حسم «إعلان القاهرة» الصادر عقب انتهاء القمة الثلاثية المصرية-اليونانية-القبرصية بين الرؤساء عبد الفتاح السيسى رئيس مصر وأنتونيس ساماراس رئيس وزراء اليونان ونيكوس إنتساسيادس رئيس قبرص «8 نوفمبر 2014» جدلا مفتعلا حول حقوق مصر فى ثروات الغاز الطبيعى والنفط الهائلة المكتشفة ب«المناطق الاقتصادية الخالصة» الواقعة فى شرق البحر المتوسط، حيث نص هذا الإعلان، الذى يمكن أن يؤسس لشراكة استراتيجية- اقتصادية، بين الدول الثلاث تكون نواة لنظام إقليمى فرعى جديد، على المبادئ الحاكمة لمواقف الدول الثلاث من قضية التقاسم العادل لهذه الثروات، وعلى الأخص تأكيد أهمية احترام الحقوق السيادية وولاية جمهورية قبرص على منطقتها الاقتصادية الخالصة، ودعوة تركيا إلى التوقف عن جميع أعمال «المسح السيزمى» الجارية فى المناطق البحرية لقبرص، والامتناع عن أى نشاطات مشابهة فى المستقبل. وقبل طرح هذا الإعلان كان الرئيس عبد الفتاح السيسى قد أكد فى المؤتمر الصحفى المشترك الذى عقد فى ختام القمة الثلاثية اهتم الرئيس السيسى بتأكيد أن القمة الثلاثية بين كل من مصر وقبرص واليونان «تمثل نقطة انطلاق لشراكة حقيقية بين الدول الثلاث»، كما أوضح أن «الدول الثلاث عازمة على تعزيز التعاون فى كل المجالات انطلاقا من وجود قاعدة عريضة من المصالح المشتركة التى تهدف إلى تحقيق الاستفادة القصوى من جهود التنمية الاقتصادية، بما يمثل نموذجا لعلاقات التعاون وحسن الجوار والعمل على تفعيل الاستفادة الكاملة من الاتفاقيات الموقعة مع الدولتين فى كل المجالات، وهو ما ينبع من احترام لقواعد القانون الدولى ومبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة خاصة بالنسبة إلى سيادة الدول، وعدم انتهاك حقوقها، وعدم التدخل فى شؤونها الداخلية». واضح أن الرئيس كان حريصًا على أن يحسم جدل الخلاف حول مسألة ترسيم الحدود البحرية مع قبرص ارتكازا على قاعدتين، الأولى هى احترام قواعد القانون الدولى ومبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة، والثانية مصالح مصر السياسية والاقتصادية، مما يعنى أن الالتزام بالقواعد الدولية لن يكون على حساب المصالح المصرية وإدارة هذه المصالح. فما سبق أن أثير من اتهامات بحدوث تفريط فى ترسيم مصر لحدودها البحرية مع دول شرق المتوسط لم يكن له أساس من الصحة، فمصر لم تقم بعد بترسيم كامل حدودها البحرية حتى الآن مع دول حوض شرق البحر المتوسط باستثناء ترسيم الحدود مع قبرص، كما أن ترسيم الحدود مع قبرص بشأن ما يسمى ب«المنطقة الاقتصادية الخالصة» بين البلدين جاء استنادا إلى نصوص وأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، وهى الاتفاقية الدولية الشارعة العامة التى تحكم كل ما يتعلق بالبحار فى عالمنا المعاصر، والتى صدقت عليها كل من مصر وقبرص. والمنطقة الاقتصادية الخالصة يقصد بها تلك المناطق الواسعة من البحر التى تقع خلف المياه الإقليمية للدولة، وكانت تدخل فى السابق ضمن البحر العالى التى ليس للدول الساحلية سيادة عليها من أى نوع، لكن جرى منح الدول سيادة منقوصة عليها فى المجال الاقتصادى فقط، كى لا تكون ثروات البحار قصرا على الدول البحرية الكبرى، ومن هنا جرى تسميتها بالمنطقة الاقتصادية الخالصة، أى فى مجال استثمار الثروات الحيّة وغير الحيّة المعدنية والبترولية، على أن تبقى هذه المنطقة فى غير هذه الشؤون جزءا من أعالى البحار، مما يعنى أن الملاحة فى هذه المنطقة تبقى حرة تماما، إعمالا للقاعدة العامة وهى قاعدة حرية الملاحة فى أعالى البحار. ونظرا لأن اتساع منطقة شرق البحر المتوسط لا يسمح بحصول كل من مصر والدول المقابلة لها على الشاطئ الآخر من البحر على الحد الأقصى الذى حددته اتفاقية قانون البحار للمنطقة الاقتصادية الخالصة وهو 200 ميل بحرى، فقد تم ترسيم خط الحدود للمنطقة الاقتصادية الخالصة بين مصر وقبرص، وفقا للمادة الأولى من الاتفاقية عن طريق خط الوسط أو خط المنتصف، كما أوضح الزميل العزيز الدكتور محمد شوقى عبد العال، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، فى دراسة حديثة مهمة له فى مجلة «آفاق سياسية». من أبرز ما جاء فى هذه الدراسة أن ما أثير من تفريط فى حقوق مصر الاقتصادية بالمنطقة الاقتصادية الخالصة مع قبرص كان من جانب نظام حكم الإخوان وبإملاءات وضغوط تركية وخدمة لوجهة نظر تركية ترفض أن تتعامل مع قبرص كدولة لها حقوق الدول فى حدودها البحرية، بحيث يحق لها أن تحصل على 200 ميل بحرى منطقة اقتصادية خالصة، ولكن أرادت تركيا أن تتعامل مع قبرص كمجرد جزيرة ليس لها حقوق تفوق ال12 ميلا بحريا فقط هى حدود بحرها الإقليمى. مصر ترفض أن توظف لخدمة مصالح تركية وأن تتجاوز القانون الدولى وأحكامه، لذلك جاء إعلان القاهرة ليحسم موقف مصر من هذه المشكلة، لكن الأهم أن يوظف هذا كله فى تأسيس شراكة حقيقية قوية مع كل من قبرص واليونان يمكن أن تكون مقدمة لنوع جديد من علاقات التعاون الإقليمى فى مجالات مختلفة اقتصادية وسياسية وثقافية وأمنية على قاعدة المصالح المشتركة وتوازن المصالح وليس على قاعدة التنافس والصراع الذى يدمر كل فرص البناء والتنمية. فمصر أمامها فرصة لتطوير علاقة شراكة قوية مع كل من اليونان وقبرص لا يكون هدفها فقط موازنة الدور التركى أو التصدى للأطماع التركية، ولكن وضع إطار تفاعلى لاستثمار أفضل لثروات الغاز والنفط الهائلة فى شرق المتوسط، يكون أساسا لنظام فرعى إقليمى وظيفى يفتح آفاق التعاون المصرى مع كل دول حوض البحر المتوسط والاتحاد الأوروبى.