف الحكم كله عاريا. جريمة السحل للمواطن العارى التى ضبط متلبسا بها ليست إلا عينة للجرائم التى يتم ارتكابها. وجريمة اختطاف الجِندى وإعادته وهو على شفا الموت هى واحدة من جرائم كثيرة مشابهة. نحن أمام نظام يقتل شعبه، ويهتك عرض أبنائه، ويمارس كل الجرائم من أجل أن يبقى فى الحكم. الضباط الذين سحلوا والأجهزة التى اختطفت وعذبت، والعصابات التى قتلت، كلها أدوات فى نظام يقوده مرسى وجماعته. الشهداء الذين سقطوا فى بورسعيد والسويس والقاهرة. الشباب الذى يختطف ويعذب ويقتل. جرائم هتك العرض وسحل الناس.. كلها مسؤولية مرسى وحكومته وجماعته وأهله وعشيرته. وكلها أجزاء فى مخطط تصفية المعارضين وإخراس كل أصوات المقاومة، وفرض الفاشية باسم الدين المفترى عليه. عشنا طول عمرنا ندعو للتوافق والحوار. وهل ما زال هناك معنى للحوار بعد ما رأيناه من فاشية مرسى والإخوان؟!.. وهل يمكن أن يكون هناك حديث إلا حديث القصاص من حكم تجاوز فى جرائمه كل ما عرفناه من جرائم فى حق الشعب، وفى حق الإنسانية؟! لم يعد هناك ما يقال. لا أعرف كيف أكتب بعد ذلك فى ظل كل هذا العار الوطنى. فقدت الكمة معناها ولم يعد هناك من سبيل إلا القصاص. كلنا مهانون حتى نثأر مما حدث. وكلهم مجرمون حتى نأخذ القصاص منهم. ليست جرائم بعض الجنود، إنها جرائم مرسى وحكومته وجماعته وأهله وعشيرته. يبقى أمر واحد أرجو أن ينتبه له الجميع. نريد حماية قانونية لضحية السحل قبل أن يتخلصوا منه!! ونريد تحقيقا دوليا فى جرائم القتل وإثباتا لحالة محمد الجندى وغيره!! سنأخذ القصاص، وسنحاكمهم على جرائمهم فى حق مصر وفى حق الإنسانية. هذا هو شرع الله، وشريعة وطن أهين.. وسيرد الإهانة.