يجد العراق نفسه مع اقتراب الذكرى الأولى للهجوم الكاسح لتنظيم الدولة الإسلامية على أراضيه، غارقا في نزاع يهدد وجوده كدولة موحدة، ويكبّل يومياته بموجات عنف لا تتوقف وتوتر مذهبي ومأساة إنسانية يعاني منها الملايين من العراقيين. وكان التنظيم المتطرف قد سيطر في يونيو 2014 على نحو ثلث مساحة البلاد، معلنا إقامة "الخلافة" في مناطق سيطرته في العراق وسوريا المجاورة، ومرتكبا أبشع الفظائع شملت قطع رؤوس وإعدامات جماعية وسبيا للنساء. ورغم استعادة القوات العراقية لبعض المناطق، إلا أن الجهاديين ما زالوا يسيطرون على مساحات شاسعة، وقد تمكنوا من الاستحواذ على مناطق إضافية، رغم المعارك المتواصلة منذ عام والغارات الجوية التي استهدفته (قرابة أربعة آلاف غارة)، والتي ينفذها تحالف دولي بقيادة واشنطن خلال الأشهر العشرة الأخيرة. وساهم النزاع السوري المستمر منذ أكثر من أربعة أعوام في توفير ميدان انطلاق للتنظيم لشن هجومه الواسع في العراق. كما استفاد الجهاديون من نقمة العراقيين السنة الذين يتهمون حكومة نوري المالكي (الشيعي) السابقة والحكومة الحالية بقيادة حيدر العبادي المنتمي لحزب "المالكي"، باتباع سياسة تهميش بحقهم. حيث تعد معظم مناطق سيطرة التنظيم في العراق ذات غالبية سنية. ويقول الباحث في مجموعة صوفان الاستشارية، باتريك سكينر، إنّ "الأسباب الكامنة وراء صعود تنظيم الدولة الإسلامية لا تزال قائمة، وهو ما يعني أنّ التنظيم سيبقى، وربّما يُطرد بشكل دوري من مكان إلى آخر، لكنه سيبقى كالجرثومة المتنقلة في مجرى الدم". وسيطر التنظيم في العاشر من يونيو 2014 على مدينة الموصل (شمال)، ثاني كبرى مدن البلاد، بعد أقل من 24 ساعة على بدئه هجوما شارك فيه عدد قليل من الجهاديين، إذا ما قورن بعدد القوات الأمنية المتواجدة في المدينة آنذاك. وواصل التنظيم في حينه، بدعم من فصائل مسلحة موالية له، التقدم جنوبا، ما أثار مخاوف من قدرته على الوصول إلى بغداد. ولجأ التنظيم منذ ذلك الحين إلى الترويج بشكل واسع للفظاعات التي ارتكبها، عبر تصوير عمليات الإعدام والذبح ونشرها في أشرطة مصورة معدة بإتقان، مواصلا في الوقت عينه عملياته العسكرية الميدانية وسيطرته على مناطق إضافية. واستهدف داعش الأقليات في شمال العراق، كما أعدم المئات من المجندين معظمهم من الشيعة في يونيو الماضي، وألقى بجثث العديد منهم في نهر دجلة قرب مدينة تكريت، في ما عرف باسم "مجزرة سبايكر"، نسبة إلى القاعدة العسكرية التي كانوا يتواجدون فيها. وساهمت عملية الإعدام الجماعي تلك، إضافة إلى فتوى أطلقها المرجع الشيعي الأبرز في العراق، آية الله علي السيستاني، في دفع عشرات الآلاف من الشيعة إلى حمل السلاح لقتال الجهاديين. وبات هؤلاء المتطوعون وبعض الفصائل الشيعية المدعومة من طهران، يقاتلون تحت لواء مليشيات الحشد الشعبي "المتهم بارتكاب عملية تطهير طائفية في المناطق ذات الأغلبية السنية" الذي يساند القوات الأمنية، ويشكل رأس حربة في العديد من المعارك وهو ما زاد من انتشار المظاهر الميليشياوية. وعلى الرغم من أنّ الحشد يتبع هيئة رسمية مرتبطة برئاسة مجلس الوزراء العراقي، إلاّ أن العديد من فصائله تأتمر مباشرة بقياداتها، التي تأتمر بدورها مباشرة بأوامر من إيران التي لا تخفي نزعاتها التوسعية في المنطقة، بدلا من السلطات الرسمية، ما يثير مخاوف من ضعف سلطة الدولة على الجماعات المسلحة وعلى استقلالية العراق في المستقبل. كما أنّ فصائل مشاركة في المعارك حاليا، تتهم بارتكاب إساءات وجرائم لا سيما بحق العرب السنة، إبان الحرب المذهبية التي شهدتها البلاد بين 2006 و2008. وقد ساهم هجوم تنظيم الدولة الإسلامية في تبديل العديد من الحدود الديمغرافية والجغرافية بين المناطق خلال العام المنصرم. كما تسببت أعمال العنف منذ مطلع العام 2014 بتهجير نحو 3 ملايين شخص، في موجات نزوح بدلت من الطبيعة الديمغرافية لبعض المناطق، إذ ترك عشرات الآلاف من السنة مناطقهم نحو مناطق ذات غالبية كردية أو شيعية، كما أن العديد من هؤلاء لم يسمح لهم بالعودة إلى مناطقهم رغم استعادتها من قبل القوات الأمنية والفصائل الشيعية.