هل يمكن فى بلد يشهد الانقسام الواضح، ويبحث عن طريق للنجاة، أن تجرى الانتخابات البرلمانية الحاسمة فى ظل حكومة تدين بالولاء التام لفريق من الفريقين، وتتصرف فى مؤسسات الدولة على هواها.. حتى لو وضعتنا على حافة الكارثة، كما هو الوضع الآن؟! وبأى شرعية تخضع البلاد فى ظل هذه الظروف الصعبة، لحكومة نصفها من «الإخوان المسلمين» ونصفها من الأتباع وطالبى رضا السلطان، وكلها على بعضها لا تصلح لإدارة محل «منى فاتورة» وإن كانت تصلح بالطبع لتحقيق سيطرة الجماعة على مؤسسات الدولة وتسخيرها لخدمة حزبها فى الانتخابات؟! بأى مقياس، وبأى شرعية؟! إن الشرعية الوحيدة الموجودة الآن فى مؤسسات الحكم هى للأخ الرئيس مرسى. وهو لم ينتخب من الجماعة وحزبها، بل جاء لموقعه باعتباره ممثلا لإحدى الأجنحة التى شاركت فى الثورة، وأعطته قوى وطنية وثورية أصواتها كرها فى المنافس، وأملا فى أن يكون رئيسا لكل المصريين، وليس ممثلا للجماعة فى موقع الرئاسة!! وقد وعد الأخ الرئيس قبل انتخابه بحكومة تمثل قوى الثورة والقوى الوطنية بمختلف تياراتها، وعاد عن وعده كما حدث فى قضايا كثيرة. ولكن -حتى مع التراجع عن هذا التعهد- فلا يوجد مبرر لأن يضع كل الوزارات القادرة على التأثير فى الانتخابات البرلمانية فى يد جماعة الإخوان وحزبها الذى لا يتمتع بأى أفضلية.. فالبرلمان الذى فاز بأكثرية مقاعده تم حله بعد أن ثبت بطلان الانتخابات التى جاءت به. ومجلس الشورى الذى تحول بقدرة قادر إلى مجلس تشريعى يحظى بأعجوبة انتخابه من 7٪ فقط من الناخبين، وهو موجود فى الحياة بقرارات باطلة لا تكفل له أى شرعية حقيقية!! التشكيل الجديد للحكومة لا يعنى إلا شيئا واحدا، وهو أننا مقدمون على أوسع عملية تزوير للانتخابات البرلمانية القادمة.. مع سبق الإصرار والترصد!! لا تقل لى إن الانتخابات ستتم تحت إشراف اللجنة القضائية، هذا وهْم، لأن الانتخابات لا تعنى الصندوق فقط، وإنما الانتخابات تعنى أيضا قانون انتخابات يتم تفصيله على المقاس بمعرفة ترزية القانون الجدد (!!) وتعنى هيئات الإدارة المحلية التى وضعت تحت سطوة الجماعة (!!) وتعنى جهاز شرطة أقصى الوزير الذى كان مسؤولا عنه، لأنه خالف تعليمات الجماعة (!!) وتعنى إعلاما رسميا تفوق فى «حياده ونزاهته» على إعلام الحزب الوطنى البائد!! هل يمكن أن توفر حكومة إرادتها مرتهنة لجماعة الإخوان وحزبها السياسى أى مساحة لانتخابات حرة نزيهة؟! وهل يعنى الترتيب للانفراد بإصدار قانون الانتخاب، وبالسيطرة على الحكومة التى تشرف عليها، إلا أن أسلوب «الاستهبال السياسى» الذى تم اتباعه لتمرير الدستور الباطل فى غيبة كل القوى الوطنية، سيتم اتباعه أيضا لاختطاف مجلس النواب، والسير قُدما فى تثبيت أركان دولتهم الفاشية؟! كنت- وما زلت- مع المشاركة الفاعلة فى أى منافسة انتخابية رغم عدم توافر الشروط الكاملة للانتخابات الحرة. وقد كان للمشاركة فى الاستفتاء الأخير إيجابياتها الكبيرة للحركة الوطنية. لكن التشكيل الأخير للحكومة يقول بوضوح إن ما يدبر للانتخابات القادمة هو نسخة بالكربون مما كان يفعله الحزب الوطنى. وهو استمرار لحالة «الاستهبال السياسى» التى مر من خلالها الدستور الباطل!! ومن هنا لا بد أن يكون الموقف الحاسم من تزوير بات مؤكدا للانتخابات فى مقدمة أولويات جبهة القوى الوطنية والديمقراطية بمختلف أطيافها. لا يمكن القبول بانتخابات فى ظل حكومة، يسيطر الإخوان على كل وزاراتها المتصلة بالانتخابات ويملكون العصا (الداخلية) والجزرة (المالية والتموين) ويضعون أجهزة المحليات مع الأوقاف «إيد واحدة» لتأييدهم فى تزوير إرادة الناخبين والهيمنة على مجلس النواب القادم!! إعلان تشكيل الحكومة الجديدة هو باختصار «قرار جمهورى بتزوير الانتخابات البرلمانية القادمة».. هكذا دون لف أو دوران، وباستخدام كل الأسلحة، وبتجاوز كل الأعراف، وبنقض كل العهود والتعهدات. هذا التشكيل قد يعنى أنهم خائفون من كلمة الشعب، وأنهم يدركون حجم الفشل الذى حققوه، وحجم خيبة الأمل التى يشعر بها الملايين من أبناء شعبنا الذين خدعتهم شعارات استخدمت الدين لتقيم دولة الاستبداد. لكن ذلك لا ينبغى أن يجعلنا نتهاون فى التعامل بحسم ووضوح لإجهاض مخطط تزوير الانتخابات، من خلال موقف موحد من جبهة الإنقاذ وكل القوى الوطنية والديمقراطية، ينطلق من أن المطالبة بحكومة محايدة للإشراف على الانتخابات لا تقل أهمية، بل ربما تتفوق على المطالبة بقانون عادل ينظم هذه الانتخابات. المطالبة بحكومة محايدة أمر ضرورى ومشروع، حين نكون أمام قرار جمهورى بتزوير الانتخابات!!