20 صورة ترصد جولة رئيس الوزراء في عدد من مدارس كرداسة اليوم    جامعة سوهاج تكرم الناجحين في برنامج إعداد المدربين المعتمدين    النواب يوافق على 9 اختصاصات للمجلس الوطني للتعليم    "جبران": عرض مسودة قانون العمل الجديد على الحكومة نهاية الأسبوع الجاري    انطلاق مهرجان «أكتوبر العزة والكرامة» بجامعة القناة (صور)    الاثنين 21 أكتوبر 2024 .. نشرة أسعار الأسماك بسوق العبور للجملة    «الوزير» يبحث مع «تكنولوجيا الحديد» إنشاء مصنع للأبواب المصفحة والمعدنية المقاومة للحريق    شقق ب 180 ألف جنيه.. أسعار وشروط حجز وحدات سكن لكل المصريين 5    إيقاف نشاط ورشة وفتح شارع.. محافظ الجيزة يستجيب لطلبات مواطنين    زراعة المنوفية: توزيع 54 ألف طن أسمدة على المزارعين    إطلاق صفارات الإنذار في 142 موقعا بشمالي الأراضي المحتلة بعد إطلاق صاروخ باليستي    إيران: سنواصل التنسيق لوقف التوتر المنطقة    وزير الخارجية يدين التصعيد الإسرائيلي في غزة ولبنان    يحط من منصب الرئاسة الأمريكية.. هاريس: لن نسمح لترامب بقيادة البلاد مرة أخرى    الخارجية اللبنانية تدين الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على مراكز اليونيفيل    وزير الدفاع الأمريكي يصل كييف لمناقشة طلب أوكرانيا الانضمام للناتو    السوبر المصري في الإمارات.. قمة جديدة تفض الاشتباك بين الأهلي والزمالك    "رد سريع".. الزمالك يقرر معاقبة لاعبه بسبب ما فعله أمام بيراميدز    كشف ملابسات تداول مقطع فيديو يتضمن تضرر فتاة من تعدى سائق عليها ورفقائها بالسب والشتم بكفر الشيخ    حملات أمنية مكثفة لمواجهة أشكال الخروج على القانون كافة    الحرارة 35 بهذه المناطق.. توقعات طقس الساعات القادمة    ضبط 4 أطنان أعلاف مجهولة المصدر بحملة تموينية مكبرة بالقليوبية    اختلفا على مكان فرش الفاكهة.. جنايات بنها تعاقب المتهم بقتل زميله في القليوبية    إصابة مواطن خلال عبوره مزلقان سكة حديد في قنا    مهرجان أسوان.. الثقافة تقيم حفلين في "أبو سمبل" ب ليلة تعامد الشمس    سر خفي.. كشف لغز تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني في أبو سمبل -صور    شاهد.. حملة للتبرع بالدم بمديرية أمن الأقصر (صور)    فيتامينات مهمة قدميها لطفلك كمكمل غذائي حفاظا على صحته    حسام هيبة: هونج كونج تعتبر مصر بوابة الاستثمار إلى أفريقيا والشرق الأوسط    وزيرة التضامن الاجتماعي تبحث مع سفير قطر بالقاهرة تعزيز سبل التعاون    التعليم : سعر الحصة لمعلمي سد العجز 50 جنيها شاملة كافة الاستقطاعات    محفوظ مرزوق: عيد القوات البحرية المصرية يوافق ذكرى إغراق المدمرة الإسرائيلية «إيلات»    بينيا: قدمنا مباراة رائعة أمام إشبيلية.. وخبرة تشيزني كبيرة    موعد مباراة الأهلي والزمالك في السوبر المصري    مصرع طفلين وحرق غرفة الخفير..السكة الحديد تكشف تفاصيل حادث قطار العياط    حدثوا التابلت ضروري.. تنبيه عاجل من المدارس لطلاب 2 ثانوي    شوبير يكشف حجم إصابة كمال عبد الواحد ويحيى عطية    قلق في الأهلي بسبب إصابة نجم الفريق قبل نهائي السوبر.. شوبير يكشف التفاصيل    ايرادات السينما أمس .. أكس مراتي وعاشق وبنسيون دلال يتصدرون    الأمريكي صاحب فيديو كلب الهرم: تجربة الطائرة الشراعية في مصر مبهرة    أبرز لقطات حفل عمر خيرت بمهرجان الموسيقي العربية.. تقديم الصوليست أميرة علي    بالفيديو.. وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ "حديقة تلال الفسطاط" بقلب القاهرة التاريخية    في ذكرى ميلاد حسن الأسمر أيقونة الطرب الشعبي.. تعرف على أبرز المحطات في حياته    ما حكم اتفاق الزوجين على عدم الإنجاب مطلقا؟ .. اعرف رد دار الإفتاء    ناقد رياضي: على «كهربا» البحث عن ناد آخر غير الأهلي    محمد عمارة بعد تألق ناصر ماهر: زعلان على وجوده في الزمالك    أهداف المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية.. خبير يوضح    كم مرة تقرأ سورة الإخلاص والمعوذتين في اليوم والليلة    منها مواليد برج العقرب والقوس والجوزاء.. الأبراج الأكثر حظًا في 2025 على الصعيد المالي    مساعد وزير الصحة: عدد السكان فى مصر سيصل إلى 160 مليون نسمة عام 2050    وزير العمل: الحكومة حريصة على صدور قانون العمل في أسرع وقت ممكن    قتلى في الغارة الإسرائيلية على بعلبك شرقي لبنان    «دوائر مغلقة» قصة قصيرة للكاتبة أميرة عبد العظيم    استقرار في أسعار الخضروات اليوم الاثنين 21 أكتوبر 2024 مع ارتفاع ملحوظ في بعض الأصناف    وزير الصحة اليوناني يشيد بجهود الدولة المصرية للنهوض بالمنظومة الطبية    علي جمعة يكشف حياة الرسول في البرزخ    هل النوم قبل الفجر بنصف ساعة حرام؟.. يحرمك من 20 رزقا    هل كثرة اللقم تدفع النقم؟.. واعظة الأوقاف توضح 9 حقائق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«التحرير» داخل صحف الثلاثة ملايين نسخة يوميًّا!
نشر في التحرير يوم 02 - 10 - 2014


ثلاثة عشر صحفيا وناشرًا من تسع جنسيات مختلفة.
أربعة من البرازيل ومكسيكية، وإندونيسى، وسنغافورية، وهندى، واسكتلندية، وأرجنتينى علاوة على إسبانية تعيش فى ألمانيا، ومصريان.
مرشد الجولة أمريكى ويقوم بالتدريس فى إحدى الجامعات ويدعى «راندى دى كوفينجتون» رجل منضبط، مواعيده يمكن أن تضبط عليها ساعاتك وأنت مطمئن، يعرف ما يفعل، ويحب أن يفعل كل شىء بإتقان.
ومساعدته تُدعى راكويل ديفيذ وهى نشطة ولديها ذكاء اجتماعى جعلها تتحدث البرتغالية والألمانية والإنجليزية علاوة على الإسبانية حتى تتحدث مع الجميع دون عوائق. أما البرازيلون فثلاثة منهم كانوا شبه منعزلين، والبقية منهم حضر إليها زوجها فى الفندق ليكون بجوارها فى الجولة! بينما كنت تشعر دائما أن الاسكتلندية كرستين هى الأكثر خبرة ربما بحكم سنوات العمل الطويلة، وقد بدا أنها تعتز بلكنتها البريطانية حين تتحدث الإنجليزية لكنها كانت مهمومة طوال الرحلة بما يجرى فى بلدها من استفتاء حول فصل اسكتلندا وبقائهما دول واحدة، وكانت هى مع الرأى الثانى، وهو الذى أسفرت عنه نتيجة الاستفتاء فى النهاية. أما المكسيكية الشقراء بيتينا فقد كانت هادئة الطباع، لا تُسرف فى الحديث إلا حين تتحدث فى التليفون! بينما الهندى يونى راجين كان الذكاء يظهر فى عينيه، ربما بحكم عمله فى واحدة من كبرى الصحف الهندية وتدعى «إكسبريس». لكن الأرجنتينى فابريان يجعلك تشعر أن ميسى ليس نموذجا فريدا فى الأرجنتين، فهو هادئ، ومبهج، ويعمل فى واحد من المواقع الإلكترونية فى بلده. أما الإندونيسى هارينتو فقد كان لبقًا، وقورًا، ويفعل كل شىء بحساب، ولديه جزء فى عائلته شيعى وآخر سُنى! فى حين كانت السنغافورية تمتلك كل ملامح وهدوء وأخلاقيات شرق آسيا فيمكن إذا رأيتها أن تظنها صينية أو يابانية أو كورية. وبالتالى لم يبق سوى المصريين المهندسة إنجى الحداد العضو المنتدب لجريدة «التحرير»، والعبد لله.
