استمعت محكمة جنايات القاهرة اليوم إلى مرافعة المحامي فريد الديب عن الرئيس المخلوع حسني مبارك في شأن الإتهام المتعلق بإهدار المال العام والإضرار العمدي به في صفقة تصدير الغاز إلى إسرائيل، والتي اتهم فيها مبارك بتوريد الغاز إلى إسرائيل بأسعار زهيدة وتفضيلية وإسناد أمر التصدير إلى رجل الأعمال الهارب حسين سالم بالأمر المباشر على نحو أضر بالمال العام؛ نتيجة بيع الغاز إلى الدولة العبرية بأسعار تقل عن أسعار البيع العالمية. وقال الديب «إن نيابة أمن الدولة العليا باشرت كافة أعمال التحقيق فى هذه القضية، وانتهت إلى إحالة وزير البترول الأسبق سامح فهمي ورجل الأعمال الهارب حسين سالم وخمسة من كبار قيادات قطاع البترول إلى محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار بشير عبد العال دون أن تتضمن التحقيقات أي إتهام إلى مبارك من قريب أو من بعيد، غير أن النيابة قامت لاحقا بإدخال مبارك في هذه القضية بصورة منفصلة على الرغم من عدم وجود أي اتهامات تتعلق بمبارك في هذا الشأن». واعتبر «الديب» أن النيابة العامة تخبطت وأرادت أن تسند أي إتهام إلى مبارك لمجرد أن يمثل أمام المحكمة، حيث قامت النيابة بشأن قضية تصدير الغاز بنقل كافة أدلة الثبوت من القضية المتهم فيها سامح فهمي إلى القضية التى يحاكم فيها مبارك. وقال الديب «إن النيابة في كافة محاضر الاستجواب مع مبارك كانت توجه إليه تهما متضاربة ما بين الإضرار غير العمدي بالمال العام ثم الإضرار العمدي به، دون أن توضح ماهية هذا الإضرار وطبيعته قبل أن تنتهي إلى القيد والوصف بالإضرار العمدي بالمال العام وتظفير الغير المتمثل في رجل الأعمال حسين سالم بالحصول على ربح ومنفعة دون وجه حق». واعتبر أن القضية ليس بها دليل أو شبهة دليل يثبت تورط مبارك في الإضرار العمدي بالمال العام في صفقة تصدير الغاز لإسرائيل، لافتا إلى أن النيابة العامة اعتمدت فقط على ما ورد في تحريات العميد طارق مرزوق بمباحث الأموال العامة والتي حملت اتهاما لا سند له لمبارك. وكشف الديب النقاب عن ما تضمنته أقوال عمر سليمان -نائب رئيس الجمهورية السابق- والذي كان قد أكد في أقواله «أن مبارك لم يتدخل في تسعير الغاز أو أي شىء آخر في شأن هذه الصفقة، وأن مفاوضات تصدير الغاز المصري لإسرائيل جرت طبقا لما هو مطروح عالميا، وأن سامح فهمي -وزير البترول الأسبق- حصل على موافقة مجلس الوزراء برئاسة عاطف عبيد بشأن التصدير والكميات والشركة المنوط بها نقل الغاز، وأن مبارك لم يتدخل قط في هذه التفصيلات». وأضاف فريد الديب نقلا عن أقوال عمر سليمان «إن مبارك عندما علم بالسعر المتدني في بيع الغاز الطبيعي المصري إلى إسرائيل وتم التعاقد عليه كلف عمر سليمان بالذهاب إلى رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت للتفاوض حول بنود التعاقد من جديد، طالبا زيادة السعر أو وقف عملية التصدير برمتها»، لافتا -أي عمر سليمان- إلى أن إسرائيل وافقت بالفعل وقامت بتعديل العقد بعد إعادة النظر فيه ليصبح السعر ثلاثة دولارات ونصف للمليون وحدة حرارية بدلا من دولار ونصف فقط. كما تم الإتفاق بين مصر وإسرائيل على أن يعاد النظر في السعر كل ثلاث سنوات بدلا من كل 15 سنة، مشددا على أن مبارك هو الذي أمر بتعديل العقد عندما علم بسعر التصدير وأنه هدد بعدم تصدير الغاز إلى إسرائيل في ضوء الأسعار المتدنية المذكورة. وقال «إن مبارك نفسه قال في تحقيقات النيابة العامة أن هناك بندا في معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية أتاح تصدير البترول إلى إسرائيل في ضوء أن الإسرائيلين هم من قاموا باكتشاف أبار وحقول البترول أثناء فترة الإحتلال الإسرائيلى لسيناء، حيث طلب الإسرائيليون أثناء مفاوضات كامب ديفيد أن تكون لهم حقوق لاستخراج البترول من هذه الأبار، غير