عبد الحميد جودة السحار، هو الكاتب الروائى والأديب ورفيق رحلة نجيب محفوظ وناشره، بدأ الكتابة فى أربعينيات القرن الماضى، وأصدر أولى رواياته عام 1943 تحت عنوان «أحمس بطل الاستقلال»، عندما كان البحث عن هوية مصر هو الشاغل الأعظم للأدباء والمفكرين، وكان نجيب محفوظ هو الأكثر والأغزر تعبيرًا فى البحث عن الهوية المصرية، وترجم سؤال الهوية فى رواياته الأولى «عبث الأقدار ورادوبيس وكفاح القديمة»، وكان قبل هذه الروايات قد نُقل إلى العربية كتاب «مصر القديمة»، ونشره عام 1938، وفى هذا المجال كتب كثيرون، مثل عبد الرحمن الخميسى وعبد القادر حمزة وحتى سيد قطب كتب روايته الأولى «المدينة المسحورة». واستمر نجيب محفوظ فى تطوره الفنى، وبدأ فى رواياته الاجتماعية، ولكن سرعان ما ذهب السحار إلى طريق آخر، وبدأ يكتب قصصه الإسلامية، ففى العام الذى أصدر فيه رواية «أحمس»، نشر روايته «أبو ذر الغفارى»، وتتالت بعدها رواياته وكتبه التى تعبر عن هذا التوجه مثل : «بلال مؤذن الرسول» و«سعد بن أبى وقاص» و«أبناء أبى بكر الصديق» و«أهل بيت النبى»، بالإضافة إلى كتابه «محمد رسول الله والذين معه»، والذى صدر فى عشرين جزءًا. وارتبط اسم السحار بالسينما عبر محطات عديدة، بداية من تحويل قصصه إلى الشاشة الفضية، آنذاك، حتى توليه مؤسسة السينما بكل ما تملك وتهيمن على صناعة السينما فى مصر، وكان أداء المؤسسة فى ذلك يستفز البعض من الكتّاب والمخرجين والمنتجين، حتى كتب الكاتب الساخر محمود السعدنى مقالا فى 15 مايو عام 1969، مهاجمًا السحار بضراوة، عنوان المقال «السينما بين التأميم والتعتيم»، وبدأ السعدنى بداية ساخنة حيث قال: «إذا كان الأراجوز هو فن مخاطبة الجماهير بسذاجة، فالسينما هى فن مخاطبة الجماهير بذكاء، ولكن الأوضاع انقلبت فى مصر إلى حد أن الأراجوز تطور فأصبح فنا ذكيا.. وانحطت السينما فأصبحت فنا غاية فى الغباء، ولم يبق أمام الأستاذ عبد الحميد جودة السحار وبطانته إلا أن يسرحوا فى الموالد والأسواق ليعرضوا أفلام المؤسسة». هذا ما كتبه السعدنى فى ذلك المقال الذى سنعود إليه مرة أخرى لاحقًا، لأن المعركة بدأت قبل ذلك بأسبوعين، عندما كتب السعدنى فى باب «هذا الرجل»، وهو زاوية مهمة فى مجلة «صباح الخير»، وكتب عن أن السحّار حوّل مؤسسة السينما إلى عزبة خاصة، ويوزّع أنصبتها على من يريد، أو من يفيد، وقال ساخرًا: «من شدّك تشدو ولو بعد حين»، واتهم السحّار بأنه يجامل ذوى القربى والمصالح على حساب الصالح العام، فجعل ابنة المخرج المعروف حسن الإمام تخرج عدة أفلام فى غاية الرداءة، كما وصفها السعدنى، بالإضافة إلى عبد الجواد الضانى الذى كتب عدة سيناريوهات، وصرّح السعدنى بأن السحّار له مصالح مباشرة مع الضانى، ولم يفلت اسم الضانى من طولة «لسان أو قلم» السعدنى، فكان الاسم محل سخرية لاذعة فى مقال السعدنى. هذا بالإضافة إلى أن السحّار كان يكلّف بعض الكتّاب بالمشاركة فى أكثر من فيلم، مرة بكتابة السيناريو، ومرة بكتابة الحوار، ومرة ثالثة بتأليف قصة وتحويلها إلى السينما، وكان ذلك يحدث على تنويعات اسمية مختلفة، مثلما ضرب مثلا باسم سامى أمين غنيم، والذى كان يكتب بأسماء سامى أمين أو سامى غنيم، أو أمين غنيم وهكذا، واستطرد السعدنى فى اتهاماته تجاه السحار، اتهامات ربما كانت كفيلة بالإطاحة بالسحّار. ولكن السحار لم يصمت، فكتب ردًّا على السعدنى فى العدد التالى من المجلة، ولجأ إلى حيلة يستخدمها كثير من المسؤولين، وهى اعتبار أن كل نقد ما هو إلا نوع من الابتزاز، وذكر أن السعدنى كان قد تقدم بقصته «تعلب مصر»، ولكن المؤسسة لم تنفّذها، لأن المخرجين غير راضين عنها، وأورد بعض الدفاعات الضعيفة عن موقفه الذى لا يحتمل اللبس، والذى يعنى أن خللا كبيرا قد أصاب المؤسسة فى عهده، وأفسح مجالا قويا للعبة المصالح والمجاملات فى ذلك الوقت. ولكن السعدنى لم يصمت، فرد عليه فى العدد نفسه بمقال عنوانه «اسكت إذا بعت.. واسكت أكثر إذا أردت أن تبيع»، وفى هذا المقال فتح مزيدًا من النار على السحّار، وقال بأنه كذاب كذاب كذاب، فحكاية «تعلب مصر»، كانت مؤسسة السينما هى التى طلبتها منه، وبالفعل كتبها، وتعاقد على كتابتها، ثم تقاضى مستحقاته كاملة، ولكن السحّار نفسه هو الذى عمل على تعطيلها، وهناك شركات إنتاج خاصة تقدمت بطلبات إلى المؤسسة لتنفيذ القصة، ولكن المؤسسة لم توافق، وبهذا تعطلت القصة. وهنا يجيب السعدنى عن السؤال الذى لا بد أن يسأله القارئ وهو: «لماذا يعمل السحّار على تعطيل قصة لكاتب مشهور ومرموق وناجح مثل السعدنى؟»، وهنا يعود بنا السعدنى إلى حكاية أخرى، وهى عندما كتب مقالا عنوانه عن نجيب محفوظ، عنوانه «هذا هو الكاتب وكلهم ركش»، وبعد ذلك اتصل السحّار بالسعدنى، وسأله: «ألم تقرأ رواياتى؟»، فأجاب السعدنى «لا»، وما كان من السحّار إلا أن أرسل كل أعماله له، وبعدما قرأ السعدنى عملا واحدا ولم يكمله، قال إنه لم يكمل قراءة أعمال السحّار مطلقًا، ولكنها ذهبت إلى المكان الطبيعى -كما يكتب السعدنى- وهو سلة المهملات. ولذلك يقول السعدنى بأن السحّار منذ ذلك الوقت، وهو يكِنّ سخطا للسعدنى، وعمل على تعطيل، بل ومنع بعض أعماله فى المؤسسة، وتدور المعركة على صفحات المجلات والصحف، لتكشف مأساة حقيقية فى هذه المؤسسة، ربما تكون قائمة حتى الآن.