«واشنطن بوست»
وصلنا قبل عشر دقائق من الموعد المحدد لنا فكان علينا أن ننتظر حتى يأتى موعدنا لنصعد إلى الأسانسير!
صالة الانتظار بلا مقاعد، فلا أحد يأتى دون موعد محدد ومسبق، ويوجد اثنان من العاملين فى انتظارك يتعرفان على سبب وجودك، ولا يسمحان لك بالمرور إلا فى الموعد المحدد بالضبط، ثم يأتى من يصطحبك إلى الأسانسير لتصعد إلى الدور الذى يجب أن تذهب إليه.
هذه طقوس ثابتة لا تتغير مثل تعاقب الليل والنهار.
جاءت العاشرة، وحضر إلينا الصحفى المُكلف باصطحابنا، وصعدنا إلى صالة التحرير الرئيسية الكائنة بالدور الرابع.
وبمجرد أن غادرنا الأسانسير وجدنا على يسارنا، وقبل أن نضع أقدامنا داخل صالة التحرير الدولاب الزجاجى المخصص للجوائز التى حصلت عليها «واشنطن بوست». وحين دلفنا إلى قاعة الاجتماعات لم تكن كبيرة الحجم لكنها تفى بالغرض، فجلسنا وجلس رئيس التحرير التنفيذى يعرض علينا عبر شاشة تتوسط وتتصدر واجهة الغرفة الأرقام والحقائق والبيانات حول طبيعة عمل الجريدة الورقية، وموقعها الإلكترونى وأهم الأشياء التى حققت قراءات لديهم.
الصحيفة توزع قرابة مليونى ونصف المليون نسخة يوميا، والموقع الإلكترونى يتصفح محتواه قرابة الخمسين مليون قارئ شهريا، أغلبهم يأتى عن طريق أجهزة المحمول. وقد بدا واضحًا أن المؤسسة فى صعود، ولعل أحد أبرز الأسباب لذلك هو القصص الخبرية التى اختارت المؤسسة أفضل طريقة لعرضها، فما تبحث عنه «واشنطن بوست» هو أفضل طريقة لسرد القصة الخبرية. المدهش أن من أكثر الموضوعات قراءة كانت قصة خبرية أرسلها قارئ عبر البريد الإلكترونى، قرأها ستة ملايين قارئ!.
انتهى الاجتماع، وتجولنا فى أرجاء الصحيفة، بدا المكان جادًّا مثل أصحابه، المكان رغم عراقته فإنه لم يكن مبهرًا، لكن كان منظمًا، وأنيقا، الكراسى متراصة، والمكاتب متوازية، والإضاءة خافتة، والسجاد يفترش الأرضيات، والكل يعمل فى صمت!
«الأسوشيتدبرس»
غادرنا «واشطن بوست» وانطلقنا سيرا على الأقدام إلى «الأسوشيتدبرس» واحدة من أكبر الوكالات العالمية فى الصور الصحفية والفيديو.
مبنى ضخم، وصالة التحرير الرئيسية عبارة عن علب مغلقة لا أحد يرى أحدًا إلا إذا كان يجلس معه فى نفس العلبة!
بالطبع وبالقطع هناك أكثر من صالة تحرير، وعدد هائل من العاملين، لكن لا يمكن أن تسمع صوتًا أو صدى.