أن الرئيس الراحل أنور السادات رفض بشدة هذا الأمر، وكان الحل الوسط أن يتاح للدولة العبرية التقدم في العروض، وبالفعل تمكنوا من الحصول على صفقة تتيح لهم الحصول على البترول ب 26 دولارا للبرميل، إلا أنه عند تولي مبارك الحكم ورئاسة البلاد عكف على تعديل هذا السعر، بحيث يتواكب مع الأسعارالعالمية». وأضاف «أنه تم التواصل إلى اتفاق مع إسرائيل بأن يتم منحها حق الحصول على الغاز المصري في ضوء الكشوف عن حقول متعددة للغاز والذي بدأ التصدير منه إلى الأردن». وأشار الديب إلى أن عمر سليمان بوصفه مديرا لجهاز المخابرات سابقا قال «إن المخابرات العامة هي التي قادت وقامت بالمفاوضات حول تصدير الغاز إلى إسرائيل في ضوء أربعة أسباب تتمثل في: خلق مصالح مشتركة مع إسرائيل، وتدعيم عملية السلام، وتحقيق فرصة لمصر لفرض النفوذ على الدولة العبرية، وأخيرا أغراض أخرى لم يكشف عنها عمر سليمان لإعتبارات تتعلق بالأمن القومي المصري، وهو ما يشير بوضوح الى أن هذه الأغراض هى أغراض استخباراتية». وقال الديب «إن الغاز الطبيعي المصري يوفر40 % من الطاقة الكهربائية لإسرائيل، وهو الأمر الذي يوضح مدلول عبارة عمر سليمان المتعلقة بفرصة فرض النفوذ على إسرائيل». وأكد الديب أن المحكمة الإدارية العليا قالت في حيثيات حكمها في شأن تصدير الغاز إلى إسرائيل أنها أمر سيادي، منوها بأن مبارك إنتهى دوره عند حد الموافقة على تصدير الغاز لإسرائيل. وأضاف فريد الديب أنه عندما سئل عمر سليمان «لماذا وافقت المخابرات المصرية على أن يتولى رجل الأعمال حسين سالم تأسيس شركة تتولى هى تصدير الغاز إلى إسرائيل؟»، أجاب سليمان بأن حسين سالم هو الذي كان قد تقدم لتولي هذ الأمر وأن جهاز المخابرات قد وافق عليه؛ معتبرا أن رجل الأعمال حسين سالم هو رجل المخابرات المصري الأول، وأن العقيد طارق مرزوق بمباحث الأموال العامة أكد هذا الأمر في التحريات التي قدمها للنيابة العامة في هذا الشأن. وأضاف «الديب» أن مبارك قرر في التحقيقات أنه علم لاحقا في أعقاب تلك الزيارة التى إلتقى فيها رجل الأعمال حسين سالم أن الأخير له مشروعات يقوم بها في الولاياتالمتحدة، لافتا إلى أن جهاز المخابرات العامة قام بتأسيس شركة مصرية خالصة للتقليل من تكلفة نقل السلاح، وأن مبارك كثيرا ما كان يرفض الإفصاح عن معلومات إضافية في هذا الشأن نظرا لخطورتها على الأمن القومي المصرى، على الرغم من أنه قد يملك معلومات تبرء ساحته أمام المحكمة، إلا أنه آثر عدم التطرق إليها لخطورتها على الأمن القومي المصرى. وأشار «الديب» إلى أن مبارك قال في تحقيقات النيابة العامة معه أنه أول مرة رأى فيها حسين سالم عندما كان نائبا لرئيس الجمهورية في السبعينيات في زيارة للولايات المتحدةالامريكية حينما كان حسين سالم يقوم بنقل الأسلحة من الولاياتالمتحدة إلى مصر من خلال شركة يساهم فيها، مشيرا إلى أن تلك الشركة كان يساهم فيها إلى جانب حسين سالم كمال أدهم -مدير المخابرات السعودي الأسبق- وطرف ثالث يمثل جهاز المخابرات الامريكية. وقال فريد الديب إن سامح فهمي -وزير البترول الأسبق- قال في أقواله وشهادته أمام النيابة العامة أن الهيئة العامة للبترول لم تكن تملك القيام بنفسها بعملية تصدير الغاز باعتبار أن تكلفتها عالية وتتطلب تسييل الغاز في مستودعات ضخمة من خلال اجهزة ومصانع وتقنيات باهظة الثمن لاتقدر الهيئة على كلفتها، ومن ثم كان الإتجاه إلى أن يقوم أحد المستثمرين بعملية التصدير ويتحمل تكلفتها الكلية . وأوضح الديب أن سامح فهمي أضاف أن الشركة التي كانت تقوم بتصدير الغاز إلى اسرائيل كانت تساهم فيها المخابرات العامة ويمثلها حسين سالم في ضوء المتعارف عليه من قيام أجهزة المخابرات حول العالم بإنشاء وتأسيس شركات تكون ستارا وغطاء لأعمالها، مؤكدا أن سامح فهمي نفى