التقط خالد جريدته، وما أن شاهد خبرا فى أسفل الصفحة الأولى، حتى ظهرت عليه علامات الاستغراب والدهشة، قائلا: بعد غزوة الصناديق، بدأت غزوة الحلاقين!! أحمد: حلاقين إيه؟! قرأ خالد الخبر بصوت مرتفع (فى مؤتمر حاشد، سأل أحد الحضور «الشيخ» عن جواز التكسب من صالونات الحلاقة، فأجابه الشيخ بأنه لا يجوز التكسب من حلق اللحى!) مسخرة!! أحمد باسما: ليت الأمر يقتصر على تلك الفتاوى الغريبة، الأخطر ما يقولونه بصوت عال بعد الثورة حول الأقباط وكثير من القضايا التى من الممكن أن تنسف البلد بأكملها. خالد: كانوا يقولون الكلام نفسه قبل الثورة، لكنهم كانوا أقل جرأة من ذلك. ثم أكمل حديثه، وهو يضرب بيديه على الطاولة: البلد فعلا هتضيع، من أين أتوا بتلك القيم، أشعر كأننا كنا طوال السنين السابقة نعيش كمسلمين فقط، فجأة اكتشف أحد رحالتنا مجموعة من الأقباط فى منطقة نائية، فاحترنا جميعا، وصرنا لا ندرى ماذا نفعل فيهم، فعملنا البدع!! أحمد: يا سيدى الملف الطائفى متأجج منذ عقود، وما يحدث الآن من توتر كان قائما من قبل، لكن كثيره كان خفيا وقليله معلوما، الأمر فقط اختلف بعد غياب أمن الدولة، ضباط إيقاع ملف الفتنة الطائفية. قطع حديثهم عم سعيد، الذى أحضر المشاريب، قائلا: الشاى يا بهوات. وبينما كان يضع الأكواب على الطاولة سألهم: فين على، ماجاش ليه النهارده، ماعهوش فلوس؟ تهللت أسارير خالد بمداعبة عم سعيد، وأجاب ساخرا: يجلس على مقهى أكثر نظافة. عم سعيد مبادلا إياه بابتسامة: أحسن. ركز أحمد بصره على رجل عجوز يعبر الطريق، ثم عاد ببصره إلى خالد قائلا، ما زلت عاجزا عن فهم موقف المجلس العسكرى، أوليس هذا المجلس مسؤولا عن إدارة وتأمين المرحلة الانتقالية؟ حرك خالد رأسه مؤمنا ومؤكدا على كلام أحمد قائلا: فى تقديرى، كما كان يفعل النظام السابق بالضبط، فقط إسعافات ومسكنات مؤقتة دون حلول جذرية.. لا بد أن يحسم المجلس العسكرى هذا الملف، ويقولها صريحة، أى دولة يريد، دولة دينية تتصارع فيها الطوائف والأديان، أم دولة مدنية؟ أحمد: ولكن ضع نفسك مكان المجلس العسكرى، الأمر شديد الحساسية، وهؤلاء يلعبون ببراعة على عواطف المصريين، ونحن شعب متدين بطبعه. خالد وقد علا صوته ثائرا: ما علاقة ما يقولونه بالدين؟ تحريم كلية الحقوق، وتحقير المرأة، والاستيلاء على المساجد، وغيرها من الترهات.. هل هذا هو الدين؟! أو لم يحرموا من قبل الخروج على مبارك، ثم أصبحوا مع الثورة بعدها؟! لا بد أن يحارب المجلس العسكرى تلك الفتنة بتوجه واضح وسياسات لا تقبل خرق القانون، ولا بد أن تتوقف مهزلة قبول الأحزاب على أساس دينى. أحمد: عندك حق.. الكارثة أنهم صاروا يدركون أن حجم مؤيديهم لن يسمح بمعاقبتهم أو مواجهتهم. أحمد: مشكلتهم الرئيسية أنهم بعيدون عن قول الله تعالى (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك)، تخيلوا، الله سبحانه، ينصح نبيه بأن يتبع أسلوبا حسنا فى الدعوة.. هم من سيدفعون الناس للبعد عنهم. خالد: ولكن أين دور الأزهر والمواجهات الفكرية؟ لماذا لا يستعيد دوره السابق، أو لم تكن تلك المؤسسة العريقة ذات يوم هى التى صنعت بحق تيار التنوير فى مجتمعنا.. كتب كثيرة قرأتها قالت إن علماء الأزهر هم الذين صنعوا نهضة مصر الحديثة، ألم يكن رفاعة الطهطاوى الذى ذهب إلى باريس هو الذى نادى بنقل النهضة والحضارة من الغرب، حتى نتمكن من أن نخرج من الجهل والظلام، ألم يكن طه حسين نفسه قد تلقى علومه داخل أروقة الأزهر، وظل حتى النهاية، وبعد خروجه إلى الوظائف المدنية أزهريا حتى النخاع؟! أى داعيا للتنوير وتحكيم العقل. علا صوت خالد للدرجة التى دفعت المحيطين به على المقهى إلى أن يثبتوا بصرهم نحوه، احمر وجهه خجلا بينما ابتسم أحمد، وبادر بوضع ثلاثة جنيهات على الطاولة مناديا عم سعيد، الذى عاد صائحا «أيوووووه جااااى».