المكان هادئ، وقاعة الاجتماعات بسيطة لا يوجد بها شىء لافت لكنها كبيرة، والصور الأهم، والأفضل، والأجمل معلقة على جدران المؤسسة، ومنتشرة فى كل بقعة داخلها، صورة تدعو للبهجة، وأخرى تجعلك تتألم، وثالثة تُدهشك، ورابعة تتأمل ما فيها، وهكذا تظل طوال فترة مرورك داخل «الأسوشيتدبرس» تنظر إلى الجدران، وأسفل كل صورة اسم مصورها والجائزة التى حصلت عليها، إنه أشبه بحائط البطولات.
لكن المدهش أن هذه المؤسسة الأضحم فى الصورة الصحفية والفيديو لا تفرِط فى استخدام التقنيات العالية فى التصوير ولا تستخدم أغلى معدات تصوير على وجه البسيطة، لكنها تستخدم كاميرات «باناسونيك» بدلا عن «سونى». «الأسوشيتدبرس» رغم ضخامتها وانتشار مراسليها من المصورين فى شتى أرجاء المعمورة، فإنها لا تفرِط فى البذخ، بل لا تعترف به، فكل شىء يتم استخدامه بقدر معلوم ومعقول حتى يحقق الأهداف التى تم استخدامه من أجلها.
لديهم إذاعة إخبارية حية على رأس الساعة، يعرضون فيها أهم الأنباء وأحدث الفيديوهات التى توصلوا إليها من خلال شبكة تضم 300 مصور فيديو فقط متعاقد من داخل المؤسسة بخلاف المتعاونين من الخارج، وبخلاف مصورى الفوتوغرافيا. لكن أهم شرط يجب توافره فى من يعمل فى هذه المؤسسة -وفق أحد مديريها- أن يتسم بالسرعة، والدقة، والسبق، فلا مجال للبطء وعدم تقدير قيمة الوقت.
«يو إس أى توداى»
قطعنا مسافة ساعة وخمس عشرة دقيقة بالأوتوبيس من قلب العاصمة واشنطن «دى سى» فى الطريق إلى «يو إس أى توداى».
قبل أن تنطلق السيارة من أمام الفندق لم أكن متحمسًا لها مثل حماسى ل«واشنطن بوست»، لذا كان وقع المفاجأة هائلا!
كل شىء يقابلك يدعوك للبهجة، حدائق غناء، ونافورة كبيرة، وبحيرة متوسطة الحجم، ومبان ضخمة، وأنيقة وجاذبة تجعلك تصاب بالبهجة رغما عنك.
وحين وطأت أقدامنا الدور الثالث حيث غرفة الأخبار الرئيسية حضرت صحفية كبيرة فى السن والمقام تحمل قلمها الجاف خلف أذنها.
كان ذلك إيذانا ببدء اجتماع التحرير، فعقارب الساعة تشير إلى أننا فى تمام الثامنة والنصف صباحا بتوقيت واشنطن، موعد الاجتماع اليومى لمجلس التحرير بحضور رئيس التحرير ومساعديه ورؤساء الأقسام، ويجلسون فى منتصف القاعة حيث المكان المخصص لهم، وحولهم إحدى عشرة شاشة تليفزيون.
هناك سبعة كبار فى اجتماع مجلس التحرير، ومعهم ست من الشباب لكنهم من كبار المسؤولين فى المؤسسة، وحولهم ثلاثة عشر صحفيا من الأقسام المختلفة.
أربعة أشخاص فقط يمسكون بالورقة والقلم فى الاجتماع، بينما الباقون يجلسون على أجهزة الكومبيوتر المخصص لهم.
يبدأ الاجتماع بعرض تقرير رقمى عن أوضاع المؤسسة أمس.
الاجتماع يتم عبر السكاى بى للمحررين الموجودين فى ميادين عملهم لتوجيههم بما يجب أن يفعلوه، ولا يوجد أحد داخل الاجتماع لا يتحدث، ولا يتحدث أحد إلا عن طريق مدير الجلسة الذى هو مدير تحرير (اليوم)، ولا يتحدث أحد إلا من تقرير مكتوب وبمعلومات وأرقام واضحة.
