ما أن انتشرت أجواء التفاؤل بين القوى السياسية المختلفة بقرب التوصل إلى اتفاق على تشكيل الجمعية التأسيسة الجديدة حتى انفجر الموقف مرة أخرى، وعدنا إلى المربع الأول وقد جاء ذلك نتيجة تقديم تفسيرات جديدة للتفاهمات التى تم التوصل إليها فى حضرة المجلس العسكرى، كان تصور القوى المدنية وتحديدا أحزاب الكتلة المصرية (المصرى الديمقراطى الاجتماعى، المصريين الأحرار، والتجمع) وحزب التحالف الشعبى، مبنيا على أن تقاسم المقاعد سوف يتم بين ثلاث كتل رئيسية هى مؤسسات الدولة المصرية (الجيش، الشرطة، العدل، والقضاء) والمجتمع المدنى (الأزهر، الكنيسة، والنقابات) وحصتها 21 مقعدا، وتيار الإسلام السياسى وأخيرا الأحزاب السياسية المصرية والشخصيات العامة، وكان التصور مبنيا على تقاسم الحصة المتبقية (79) بين هاتين الكتلتين على أساس أن الكتلة الأولى من مؤسسات الدولة والمجتمع تعد الكتلة الرمادية أو غير المنحازة وغير المنتمية إيديولوجيا والتى تقف على مسافة واحدة من الكتلتين اللتين تمثلان طرفى نقيض، ومن ثم فهى ضمانة عدم جور تيار على آخر، فهى تعبر عن الدولة المصرية، وهى مؤسسات تتسم بالاعتدال والوسطية. ما حدث هو أن رئيس حزب الوفد الدكتور السيد البدوى فاجأنا بالقول إن حزبى الحرية والعدالة والنور لهما معا نصف المقاعد، أما النصف الثانى فيخص باقى قوى ومؤسسات وأحزاب ونقابات مصر، أى أن النصف الثانى مخصوم منه 21 مقعدا هى حصة مؤسسات الدولة والمجتمع المدنى، وهناك أربعة مقاعد أخرى لحزبى الوسط والبناء والتنمية والأخير هو الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، يتبقى بعد ذلك 25 مقعدا منها 11 مقعدا للأحزاب السياسية بواقع أربعة مقاعد ل«الوفد» ومقعدين ل«المصريين الأحرار» ومثلهما ل«الديمقراطى الاجتماعى» وواحد ل«التجمع» وآخر ل«التحالف الشعبى» ومثله ل«غد الثورة»، يتبقى بعد ذلك أربعة عشر مقعدا تخصص للشخصيات العامة وتمثيل المرأة والشباب والأقباط. وعندما جادلنا فى كيفية حصول السلفيين والإخوان بمفردهما على نصف مقاعد الجمعية التأسيسية قالوا إن حصتهما فى البرلمان سبعون بالمئة، ومن ثم فقد تنازلا عن عشرين بالمئة، وعندما قلنا إن حصتهما فى الانتخابات الرئاسية لم تزد على خمس وعشرين بالمئة، قالوا إن المقياس هو البرلمان لا الرئاسة، وعندما قلنا إننا نشكل جمعية تأسيسية لكتابة دستور لمصر لا دستور لتيار سياسى، قالوا إنها إرادة الشعب المصرى العظيم، وإن الشعب يريد تطبيق المشروع الإسلامى. كان واضحا أن خيوط الاتصال تشابكت على نحو أحدث تداخلات كثيرة من شخصيات محسوبة على أحزاب مدنية موصوفة بالليبرالية، فباتت تتبنى رؤية حق الإخوان والسلفيين فى نصف المقاعد وخصم حصة مؤسسات الدولة والمجتمع المدنى من النصف الآخر. معنى ذلك ببساطة أن حصة التيار المدنى لن تزد على عشرين عضوا، وهى نسبة تضمن للكتلة المدنية تمثيلا شرفيا، فالتيار الإسلامى فى هذه الحالة ستكون حصته أكثر من 65 عضوا، ومن ثم يمكنه تمرير ما يريد من قرارات وتبنى ما شاء من مواد، فالنسبة التى اتفقوا عليها فى حضرة المجلس العسكرى هى 57٪ فى حالة الاختلاف، وهو أمر مشروع أن يستمر الاختلاف إلى ما بعد 48 ساعة حتى يكون التصويت بهذه النسبة. أكدنا بوضوح شديد أن السير فى هذا الاتجاه لن يحقق التوافق، وأن تيار الإسلام السياسى ليس لديه ما يخشاه، فليس بمقدور القوى المدنية تمرير قرار أو فرض مادة واحدة فى الدستور الجديد، وما طلبناه كان مبررا، لأن القوى المدنية لديها ما تخشاه لا سيما بعد إعلان الإخوان والسلفيين اتفاقهما على تعديل المادة الثانية كى تنص على أن «الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع»، وهو نص يساوى كلمة «أحكام الشريعة»، وهنا تتزايد المخاوف من تغيير هوية مصر باتجاه تدشين دولة دينية على غرار إيران والسودان، وهو الأمر الذى رأت معه أحزاب الكتلة المصرية والتحالف الشعبى والكرامة وعدد كبير من الشخصيات العامة الانسحاب من المفاوضات حتى ترسل للأمة وللقوى السياسية الأخرى رسالة تحذير مما هو آت وحتى توضع كل القوى السياسية أمام مسؤولياتها التاريخية.