خلال التحقيقات أن يكون مبارك قد أتصل به أو أصدر إليه أية تعليمات بشكل مباشر أو غير مباشر في عملية تصدير الغاز إلى اسرائيل، وأن مبارك لم يتدخل نهائيا في تأسيس الشركة التي تقوم بتصدير الغاز أو المفاوضات حول السعر والكميات . وأشار الديب إلى أن سامح فهمي أقر في التحقيقات إلى أنه كان يتلقى التوجيهات في شأن تصدير الغاز إلى اسرائيل من عاطف عبيد -رئيس الوزراء انذاك- وعمر سليمان -رئيس المخابرات السابق- بإعتبار أن كافة الشئون والأعمال المتعلقة باسرائيل تدخل في صميم أعمال جهاز المخابرات العامة. وأشار الديب إلى أن ما قرره عاطف عبيد في التحقيقات وأمام محكمة جنايات القاهرة -التى تباشر محاكمة سامح فهمي ورجل الأعمال حسين سالم وخمسة من قيادات قطاع البترول- من أن مبارك لم يتشاور معه نهائيا في شأن طبيعة الشركة التي تقوم بتصدير الغاز إلى إسرائيل، وأنه لم يحدث أن أصدر مبارك له أية أوامر بشأن عملية البيع والتى تمت بالأمر المباشر وبعد الحصول على إجماع حول السعر والشركة والكمية من مجلس الوزراء. واستند «الديب» في مرافعته لأوجه التعاون بين مصر وإسرائيل، مشيرا إلى اتفاقية «الكويز» التى كانت تهدف الولاياتالمتحدة من ورائها إلى تنشيط التطبيع بين مصر وإسرائيل، فقامت بإعفاء الصادرات المصرية التي تحتوى على نسبة معينة من منتج إسرائيلي من الرسوم الجمركية، واصفا بعض الذين يدلون بآرائهم في مثل هذه القضايا ب«جنرالات المقاهى» كما وصفهم الرئيس السابق أنور السادات. وأنهى «الديب» مرافعته في هاتين التهمتين بقوله «إنه لا يوجد أي دليل ضد مبارك يثبت هذا الإتهام، وإنما فقط مجرد تحريات للضابط طارق مرزوق»، مطالبا ببراءة مبارك من هاتين التهمتين. ثم تناول الديب بعد ذلك التهمة الموجهة إلى نجلى الرئيس علاء وجمال، واصفا إياها بأنها لا تعدو كونها أكثر من جنحة الاستفادة من العطية. وقال «إن قرار الإتهام جاء فيه أن الاستفادة تجلت في تملك فيلتين وليس أربع فيلات، بإعتبار أن هناك لكل منهما فيلا يقيم فيها وهناك فيلتان أخريان يقيم فيهما الأفراد المعاونون والحراسة وغيرها».
وأضاف «الديب» أن الحديث في هذه القضية يجرى حول التملك، موضحا أن القانون لا يعترف إلا بالملكية المسجلة، وطالب بإنقضاء الدعوى عن هذه «الجنحة» بفرض صحة الواقعة جدلا بمضى المدة، والمدة المشار إليها هنا هى ثلاث سنوات وفقا لمرافعته. وأوضح أنه سبق وأن بين لهيئة المحكمة أن هذه العقارات تم شراؤها بعقود صحيحة عام 1997، وأن العقود الإبتدائية فقدت وأنه قدم مستخلصات قبل تسجيل العقود مشيرا إلى أن تسجيل هذه العقود تم بتاريخ 14/ 10/ 2000 وبناء على ذلك تكون الدعوى سقطت فى 15/ 10/ 2003. كما أنه سبق أن أوضح أيضا أن المتهم حسين سالم لا علاقة له بهذه الأعمال، وأن المستخلصات تفوق ما تم تقديمه ولا علاقة لها بالواقعة الأصلية. ودفع «الديب» بالقول بأنه لم يثبت أصلا أن والد علاء وجمال أخذ عطية مقابل استغلال النفوذ، وأضاف أنه إذا افترض جدلا أن والدهما أقدم على هذه الفعل فهما لا يعلمان به، معتبرا أن هذه التهمة مهترئة وأنهما إشتريا هذه الفيلات مثل كل الناس ودفعا مبالغ كثيرة. وأضاف أن العقود ليست صورية وهى مسجلة، معتبرا أن هناك فارقا بين العقود الصورية المطلقة والصورية النسبية وهى التى تعنى أن عنصرا فى التصرف هو الذى بعد عن الحقيقة. واختتم مرافعته بأن الجنحة المنسوبة إلى نجلى الرئيس المخلوع علاء وجمال غير حقيقية. وفي ختام مرافعته لهذا اليوم قال «الديب» إن القانون يفرض الإفراج عن المتهم الخامس أسامة المراسى -مدير أمن الجيزة السابق-، وعمر فرماوى -مدير أمن 6 أكتوبر السابق- عنهما في ستة أشهر والتي إنتهت في شهر أكتوبر الماضي. وفي نهاية الجلسة قررت المحكمة التأجيل إلى جلسة الغد لاستكمال هذه المرافعة في شكلها النهائي.