الكل يتحدث ما بين دقيقة أو دقيقتين على الأكثر، فلا مجال للثرثرة، فالاجتماع يستغرق نصف ساعة بالضبط لا تزيد دقيقة واحدة من الثامنة والنصف حتى التاسعة، بعدها يبدأ الجميع فى تنفيذ المهام الموكلة إليهم، وتكليف من تحت مسؤوليته، يزور الموقع خمسين مليون زائر وهو رقم ثابت شهريا، علاوة على أنه أعلى موقع من حيث مؤشر صعوده خلال العامين الماضيين، والصحفية المطبوعة توزع قرابة الثلاثة ملايين نسخة يوميا.
وربما ترى أن هذا بديهى مع عدد السكان ونسبة المتعلمين، لكن من بين الأسباب المؤثرة فى التوزيع هو وجود كتيبة من المحررين مؤهلة بصورة غير مسبوقة بمعنى أن الصحفى المتخصص فى التكنولوجيا حين حصل على جهاز «آى فون 6» من شركة «آبل» قام بفكه وتحليله، وفنّد للقراء عيوبه قبل مزاياه لدرجة جعلت الشركة تراجع نفسها لتصحح أخطاءها!
«بوليتيكو»
لا تشبه أحدًا، ولا تشغل بالها بأحد، وتسخر من أوباما!
هذه هى السمة الغالبة فى «بوليتيكو» هى صحفية إلكترونية تُطبع أربعة مرات فى الأسبوع وتوزع على أعضاء الكونجرس وكبار الساسة ورجال المال وصناع القرار، وهذا يكفيها لتوزيع 40 ألف نسخة مجانا، علاوة على طباعة عدد خاص كل شهر.
«بوليتيكو» أقرب إلى مركز دراسات سياسية لكنه يلعب فى المساحة الواقعة بين الصحافة والسياسة، فهو ينتج محتوى صحفيًّا باعتبار أن الثلاثة المؤسسين للفكرة صحفيون سابقون فى «واشنطن بوست»، لكنهم قرروا أن ينفصلوا بفكرتهم، ويصنعوا منها ما لا يتوقعه أحد، لكن فى ذات الوقت هم أيضا يقدمون محتوى لا يعنيه العامة، فهو نخبوى ومؤثر فى صانع القرار، خصوصا أنهم يحصلون على معلومات لا تصل إلى غيرهم، بعضها تسبب فى انسحاب مرشح سابق فى الانتخابات بعد أن كشفوا أنه أنفق على عشيقته من أموال الدولة حين كان يعمل مسؤولا.
كل ما يفعله العاملون بها أنهم يصنعون محتوى مختلفًا، وشديد العمق، والتخصص، ولدى الإدارة القدرة على تسويقه، لذلك هى أغلى وأغنى صحيفة إلكترونية وصاحبة أغلى إعلان ورقى لسببين الأول: أن الاشتراك بموقعها الإلكترونى يتراوح ما بين 2000 إلى 3500 دولار، حسب المعلومات التى ترغب فى معرفتها، والثانى: أنها توزع مجانا، وتذهب إلى صانع القرار مباشرة، ويتفاعل معها، ورغم ذلك الكاريكاتير الذى يسخر من الرئيس الأمريكى باراك أوباما يتصدر صالة الاجتماعات ويعبر عن موقف الجريدة المعارض لسياسات الرئيس.
وإذا تركت غرفة الاجتماعات وانطلقت إلى صالة التحرير الكبيرة نسبيا، وجدتها تعج بالصحفيين حيث يوجد بها قرابة 350 صحفيًّا متخصصًا، كل منهم بمثابة خبير فى مجاله، لا توجد أى مظاهر بذخ داخل هذه المؤسسة، فكل شىء فى مكانه، وكل شىء بحساب!
