أسامة هيكل يثبت يوما بعد يوم أنه وزير تعتيم. يشبه فى حركته السياسية أشكال الإنسان الآلى الذى كانت أفلام السبعينيات تتخيل صناعته. أسامة هيكل حوّل الكوميديا إلى واقع ثقيل الظل، وقراره بوقف مخرج مباراة الأهلى وإنبى، لأنه أظهر لافتة ألتراس الأهلى، فرمان عثمانلى لا يعرف بعد أن الإعلام شىء والتضليل شىء آخر، لا يعرف أن الإعلام ليس نضارة موجهة تجعلك ترى ما تريد أنت فقط. الإعلام له وجهة نظر، وانحيازات، لكنه لا يلغى الواقع بمجرد عدم نقله، إنه يصنع أو يعيد صناعة المسافة بين الواقع والإعلام.. إنه يطبل فى واد والواقع فى واد آخر، ويتصور هو بعقلية روبوت إنتاج المصانع الحربية أنه سيغير الواقع أو يلغيه بمجرد عدم نقله. ألتراس الأهلى اختصر عقلية أسامة هيكل فى لافتة: أعطنى إعلاما مضلِّلا.. أعطك شعبا غير واعٍ. يدرك الألتراس خطورة أفعال هيكل وفرق التضليل التى احتلت التليفزيون الذى يدار بأموال الضرائب العامة، وتحوله كل سلطة إلى واحدة من أدوات القمع والترويض للجمهور دافع الخدمة ومستخدمها. لا يعرف أسامة هيكل أن الزمن تغير وأن عصر تصنيع الروبوتات فى المصانع الحربية ولّى وانتهى ودخلت كل إنتاجات هذا العصر إلى مخازن التُّحف فى الدول الحديثة. يتصور الوزير أن التعتيم سيلغى الألتراس أو يمنع رسالتهم من الوصول، أو يعطل الثورة على مفاهيم الفلول فى ملاعب كرة القدم. الألتراس محررو الملاعب من سطوة تحالف المال والسلطة، وهو تحالف غاشم، يمنع المتعة من المدرجات، ويبرر التسلط بالحفاظ على الأمن، الملاعب كانت مكانا لقهر جمهور كرة القدم، فاكهة اللعبة وصنّاع بهجتها، كان العسكرى والضابط يلف بحصانه ويحمل عصاه لينزل بها على الجمهور المزدحم كأنهم عبيد اللعبة، وليسوا المستمتعين بها. التعامل مع الجمهور على أنهم قطعان العبيد الذين يدورون فى ماكينة المال لديناصورات اللعبة. كرة القدم تتحول فى العالم من لعبة متعة إلى صناعة تمص كل مقومات المتعة لصالح رأسمالية جبارة، وهذه هى المفاهيم التى من أجلها تكوّن الألتراس الباحثون عن المتعة المدافعون عن حق الجمهور فى الحرية. وهذه معركتهم التى لا يمكن لروبوت التضليل أن يفهمها أو يتعامل معها بحكمة، لا بخدمة السلطة. الألتراس ضد السلطة، ليس معناها السياسى فقط، ولكن بوجودها كمانع للمتعة. من هذه النقطة التقى الألتراس مع الثورة ضد السلطة التى طاردتهم فى أركان الملعب وتعاملت معهم على أنهم خارجون عن القانون، وهم فى الحقيقة ضد تيار تحويل الكرة إلى أداة لقهر الشعوب وتعميتها. جنون الألتراس مشروع فى إطار سيطرة من يسمونهم اتحاد الفلول، الذى وصل إلى مواقعه بتربيطات مع مفاتيح نظام مبارك وشراكات سياسية واقتصادية مع شخصيات تسكن الآن مزرعة طرة. اتحاد الكرة هو أحد مواقع انتشار أذناب النظام وطريقته فى إدارة اللعبة لتكون مخدرات الشعب العاشق لمتعة يتحكم فيها تحالف السلطة والمال، برعاية أو حماية أمنٍ لم يتعلم بعدُ المسافة بين الحماية والقمع، لأنه ما زال يعمل بعين واحدة، عين الفاشية التى ترى فقط خدمة صاحب السلطة. أسامة هيكل تحالف مع سمير زاهر، رئيس اتحاد الكرة، ضد الألتراس الذين قد يثيرون ذعرك أو إزعاجك بطرق التشجيع غير الأليفة، أو بألفاظهم الخارجة عن النص، لكن الثورة تدفعنا إلى أن كل المهذبين فى السلطة مارسوها بشكل غير مهذب، وأن أناقة جمال مبارك وأبيه لم تمنعه من امتصاص ثروته بقوة نفوذ أبيه من دم ولحم هذا الشعب، بل كان يريد سرقة حكم الشعب دون إرادته! الثورة التى قيل إنها «قلة أدب» من «عيال التحرير» حررت مصر من رئيس، كانت أجهزة التضليل والترويض كلها تصفه بالأب.. والثورة كسرت هذه القيم الزائفة، وستظل تكسر كل زيف أصبح قيمة فى حياتنا.. الألتراس يدافعون عن الحرية.. مهما رأيت أقنعة الأدب والتهذيب على وجوه الحرامية.