إنهم سكان الركن المنسى من المدرجات، الباحثون عن متعة حقيقية دون صناعة تبيع كل شىء لمن يملك فقط، إنهم الجمهور الذى أصبح نجما أعلى من النجوم، والمهووسون الباحثون عن اللعب إلى الأبد، إنهم الألتراس العشاق المتيمون باللعبة، لا بالماكينة التى حولتها إلى صناعة رأسمالية لا يقدر على الاستمتاع بها إلا من يملك ثمن التذكرة. الألتراس ليسوا فقراء، لكنهم يبحثون عن متعة خالصة التهمتها ماكينات ضخمة مضغت كل هذه المتعة وحولتها إلى بضاعة غالية، تحقق لهم الأرباح الخرافية، بينما المتعة أصبحت أقل. الجنون بالمتعة الأصلية ليس كل ما لدى الألتراس، ولكن الخروج عن سلطة السوق التى أصبحت تحدد كل شىء، وتصنع آلهة اسمها نجوم الكرة، وتجعل من اللعبة ببساطتها، وحشا كبيرا ممنوع الاقتراب منه إلا عبر «مروضى الوحش» من تجار وسماسرة وإدارات واتحادات وشركات إلى آخر هذه المافيا التى لا يهمها المتعة مقارنة بتدوير ماكينة الأرباح. الألتراس ضد السلطة التى تحمى هذه الماكينات بكل ما لديها من أدوات قهر وسيطرة. إنهم ضد التيار، يبحثون عن متعة قديمة، ويتوحدون بلون الفانلة وبقوة تجمعهم... هذا بعض ما عرفته عن الألتراس، وكنت أراهم مجموعات فاشية، تدار بمنطق العصبة المتجمعة حول زعيم أو مجلس زعماء، يقودون كل معارك تدميرهم أشكال السلطة من الأمن المركزى إلى إدارة النادى. خيالهم هو سر نجاحهم، هذا ما قد تكتشفه بعد صدمة اقترابهم من الفاشية، وتكتشف أيضا أنهم مثل كل التجمعات المضادة للسوق، تحكمهم علاقات وروابط مخيفة، لأنها لا تلتزم بقوانين أصبح متعارفا عليها ولو كانت ظالمة. العمال الباحثون عن متعة الكرة فى إيطاليا تقريبا هم أول من قرروا تحويل الركن المنسى فى الملعب إلى مركز جديد عندما فكروا فى أن يجلسوا فى هذا الركن بتذاكر مخفضة، ويقيموا استعراضهم الذى سيجعل الجاذبية لهم وحدهم.. من هنا الألتراس هو الجنون الكامل بالفكرة. وقد تتحول إلى عصابات فاشية، كما حدث فى بعض بلدان أوروبا الشرقية، وتقود حروبا أهلية، وقد تجذبها مسارات ثورات التحرر من الديكتاتور كما حدث فى مصر. الألتراس فى مصر أحدث تحولا كبيرا فى هذه المجموعات التى أصبحت نجمة ملاعب الكرة، وصانعة دهشتها. الألتراس كان فى طليعة الثوار يوم 28 يناير بجسارتهم وقدرتهم على تحدى ماكينات الأمن الجبارة. الأمن لم يرحم يومها العزل والمتظاهرين السلميين، وانكسرت هيبته عندما كسر الألتراس حاجز الخوف. ما زلت أقف طويلا عند النزعة الفاشية فى الألتراس، لكنها لم تعد كل شىء. إنهم التعبير الإيجابى عما يسمى فى الأدبيات السياسية «الإناركية» ويترجم خطأ على أنه الفوضوية لكنه الاتجاه ضد كل سلطة تقهر الجموع من أجل أن تسعد مجموعات أو نخبا مختارة. وإذا كان جهاز أمن الدولة شعر فى أيام العادلى الأخيرة بخطورة الألتراس وخصص لهم فرقة مطاردة كاملة، فإن هناك فى الأمن من يتعامل معهم بنفس العقلية القديمة، معتبرا أنهم جموع من رعاع الملاعب، والحقيقة أنهم يضمون كوكتيلا مدهشا من الموظفين المهمين وحملة الشهادات العليا وطلاب المدارس الحكومية وطلاب المدارس الأجنبية وجامعيين وعمال مهرة وضباط بوليس وضباط جيش وأصحاب شركات... وهم بالنسبة إلى من ورثناهم من عصر الانحطاط (مبارك سابقا) من مذيعين وصحفيين وإداريين فى كرة القدم، مجرد مجموعات منفلتة. مَن أصدر أوامر بضرب الألتراس عندما بدأ الهتاف ضد العادلى ومبارك؟ الغريب أنه بالتزامن مع الهجوم الأمنى كان هناك جناح إعلامى بقيادة المذيع صابغ شعره، أنسى اسمه دائما، وأتذكر مدى الابتذال الذى يملأ الشاشة عندما يظهر عليها. هل غضب المذيع والضابط الذى أعطى أوامر الضرب من أغنية الألتراس؟ سأعيدها هنا ربما نفهم لماذا غضبوا: «ياغراب ومعشش.. جوا بيتنا.. بتدمر ليه.. متعة حياتنا.. مش هنمشى على مزاجك.. ارحمنا من طلة جنابك.. لفق لفق.. فى القضية.. هى دى.. عادة الداخلية». والأغنية ليست ضد الشرطة فى حد ذاتها ولا الأمن، ولكن إلى كل من يتصور أن العقلية البوليسية أو التسلطية ستحكمنا من جديد. وإليه نقول: كلنا ألتراس.