بعد عدة أيام ستخفت فى مصر الضجة التى سببها الحادث الإجرامى ضد جريدة «شارلى إبدو»، وبالتدريج سيقل الكلام عنه، وسيتوارى شيئا فشيئا الحماس، الذى غمر الكتاب حتى امتلأت الصحف بالكتابات، التى تدين الحادث وتهاجم الإرهاب وتدافع عن الإسلام السمح، الذى ترفض تعاليمه القتل والإجرام والإرهاب، ولكن يبقى السؤال: ماذا بعد؟ ماذا نفعل عندما تنشر نفس الجريدة أو مجلة أخرى صورا مسيئة للرسول؟ كيف سيكون رد فعلنا؟ أعتقد أننا نحتاج إلى دراسة هذا الأمر بجدية وعقلانية بعيدا عن العواطف، هل الحل يكون فى الصمت تماما وكأن شيئا لم ينشر؟ وبالتالى لا تُثار ضجة حولها، ولا نلفت الأنظار إليها، غالبا ما تكسب المطبوعة انتشارا ورواجا كبيرا بعد الهجوم عليها. وتستفيد من إعلان أن المسلمين يهاجمونها والمتطرفين يهددونها، مثلا جريدة شارلى إبدو وزعت 5 ملايين نسخة فى العدد التالى للهجوم عليها، وحظيت بدعم كبير رغم أنها كانت تحقق خسائر ضخمة قبل الحادث الإرهابى، أيضا رواية آيات شيطانية ، التى نشرت فى التسعينيات حققت مبيعات ضخمة أكثر من المتوقع لها بعد تهديد إيران كاتبها سلمان رشدى بالقتل، كما حظى هو بشهرة لم يكن يتوقعها، وتعاطف كبير فى الغرب، وإذا صمتنا فى العالم الإسلامى إزاء هذه الكتابات والرسومات المتوقع زيادتها بعد حادث شارلى إبدو ، هل يسكت الإرهابيون الذين يدعون الدفاع عن الإسلام؟ وهو ما يضطرنا إلى أن نعيد كل ما قلناه من قبل عدة مرات عن أسفنا ودفاعنا عن الإسلام، وأن مرتكبى الحادث خوارج عنه؟ والواقع أننا فى كل الحوادث الإرهابية، التى وقعت فى الغرب كنا نتحدث مع أنفسنا دون أن نخاطب الغربيين باللغة التى يفهمونها وبالأسلوب الذى يقنعهم؟ هل اقتنع المواطن الغربى البسيط بعد كل ما قلناه وكتبناه ببراءة الإسلام من تهمة الإرهاب؟ بعد أن شاهد على شاشات التليفزيون وقرأ فى الصحف وسمع من زملائه أن مسلمين قتلوا 12 صحفيا فرنسيا، لأنهم نشروا صورا وكاريكاتيرا عن نبى الإسلام اعتبروه مسيئا له؟ هل يستطيع أن يفرق الأوروبى البسيط بين المسلم الحقيقى، الذى يؤمن بالسماحة والمحبة والإنسانية، وبين المتطرف والمتعصب والإرهابى المنتمى اسما إلى الإسلام؟ ربما كان أبلغ دفاع عن الرسول هو ما نشرته شارلى إبدو نفسها قبل وبعد الحادث عندما نشرت كاريكاتيرا منذ فترة تصور فيه رجلا ينتمى إلى داعش يقتل رجلا يرتدى جلبابا أبيض وله لحية بيضاء، ويقول القاتل للمقتول يا كافر ، بينما يرد الأخير بدهشة أنا الرسول محمد ، وهو ما يعنى أن الرسول لا علاقة له بإرهاب داعش بل هو ضحية له، أيضا الرسم الذى نشرته بعد الحادث، ويصور الرسول وهو يبكى على الضحايا، ويرفع لافتة أنا شارلى ، فى إشارة إلى تضامنه مع الضحايا وتحديه الإرهاب، وفى الرسمتين كان المعنى المقصود أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا علاقة له بإرهاب داعش ، بل هو ضحية له، وأنه يتعاطف مع ضحايا الحادث الإرهابى ويتحدى القتلة. من الطبيعى أن ترفض الغالبية العظمى فى العالم الإسلامى رسم الرسول حتى ولو كان لصالحه تعظيما وإجلالا له، لكن لدى المواطن الغربى قد تكون مثل هذه الكاريكاتيرات أفضل من أى دفاع نقوله نحن عن الرسول والإسلام، ويبقى السؤال: ماذا نفعل؟ هل نستطيع أن نتبنى حملة فى الأممالمتحدة لمنع نشر الإساءات للشخصيات الدينية المقدسة فى الأديان المختلفة حرصا على مشاعر المنتمين إليها ودون أن يمنع ذلك المناقشات الجادة والدراسات المتعمقة أو يعرقل حرية الفكر؟ وإذا نجحنا فى ذلك رغم صعوبة صدور مثل هذا القرار هل نستطيع نحن تنفيذه، بينما يقوم بعضنا بحرق الإنجيل؟ وهل نقبل بعدم إهانة بوذا بينما دستورنا لا يعترف بعقيدة أتباعه؟ وهل لا نكفر البهائيين ونتركهم وما يعتقدون دون أن نصفهم بالمرتدين، ونطالب بحبسهم؟ إنها أسئلة صعبة وحرجة، لكن مطلوب الإجابة عنها إذا كنا نريد حلا، ولعل الأمر يحتاج إلى مؤتمرات وندوات ندرس فيها الأمر، ويكون الأزهر، إذا كان راغبا فعلا فى تجديد الفكر الدينى، على استعداد للاستماع إلى وجهات النظر المختلفة والتعاطى مع أفكار غير تقليدية، وإلا سنظل ندور فى حلقة مفرغة.