أخيرا، وقبل أن نترك عالم الفن، ونعود إلى المسار المعتاد فى عالم السياسة، لا بد أن أشير هنا إلى أن السنوات الأخيرة أطلقت أكثر من صفارة إنذار للدراما المصرية، وعشرات الأقلام المتخصّصة حذّرت مما ينتظرها، بعد أن تم غزوها بعشرات من النجوم العرب، الذين أهلا ومرحبا بهم، لو أنهم سيضيفون إلينا فقط، وبعد أن انتشرت الدراما السورية والتركية والإيرانية المدبلجة، على نحو غير مسبوق، مع جودة قصتها، وجمال صورتها، وجديد أدائها... والأهم رخص سعرها، مقارنة بالارتفاع المخيف فى تكلفة إنتاج الدراما المصرية، وضعف مستواها الفنى، وتكرار قصصها على نحو ممل.... وأتعشّم أن لا يكون صنّاع الدراما مثل أفراد النظام السابق... نكتب فلا يقرؤون، ونقول فلا يسمعون، ونشرح فلا يفهمون، ثم يفاجؤون أخيرا بالسقوط، الذى حذّرهم الجميع منه، فمن المدهش دوما، أن أوّل من يفاجأ بالسقوط، هو من تسبّب فيه، ربما لأن النجاح السريع، والمكسب الكثير يغريانه، ويصمان أذنيه، ويعميان عينيه، ويضعان حاجزا صلبا أمام عقله... وحتى فكرة أن يقتصر موسم الدراما التليفزيونية على شهر رمضان، ويقتصر عرض الأفلام الجديدة على الأعياد والإجازات، لا بد من إعادة النظر فيها. باختصار، لابد من ثورة فنية حقيقية، تواكب الثورة المصرية، ولقد تابعت بضح حلقات من مسلسل رائع، يقوم ببطولته أحمد شاكر، حول العالم المصرى الفذ على مصطفى مشرفة، الذى ولد فى دمياط، وتخرج فى مدرسة المعلمين العليا، وحصل على دكتوراه فلسفة العلوم، من جامعة لندن، ثم كان أول مصرى يحصل على درجة دكتوراه العلوم من الجامعة نفسها، ومُنح لقب أستاذ فى جامعة القاهرة، وهو دون الثلاثين من عمره.... هذا المسلسل هو نموذج لما ينبغى أن تقدّمه الدراما لشبابنا، فى تلك الفترة، التى ينبغى أن يبلغ فيها الاهتمام بالعلوم مبلغه، إذا كنا نريد بناء مصر الحديثة، القادرة على اللحاق بركب الحضارة، الذى تخلّفنا عنه طويلا وكثيرا، فلم يعد باستطاعتنا أن نعد لهم ما استطعنا من قوة، ولا من رباط الخيل، ولم نعد قادرين على أن نرهب عدو الله سبحانه وتعالى، وعدوّنا، لأننا اكتفينا بدور المراقب، والغاضب، والمهدّد والمتوعّد، وتركناهم هم يتعلمون ويبتكرون ويخترعون ويتطوّرون، ويصنعون أسلحة ترهبنا، ونستوردها نحن منهم، أو نهرّبها، لنحاربهم بها، ولا ننتج أو نبتكر سلاحا واحدا منها، يمنحنا بعض القوة فى مواجهتهم... الحديث فى الفقرة الأخيرة قد يبدو حديثا فى السياسة، ولكنه فى الواقع ليس كذلك، بل هو حديث عن الدور، الذى ينبغى أن تقوم به الدراما، ومسؤوليتها تجاه المجتمع... حديث فن.. مش سياسة.