لست مع فكرة الصفقة بين الإخوان والعسكر. العسكر لا يعقدون صفقات سياسية كاملة، لأنهم لا يتعاملون مع أى تيار سياسى بمنطق الندية، والإخوان تعلموا، أو على الأقل تعلم على مسيرتهم، من تجربة 1954. الغالب أن الإخوان والعسكر يجمعهم الخوف من القوى الجديدة التى تمنحها الثورة للمجتمع. الإخوان والعسكر تعودا على العمل من دون المجتمع، كل منهم يحصل على «الشرعية» أو «البركة» من الشعب ويحولها إلى رخصة لإعادة تشكيل الشعب على هواه. هى نفسها، ومع اختلاف (فى الظرف التاريخى)، نفس تصرفات الأحزاب الشيوعية الرسمية فى دول سارت على منهج الاتحاد السوفييتى. يلتقى العسكر والإخوان هنا فى السلطوية والماكينة التى يتخيلون أنهم سيضعون فيها الشعب من ناحية يخرج لهم من الناحية الأخرى عجينة يستخدمونها كما يريدون. وهذه هى صدمة العسكر والإخوان فى الثورة.. كل منهما تعود على التعامل مع شعب يصلح لماكينته، لكن الشعب اختلف ولم يعد كله قابلا للدخول فى الماكينة. الإخوان تغيروا إلى حد كبير وأصبحت دعايتهم تعتمد على الأغانى والموسيقى (حرمت فى بدايتهم) وعلى خطاب وطنى (قامت فكرتهم على تحطيمه لصالح فكرة الانتماء إلى أممية إسلامية).. التغيير تم لكنه لم يصل إلى جوهر فكرة التسلط.... وصاحب السلطة هنا هو المالك الوحيد للمقدس الوطنى (فى حالة العسكر) والدينى (فى حالة الإخوان). لهذا استخدم العسكر مع الثوار كل أدوات القمع من السحل والتعذيب إلى القتل، وأضاف عليها من كتالوج السفالة المعاصرة (التبول وتعرية البنات وإلقاء الجثث فى الزبالة). والأهم أن كل هذا تم تحت خطاب يصف الثوار بالعملاء والخونة على اعتبار أنهم الوكلاء الوحيدون للوطنية.. والمختلف معهم أعداء الوطن. وبنفس المنطق رفع الإخوان المصاحف فى وجه من اعترضوا على محاولتهم تطويق «الثورة الثانية» ضد العسكر... المشرفون على المنصة ومن اليوم الأول قرروا الاحتفال بينما خرجت الملايين فى مظاهرات تريد استكمال الثورة.. خلاف كان يمكن أن يكون عاديا إلا عندما كان الإخوان يقررون تعلية صوت القرآن للتغطية على الهتافات. فى وجه من ترفع المصاحف؟ ولماذا يستخدم القرآن أداة إسكات للهتاف ضد حكم العسكر؟ ولمصلحة من الاستمرار فى استفزاز أوصل الميدان إلى لحظة عصبية رفع المتظاهرون فيها الأحذية فى مواجهة منصة الإخوان... وحاولوا تكسير المنصة... بينما اختطف أمن منصة الإخوان عددا من الشباب وتم تعذيبهم فى المنطقة الخلفية للمنصة. هذه كانت لحظات عابرة وسط موجة استعادة الثورة طاقتها ضد التسلط وجمهوريته التى يحاول العسكر أن يبنيها من جديد.. ومن أجلها صنع أكبر فوضى فى تاريخ مصر المعاصر. الثورة إذن عادت لمواجهة الفوضى الكبيرة التى صنعها المجلس العسكرى وحاول عبرها تدمير جسور الانتقال إلى جمهورية جديدة بإصراره على إعادة بناء ديكتاتورية جديدة، يحكمها كهنة خلف الغرف المغلقة، وتدار بالتحكم عن بعد من مؤسسات الغموض. لماذا لم يفهم الإخوان المسلمون أنهم أصبحوا حزبا لا ينتظر الرضا العالى؟ هل كان أمامهم اختيار آخر؟ لماذا ساروا إلى خطيئتهم الكبرى فى إقامة حرب الشرعيات بين الثورة والميدان.. ثم هتفوا فى الميدان «إيد واحدة».. إن أقاموا كردونات تحاول حصار الميدان وتغليب الاحتفال على الثورة ومع صدمة الحشود القادمة من كل الاتجاهات حاصر الثوار حصارهم الذى خطط له مكتب الإرشاد. هل يخدم الإخوان أهداف العسكر؟ الغالب أيضا أنهم ينفذون إرادة مكتب الإرشاد التى تلتقى مع العسكر، وتتصور مثل كل العواجيز أنهم الأكثر دهاء.... وهذا هو مأزق الإخوان، تحكمهم بطاركة يتعاملون مع التنظيم على أنهم حشود تتلقى الأوامر... بينما هناك روح جديدة ما زالت مقموعة حتى الآن.