دون الدخول فى جدل الرسوم التى نشرتها الجريدة الفرنسية أو الحوادث الإرهابية التى تلتها، سواء تلك التى استهدفت صحفيى الجريدة أو مرتادى المتاجر العابرين أو كون هذه الحوادث قد أسهمت فى إعادة طبع العدد المثير للجدل مرة أخرى بأعداد أكبر. أسلط الضوء هنا على نقطة ربما لم تأخذ حظها بعد من التداول. حيث سقط خلال الأحداث الإرهابية فى فرنسا الأسبوع الماضى 17 شخصًا، بينهم 4 من اليهود كانوا قد احتجزوا بمتجهر يهودى تمت مداهمته من قبل الإرهابيين فى محاولة لاحتجاز رهائن تمكنهم من الهرب من ملاحقة الشرطة. وقد رأينا جميعًا كيف تطفل رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو على المسيرة الفرنسية لمناهضة الإرهاب وإعلاء قيمة الحرية. ولكن الأمر لم يتوقف عند ذلك، بل إن اليهود الأربعة الذين قُتلوا فى الأحداث قد تم دفنهم فى القدس، رغم أنهم ليسوا إسرائيليين وتمت إقامة مراسم رسمية لتشييعهم بحضور شخصيات رسمية إسرائيلية وفرنسية. وقد كشف تقرير ل بى بى سى عن أن الهجمات المتتالية على يهود فرنسا، وآخرها هذه الحادثة، قد أقنعت عددًا كبيرًا من اليهود الفرنسيين بالهجرة إلى إسرائيل التى تستهدف زيادة عدد سكانها باستماتة، خصوصًا أن اليهود الفرنسيين يبلغ عددهم ما يقارب نصف المليون. وبالفعل قد شكل عام 2014 ذروة هذه الهجرة المتسارعة إلى إسرائيل، حيث قدم إليها نحو 7 آلاف يهودى فرنسى بغرض الاستقرار النهائى. والأهم أيضًا أن عددًا من هؤلاء المهاجرين الجدد يقضون فترة تجنيدهم الإجبارية فى إسرائيل بأداء مهمة محددة وهى محاولة إقناع اليهود الفرنسيين المتبقين بالرحيل إلى إسرائيل. وهو ما صرح به الرئيس الإسرائيلى فى أثناء مراسم دفن اليهود الأربعة، إذ قال، حسب فرانس 24 : أشقائى وشقيقاتى الأعزاء المواطنون اليهود فى فرنسا، أنتم موضع ترحيب فى إسرائيل.. لكن لا يمكنكم العودة إلى أرض أجدادكم بدافع اليأس أو بسبب الدمار أو ويلات الإرهاب والخوف . وإزاء هذا التصريح اللزج والسلوك الأشد لزوجة، سواء باستغلال الأحداث لتنشيط قضية الهجرة إلى إسرائيل أو بادعاء أن إسرائيل نفسها ضحية للإرهاب -وهى الراعى الرسمى له والمنتهك الأساسى للحقوق الأساسية للشعب الفلسطينى- أتصور أننا بحاجة إلى التفكير بجدية فى ما يتخطى ثنائية الخطاب الاعتذارى أو رد الفعل العنيف بما يجنبنا الدخول فى حالة استقطاب حاد تفرق العالم إلى فسطاطين أو معسكرين، وتعطى الفرصة للمتطرفين للصعود والظهور. والأهم أن لا تعطى فرصة لإسرائيل وأذرعها المتعددة أن تستفيد من أخطاء بعضنا وزلات البعض الآخر كى تحقق المزيد والمزيد من المكاسب على حساب مصالحنا المحقة التى لا تجد ربما من يدافع عنها بما يليق بها. ولذا كان فى رأيى أفضل ما تم من حملات التفاعل مع هذه الأحداث هو الخروج من القوالب الجاهزة مثل أنا شارلى / أنا لست شارلى أو حتى أنا أحمد الضابط الفرنسى المسلم الذى قُتل فى الأحداث، إلى التذكير بجرائم إسرائيل وقضايانا المحقة عبر تبنى أنا ناجى العلى الرسام الكاريكاتيرى الفلسطينى وإعادة نشر رسوماته التى تفضح جرائم إسرائيل وتواطؤ العالم، وفى مقدمتهم العرب أنفسهم ضد الفلسطينيين آنذاك.