مع الأسف كنت أظن أن صعود جماعة تعلن انتماءها إلى الإسلام يعنى مرحلة مزدهرة فى تاريخ مصر، خصوصا إذا صعدت للحكم فوق أجنحة ثورة شعب وشرعية الانتخابات ولو كانت شرعية شديدة التواضع، وإن كانت والحمد لله ليست 99٪. ظننت أنه بالإمكان لأى كائن حى يملك العقل والرشد والأمانة على الوطن أن يتعلم من دروس ماضيه، وأن يعترف بأخطائه ويعتذر عنها، ويدرك أنها ستضيف إليه قوة على قوة.. وأنها ستسعى لتجمع شمل الأمة وتوحد الصف الوطنى، وإلى إدخال الثوار والمعارضة الوطنية بحقوقهم كشركاء أصليين فى الثورة، شركاء أصلاء فى الحكم. وتقديم النموذج لاحترام قيمة الرأى الآخر مهما اختلف. تحاور وتختلف وتتفق بأعظم ثورات المؤمن الحقيقى والمسلم الحق بالدفع بالتى هى أحسن، لا مواقف ولا قرارات تشعل فتنا وتوغر صدورا وتُشعل غضبا، لا إقصاء لأحد، تدير مع جميع القوى السياسية حماية الثورة من أعدائها وتحترم القانون، ولا تضع حاكما ولا جماعة فوقه وتستمد شرعيتها من رضاء الشعب الذى سعى إليه د. محمد مرسى، وأعلن وأقسم أنه صاحب الحق والسيادة.. للأسف كنت واهمة، لم أتصور حجم الخوف وعدم الثقة والرغبة فى الاستقواء والانفراد والتسلط، وكلها صفات لا تتفق مع صحيح وعظيم القيم الإسلامية إضافة إلى فقد الرشد السياسى الذى أوصلنا إلى كارثة انقسام واستقطاب المصريين وصدامهم فى مشهد لم أرَ له مثيلا فى تاريخهم! من يحاسب على جرائم إعداد وتربية شباب على السمع والطاعة حتى استحلال ارتكاب جرائم قتل وسحل وأسر وتعذيب أخوة لهم فى وطنهم؟ بماذا تسمى الاستدعاءات العلنية من قيادات بالجماعة للدفاع حتى الشهادة عن الشرعية والدستور؟ هذه مهمة دولة أم مهمة جماعات مسلحة تمتلكها كل جماعة! بينما لا تكف القيادات عن إعلان الحوار سبيلا واحدا ووحيدا لحل الأزمات! من المسؤول عن ترتيبات موقعة الأربعاء الأحمر التى بدأت بإنهاء العمل فى مؤسسات كثيرة للدولة فى موعد مبكر، لأن بقية اليوم سيشهد أحداثا مهمة! من يجب أن يحاسب على تحويل اعتصام الثلاثاء السلمى إلى مجزرة الأربعاء؟ أين ما صورته كاميرات المراقبة التى تحيط بالقصر الرئاسى؟ أم ستختفى كما اختفت شرائط ما أطلق عليه موقعة الجمل؟ نرجو أن تقود نتائج التحقيقات إلى إسقاط المخاوف من تعيين رئيس الجمهورية للنائب العام! أين نتائج التحقيقات عن ما نشر عن ضبط «ميكروباصات» محملة بالسلاح تتدفق إلى شوارع مدينة نصر ومصر الجديدة وهروب ركاب السيارات قبل «كمين شيراتون» والقبض على أربعة أعضاء يحملون كارنيهات الحرية والعدالة؟ يقول المهندس الشاطر إن لديهم تسجيلات لقيادات المعارضة لإسقاط مرسى، وإن هناك مؤامرة ورجال أعمال بالخارج يمولون البلطجية، وإن كل هذا موجود. إذا كان هذا حقيقيا فكيف لا تُعلن تفاصيلها موثقة وتكشف وقائعها حماية للوطن وحتى لا يقال إنها شائعات وجزء من مخططات ترويع وتخريب لمزيد من القبضة الحديدية التى تطارد بها الحريات الآن؟ الحديث عن البلطجية الممولين يذكر بما أعلنه وزير العدل الأسبق المستشار محمد عبد العزيز، وأن عددهم 143000، معروفون بالاسم، وأن المعلومات لدى الأجهزة الأمنية، وبين من اعتقلوا وعذبوا وسحلوا وضربوا بالأحذية وسبوا ولعنوا وقيدوا كما تقيد الأسرى شباب مصرى مثلهم فى أحداث الاتحادية! من ينكر أن هناك أعداءً للثورة لم يتوقفوا عن التآمر عليها منذ قيامها، لكن احتشاد الأمة ووحدة صفوف أبنائها ورضاءهم واطمئنانهم وكل ما يحققه الرشد السياسى وعدم الانحياز والإقصاء والسعى لتمكين الوطن بجميع أطيافه ومكوناته السياسية وبعد ثورته العبقرية كانت حماقات الزمان الأساسية والسعى لتمكين الوطن لا لتمكين الجماعة جوهر الخلاف الذى يكثف الكشف عن أنيابه وأسلحته فى الأسابيع الأخيرة وقيادات الجماعة تزيح الرئيس المنتخب إلى الخلف لتقرر مصير شعب. التنافس فى التصريحات الصادمة والمتحدية والكاشفة يسمح بمرور الكثير بالغ الخطورة عن ما هو قادم! فى تصريح نشرته «الوطن» 10/12 لرمز آخر من رموز الجماعة أنهم يعملون الآن فى خطة التمكين وهدفها وصول رسالة الإخوان إلى كل أنحاء العالم! لم يقولوا لنا ما سيفعلونه لمصر وما خططهم لمواجهة دمار أكثر من ثلاثين عامًا تفرض على من يتولى الحكم أن تكون هذه المواجهات هى همه ومسؤوليته والفريضة الأولى وطنيا وإيمانيا إلا إذا كان من مقتضيات التمكين تحول الوطن إلى جماعات متناحرة، كل جماعة تجمع أنصارها وتتربص بهم فى خندق خاص، وتبنى منصة لتكيل لغيرها الاتهامات والسباب والترهيب، ويستر الله ولا تتحول إلى منصات لإطلاق أسلحة حرب، كما بدأ وبدا المشهد فى الاتحادية! من أجل هذا كان صدور دستور متوافق عليه شعبيا كما وعد الرئيس الذى سلبت قيادات الجماعة صلاحياته هو الأمل وطوق النجاة لتمكين المصريين! كنت سأتساءل عن الشهرين اللذين منحهما إعلان نوفمبر لتحصين اللجنة التأسيسية ومد الأجل لحدوث التوافق الشعبى. وأكتشف فى تصريح للمتحدث باسم الرئاسة أن الفضيلة أو المكرمة الوحيدة التى كانت ستتيح فرصًا للتوافق اعتبرت خطأ دستوريا، وأنه رفض فى الإعلان الجديد تأجيل موعد الاستفتاء بحجة أن إرادة الشعب التى تقررت فى إعلان 30 مارس لا يجوز مخالفتها أو تعديلها! للأسف التناقض بين التصريحات والأفعال هو القاعدة الغالبة على إدارة الحكم إلى جانب الاستقواء والاستهانة وفرض إرادة التمكين. نعم أم لا، هل تملك الجموع من المصريين معرفة أو فهم ما جاء فى مواد هذا الدستور ليختاروا ما يعرفون بحق؟! انحراف المسارات التى صنعت بإعلان 30 مارس 2011 للأسف تكتمل بالاستفتاء على الدستور 5 ديسمبر 2012، وأضعف الإيمان أو الاستجابة إلى محاولة للإصلاح أو التخفيف كان فى إتاحة مساحة محدودة من الأيام تسمح بالفهم والشرح والدفع بمشروع الدستور الذى انتهت إليه اللجنة التأسيسية، وإلى جانبها تعديلات اللجنة الاستشارية التى أنصت إليها وسائر مقترحات قوى المعارضة إلى لجنة من الفقهاء الدستوريين المستقلين للخروج بوثيقة توافقية تعالج فيها المواد محل الخلاف بكل ما تمتلئ به من تهديدات للحاضر والمستقبل.. هل كان هذا مطلبًا مبالغًا فيه لتحقيق التوافق والرضاء الشعبى، وليحل محل الصراع والاستقطاب والاستقواء ومهازل وصلت إلى إطلاق مجموعات من الشباب المصرى ليقتلوا ويسحلوا ويحولوا المساجد إلى أماكن لتعذيب واعتقال شباب مصرى مثلهم. لا تزيدوا أرصدة الدم والغضب، فالذين احتشدوا فى 25 يناير فى ميدان التحرير بإرادتهم الحرة، وبإرادة الثأر للكرامة وللعدالة، وفرضوا إرادتهم لم يحشدهم إلا الكثير مما يحدث فى مصر الآن. ولكل من يقول كلمة حق فى وجه الاستبداد والاستقواء الجديد الذى تواجهه مصر الآن، قلبى معكم، وصوتى المتواضع. حالة مرضية تحول بينى وبين المشاركة بالقدر الذى أتمناه فى هذه اللحظات الفاصلة فى تاريخ مصر. لكنها تمتلئ بالأمناء والمخلصين وقبلهم نصر الله الذى كان معنا وقبلنا فى ثورة 25 يناير.