«إسبن»
ثلاث ساعات قضيناها فى الطريق من نيويورك إلى بريستول حيث تقع قناة «إسبن» لدرجة أن البعض ظن -وبعض الظن إثم- أن هذه المسافة أكبر من حجم القناة التى سنذهب إليها، لكن حين وصلنا إلى مقر القناة، لم نصدق للوهلة الأولى أن هذا هو مقر إحدى القنوات الرياضية حتى لو علمت أنها أكبر شبكة رياضية فى العالم.
فالخضرة تغطى أغلب المكان الذى تبلغ مساحته 40 فدانًا، ويوجد مستشفى، وكافيتريات، وعدد هائل من أطباق الدش، واستديوهات ضخمة يمكن أن تحل بديلا لملاعب السلة، والجولف، وكرة القدم الأمريكية، فكل استوديو يشبه تصميمه ملعب اللعبة التى يقوم بتحليل مبارياتها.
بمجرد أن وصلنا كان ينتظرنا أحد العاملين الذى يبدو من سماره الداكن، وعضلاته، وبنيته القوية، وقامته العالية نسبيا أنه لاعب سابق، لكنه لم يكمل تعليمه!
اصطحبنا إلى الأسانسير الذى يحمل 20 شخصا، والسجادة تغطى أرضيته بالكامل، وصعدنا إلى الدور الثانى، ومررنا عبر ممرات طويلة، وكثيرة، ولا يمكن أن تقطعها وحدك دون دليل، وطوال رحلة السير داخل هذه القناة الأشبه بالقرى السياحية كان الشخص الذى خصصته القناة لاصطحابنا كان يحاول إثارة دهشتنا وإبهارنا، ونحن رغم اختلاف جنسياتنا والدول التى نعمل بها إلا أننا جميعا لم نكن فى حاجة إلى ذلك، فما شاهدناه كان كافيا للتعبير عن نفسه.
فالجوائز والأرقام وصور كبار نجوم العالم الذين زاروا القناة تغطى أغلب الجدران، والقناة لم تترك جائزة عالمية إلا وحصدتها، ولا يوجد نجم عالمى إلا وظهر على شاشاتها، وغرف الأخبار لا يمكن حصر عددها، لكنها بمساحات مختلفة نظرًا إلى تعدد أغراضها، وتنوع المحتوى الذى تنتجه، وعدد العاملين فيها. واللافت أنه لا تجد أى قناة أخرى على شاشاتها الضخمة، والمنتشرة فى كل مكان، ربما لأن القائمين عليها يدركون أنه لا أحد ينافسهم!
«نيويورك تايمز»
بمجرد أن تضع قدمك أمام مقر الصحيفة الأشهر فى العالم تجد أمامك لافتة كبيرة مكتوبًا عليها: «حماس تقتل إسرائيل.. لا مفاجأة.. ونيويورك تايمز تقتل إسرائيل.. لا مفاجأة أيضا».
تلك اللافتة التى تلفت انتباه أى أحد يمر فى الشارع قام بعملها اللوبى اليهودى فى أمريكا كى يضغط على إدارة «نيويورك تايمز» ويبتزون صحفييها كى يدافعوا عن الكيان الصهيونى.
«نيويورك تايمز» بالطبع لا تناصر حماس، ولا تؤمن بالقضية الفلسطينية لكن اللوبى الصهيونى يطمع دائما فى مزيد من الدعم، ويسعى لإرهاب من يفكر فى مناصرة الشعب الفلسطينى الأعزل.
لكن المهم أن هذه اللافتة تكشف مدى تأثير الصحيفة، وحجم انتشارها، هى بالطبع وبالقطع كغيرها من المؤسسات الصحفية العالمية ليست محايدة، لكنها تتحرك وفق أهداف محددة، وتملك خبرات هائلة، وإمكانات ضخمة، ويقول العاملون فيها بوضوح إن هناك سياسات تحريرية، وتقاليد تضعها المؤسسة تسير عليها، وإذا لم تنفذ الأهداف يتم استبعاد المُقصر أيًّا كان موضعه.
«نيويورك تايمز» تملك أفضل مكان لمبنى صحفى حيث تقع فى قلب نيويورك، وقد أُطلق اسمها على المكان الموجودة به فصار أشهر مقصد لمن يذهب إلى أمريكا.
