منطقى جدًّا أن يُقال إن وزير النقل لا يتحمَّل المسؤولية عن كارثة القطار، وهو لم يمض إلا أيامًا فى موقعه الوزارى. ولكن أين هذا المنطق مع وزير مالية يجىء من خارج السلطة التنفيذية ودون أى سابق خبرة إلا فى التدريس الجامعى، فإذا به ينجز مشروع الصكوك «التى كانت إسلامية» فى ثلاثة أيام!! يناقش كل جوانب المشروع، ويعالج نقاط الاعتراض التى أبداها الأزهر الشريف من الناحية الشرعية، والتى أبداها الخبراء من الناحية المالية، والتى أبداها كل الوطنيين وهم يحذّرون من كارثة تنتهى بمصر وهى رهينة فى أيدى أصحاب الصكوك التى كانت إسلامية، ثم خلعوا عنها إسلامها ليتمكَّنوا من تمريرها بعيدًا عن رفض الأزهر الشريف لهذه الجريمة!! الوزير المعجزة أنجز المهمة، أو أنجزوها له، فى ثلاثة أيام!! والحكومة التى لم تفعل شيئًا «فى تشكيلها الأول أو الثانى» إلا إحصاء ضحاياها وتقديم العزاء فيهم.. هذه الحكومة التى تنتقل من فشل إلى فشل، دبّت فيها الحياة لتمرر مشروع القانون المشبوه فى نصف ساعة، ولتدخل التاريخ باعتبارها الحكومة التى تعرض أصول مصر ومرافقها ومؤسساتها للبيع أو للإيجار!! فى نفس اليوم كان «الكفيل» القطرى لحكومة الإخوان حاضرًا على وجه السرعة فى شخص وزير المالية، وفى سرعة البرق كانوا يكشفون الغطاء عن الشراكة الحقيقية فى مشروع ارتهان مصر، ويعلنون أن ما جاء قبل قليل على سبيل الوديعة، سوف يتم تحويله لشراء الصكوك والهيمنة على مؤسسات ومرافق أساسية فى مصر، مع التركيز على منطقة قناة السويس.. بعد طول إنكار من الكفيل والمكفول، وبعد فصل طويل فى علم «اللّوع» الذى يبدو أن الإخوة فى قطر ينافسون الإخوان فيه!! القضية بالطبع أكبر من الوزير المعجزة -أو الحكومة الفاشلة- أو مجلس السبعة فى المئة الشهير بمجلس الشورى الذى يجب منعه بكل السبل من إصدار هذا القانون الذى يشكل جريمة فى حق مصر. ليس من حق الحكومة «حتى لو كانت حكومة حقيقية» أن تتصرف فى أصول مصر وتعرضها للبيع أو للإيجار. وليس من حق مجلس السبعة فى المئة أن يصدر مثل هذا القانون وهو المجلس الذى تم انتخابه ليكون مجرد «ديكور» وليس أكثر. وليس من حق رئيس الجمهورية وقد اؤتمن على مصير الوطن أن يكرر تجربة الخديو إسماعيل، ويضع مصر واقتصادها رهينة فى أيدى الأجانب!! إنهم يكررون تجربة خطف الدستور، ولكنه فى هذه المرة اختطاف وطن بأكمله وعرض أصوله للبيع أو الإيجار، وكل ما يهمهم أن يجدوا التمويل اللازم لتمويل العجز فى الميزانية ولضمان بقائهم فى الحكم حتى لو كان الثمن إفلاس مصر، ورهن أصولها ومؤسساتها، وبيع إرادتها بالمزاد العلنى!! إنهم يهرولون لإتمام الجريمة قبل افتضاح أمرها. يمررون مثل هذا القانون من حكومة عاجزة، ويريدون التصديق على البيع من مجلس السبعة فى المئة الباطل، ويتغافلون عن اعتراض الخبراء الماليين والاقتصاديين، ويهربون من معارضة القوى الوطنية، ويتحايلون على رفض الأزهر الشريف، فيخلعون صفة «الإسلامية» عن صكوكهم المشبوهة، ويستعينون بطائفة من المتاجرين بالدين الذين شاركوا قبل ذلك فى جريمة توظيف الأموال، لكى يكونوا أعوانًا لهم فى صكوك الشيطان!! هذه الجريمة ينبغى أن تتوقف.. مصر ليست للبيع أو للإيجار. فليكن هذا هدفًا أساسيًّا للملايين التى ستخرج فى 25 يناير، فلتتوحَّد كل القوى الوطنية لرفض مشروع إغراق مصر فى الديون وبيع مؤسساتها للأجانب، ورهن إرادتها لمن يدفع. هذه الجريمة لا بد أن تتوقف، فالثورة لم تقم لكى يتم اختطاف مصر ثم تعرض صكوك ملكيتها أو إيجارها فى المزاد العلنى!!