المبنى ضخم، ولا يمكن أن تمر عليه دون أن يلفت انتباهك، صالة الانتظار طولها يزيد على ثلاثين مترا، وعرضها نحو 10 أمتار.
وصلنا قبل موعدنا فانتظرنا حتى أُذن لنا بالدخول، والصعود عبر الأسانسير إلى الدور الرابع، حيث عدد كبير من غرف الأخبار الكبيرة، والمتوسطة، والصغيرة، ويربط بينها سلم متحرك أحمر اللون.
قاعة الاجتماعات كانت مقصدنا، لكن رغم كِبر حجمها فلم نشهد خلال الرحلة قاعة اجتماعات بمثل هذا الحجم، ترابيزتان متجاورتان، وتفصل بينهما المقاعد، وكل واحدة منهما تكفى 20 شخصا. لكن لا توجد شاشة فى قاعة الاجتماعات لعرض الجريدة والموقع الإلكترونى، فهى فى نظر من يعمل بها أكبر من أن تُعرّف، لكن يمكن فقط الرد على الاستفسارات الخاصة بالمؤسسة، حتى يعلم الجميع المعلومات اللازمة له. المتحدث كان يريد أن يظهر الفارق بين «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست»، وبالطبع يريد أن يُظهر تفوق مؤسسته، وهو أيضا ما حدث خلال لقائنا داخل «واشنطن بوست»، فكلاهما يريد أن يُثبت أنه الأفضل.
وأشار إلى أن الفيديو صار من أهم الأشياء التى تنتجها المؤسسة، فأغلب الأخبار لها فيديوهات مُلحقة، لذلك تم تدريب عدد كبير من الصحفيين على استخدام هواتفهم الذكية «آى فون» لتصوير مقاطع الفيديو، مع تدريبهم على استخدام الميكروفونات، وبالتالى يتم إنتاج 450 فيديو شهريا، منها التفسيرى والتحليلى والقصير علاوة على فيديوهات العلوم التى غالبا ما تكون هى الأكثر شعبية. وتُعقد اجتماعات التحرير مرتين خلال اليوم، إحداهما للإلكترونى والثانى للمطبوع فى الرابعة عصرا، ولا يوجد سوى 12 محررًا فقط مخصصًا للموقع، أما كل العاملين فى النسخة المطبوعة فيعلمون أن الديجيتال أولا.
«سى بى إس»
«ليس من المهم أن تكون الأول، لكن المهم أن تكون على صواب».
هكذا بدأ مدير القناة كلامه، لكنه بدا وكأنه يعانى من أزمة ما، رغم أن «سى بى إس» واحدة من أكبر الشبكات التليفزيونية فى العالم، وكان أمامه أربع شاشات ثلاث منها تعرض القنوات المنافسة، وعلى رأسها ال«سى إن إن». كانت هناك حفاوة بالغة فى الاستقبال جعلت المختص باصطحابنا داخل القناة يجعلنا ندخل جميعا إلى «الكنترول روم»، لنشاهد ما يحدث فى كواليس القناة فى أثناء النشرة.
فى البداية تشعر أن مقر القناة صغير نسبيا وليس بحجم اسم القناة، لكن بعد أن تتجول عبر الممرات الضيقة تدرك أن المقر كبير، وأن هناك أكثر من غرفة أخبار، وعدد من الاستوديوهات كذلك.
وكانت المفاجأة أنى وجدت سيدة عربية محجبة تعمل فى القناة، وتجلس فى غرفة الأخبار الرئيسية، وأمامها عدد من أجهزة الكمبيوتر تعمل عليها فى آن واحد، وبجوارها التليفون الذى لا يهدأ، لذلك لم أستطع التواصل معها.
«وول ستريت جورنال»
ما رأيته فى «بلومبرج» تكرر فى «وول ستريت جورنال»، لكن ليس شرطا أن تضع كارت الزيارة على صدرك لأنك لن تعبر دونه.
لا تسمع إلا همسًا فى غرفة الأخبار الرئيسية رغم أن البعض يتحدث فى التليفون والبعض يتحدث عبر «سكاى بى» والبعض يتحدث فى اجتماع مجلس التحرير والبعض يروح ويجىء لكن كل هذا بلا صخب.
غرفة الأخبار تتصدرها شاشة ضخمة طولها قرابة خمسة أمتار، وعرضها ستة أمتار تتوسط غرفة الأخبار ومعلقة فى السقف، كأنها تهبط من السماء. الكل يتسم بالأناقة، وهناك قواعد صارمة غير مسموح بعدم الالتزام بها، ولافتة «الخروج» فى كل مكان فى صالة التحرير، حيث لن تستطيع الخروج من صالة التحرير إلا بهذه الإشارات، والكتب تجدها فى طريقك أينما ذهبت. والإصدار الورقى له أربعة ملاحق يومية، ويوزع قرابة مليونى ونصف المليون نسخة يوميا، والإلكترونى يتصفحه قرابة مليونين يوميا، لكن المدهش أن إصدار واحد أسبوعى 40 صفحة تابلويد يباع ب5 دولارات، بينما الجريدة اليومية بملاحقها الأربعة تباع بدولارين فقط!
هناك ترابيزة مخصصة للمشروبات السريعة على بعد ثلاثة أمتار فقط من غرفة الأخبار يمكن أن تذهب إليها فى أى وقت، ورغم ذلك لم أجد صحفيا بجوارها! تفوح من المكان رائحة البيزنس، لكن رغم ذلك لا تشعر أن هناك شيئا فى غير موضعه، فطريقة شرح ما يجرى داخل المؤسسة يجعلك تدرك سر تكوين المكان والاهتمام بتفاصيله، وكل معلومة تقال مدعومة بالصور، والفيديو، والرسوم التوضيحية، إنهم يعلمون كيف يسوقون أنفسهم، لذلك يهتمون بإنتاج أكبر قدر من الفيديوهات حيث ينتجون 1500 فيديو شهريا من خلال 50 شخصًا، وتحصل الفيديوهات على 43 مليون مشاهدة، وأغلب الفيديوهات لا تزيد مدتها على دقيقتين ويحاولون أن تكون لديهم فيديوهات تجيب عن الأسئلة القصيرة حتى لا تزيد مدتها عن ثلاثين ثانية.
«بلومبرج»
مؤسسة تفوح منها رائحة المال والبرفان! قبل أن تدخل المبنى يتم تصويرك عبر جهاز إلكترونى، وإعطاؤك كارنيها مطبوعًا عليه اسمك وصورتك كى تستطيع المرور إلى الأسانسير. الأناقة تسيطر على المكان، حوض سمك كبير على رأس صالة التحرير الرئيسية، وصالة اجتماعات مفتوحة بلا أبواب تجدها فى طريقك، ولا يميزها سوى وجود شاشة كبيرة تجد أسفلها ساعة رقمية كى تعرف أن كل شىء بميعاد، وأنك ستغادر وفق موعدك الذى حددته سلفًا، وهو ما قد حدث بالضبط! أما الشاشة فتُعرض عليها كل المعلومات والأرقام التى تهم زائر المؤسسة، وتروج لها، فالمحتوى الذى تنتجه هذه المؤسسة تتم ترجمته إلى إحدى عشرة لغة. كل شىء يتم بدقة، لكن أكثر ما يميز «بلومبرج» أنك لا تحتاج أن يخبرك أحد أنها مؤسسة صحفية متخصصة فى شؤون المال، فالمكان يعبر عن أصحابه، حيث البذلات، ورابطة العنق، والأناقة، والاهتمام بالتفاصيل حيث الشماعات المنتشرة فى صالة التحرير لتضع الجاكيت الخاص بك عليها. وفى طريقك تجد كافيتريا يمكن أن تحصل منها على أى شىء دون أن تدفع ثمنه، أما وجبة الغداء فلها موعد محدد يذهب فيه العاملون للحصول عليها، ويذهبون بها للمكان المخصص لتناولها، وفى طريقهم يشاهدون الشاشات التى تعرض ما يجرى فى البورصات العالمية لتشعر وكأنك فى واحدة من أكبر بورصات العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.