بعد رحلة أشبه بالدهر لمدة عشرة أيام، ذاق خلالها علاء الدين صابر، ابن محافظة المنيا، الموت عدة مرات، وسمع أصوات القنابل ورأى النيران تشتعل فى كل مكان حوله بليبيا، وصل علاء إلى مطار القاهرة بطائرة القوات المسلحة من معبر رأس جدير البرى بتونس، بعد أن فقد كل ماله خلال رحلة الموت، ولم يعد بجيبه جنيهًا واحدًا ليعود به إلى أهله بالمنيا، ولكنه شعر بالخزى والخجل من العودة خالى الوفاض، ولم يجد سوى الاتصال بزميله العائد من ليبيا قبله السيد مجدى، ابن مدينة بنها بمحافظة القليوبية، ليستغيث به ويطلب منه مساعدته على العودة، ويعود به للقليوبية ويقدم له واجب الضيافة. يقول علاء: «عمرى 24 سنه، وأعمل عاملًا، وحاصل على دبلوم صناعى، سافرت ليبيا منذ 5 شهور، وبعد القصف قررت الرجوع وكانت رحلة الأيام صعبة، سبعة أيام فى الجحيم تحت القصف وهربًا من رصاص الجماعات الإرهابية المسلحة التى كانت ترى المصريين وكأنها رأت شياطين، حيث سرق مني 1000 دينار ليبى، وكل ملابسى ومتعلقاتى وعدت لمصر، ولا يوجد بجيبى جنيه واحد». يضيف علاء قائلًا: «على الحدود الليبية تعرضنا للذل والمهانة من أهل ليبيا، نمت على الأرض بدون طعام أو شراب، وقامت القوات الليبية بإطلاق الغاز المسيل علينا، وإطلاق الرصاص فوق رؤوسنا لإرهابنا وتخوفينا، وعلى الحدود مع تونس قام الهلال الأحمر الليبى بتوزيع الطعام علينا، وكان كسرة خبز وبصلة، وكنا مضطرين لأكلها أو انتظار الموت جوعًا، وكنت أرى مصريين وغيرهم يموتون من غياب الطعام والعلاج والخوف». ويستكمل علاء كلامه قائلًا: «الأغرب هو إجبارنا على توقيع إقرار بأنهم أحسنوا معاملتنا، ولم نتعرض للذل والإهانة والضرب حتى لا نطالب بحقوقنا من السلطات الليبية، مضيفًا أن أكثر من 7000 مصرى كانوا عالقين على الحدود التونسية مع ليبيا، مطالبًا الجيش بالتدخل لاعادتهم بشكل فورى، مشيدًا بمعاملة الجانب التونسى الطيبة لهم عكس معاملة الجانب الليبى، بقوله : أول ما وصلنا الحدود التونسية وشعرنا بفارق المعاملة نطقنا الشهادة وسجدنا لله شكرًا، حيث أضاف: «كل ما أريده عودة حقوقنا وكرامتنا التى سقطت فى ليبيا». رحلة الفرار من جحيم ليبيا لم تتوقف عند علاء فقط ولكنها مستمرة وستستمر، الفرار من الموت والسرقة والنهب، رواها محمود فاروق، أحد العائدين من رحلة الجحيم، من ابناء القليوبية، الذي روى ل«التحرير» الأهوال والمصاعب خلال عودته لوطنه كان خلالها يخاف من كل شىء حتى من النوم. يقول محمود فاروق 27 عامًا، حاصل على دبلوم زراعة، كان يعمل نقاشًا فى ليبيا: « أنا متزوج من 8 شهور، وسافرت لليبيا بحثًا عن عمل ليسد تكاليف الزواج، والديون، وقعدت 7 شهور بليبيا، واكتشف أن نقوده فيها ضائعة ضائعة، إما من صاحب العمل الذى قد يرفض إعطاءها لى أو من العصابات المسلحة التى كانت تعاملنا أسوأ معاملة بمجرد أن يعرفوا أننا مصريون، ومهما حاولت أن تفعل أو تغير لهجتك فستفشل فالمصرى بيتعرف من شكله». محمود يضيف قائلًا: «إنه كان يقطن بمنطقة سوق الجمعة بطرابلس، وقرر مغادرة ليبيا بتأشيرة خروج نهائى بلا عودة هربًا من الموت، وقمت بدفع 250 دولارًا كرشوة للخروج من مطار طرابلس لأحد العاملين وتعرضت للضرب فى المطار من قبل بعض العاملين به، لأن حال المصرين بليبيا كله ذل ومهانة ماحدش شاف زيها، قائلًا أنا لو بتحاسب يوم القيامة فى جهنم مش هاحس بالضغط النفسى الرهيب اللى حسيته فى رحلة العودة من جحيم ليبيا، فى ظل غياب دور السفارة والقنصلية، وعدم القدرة على إعادة المصريين الموتى والذي تم دفنهم فى ليبيا، بالإضافة إلى أن الجماعات الإرهابية كانوا عندما يسرقوننا يكبرون وكأنهم سرقوا يهودًا أو إسرائيليين». ولاتزال رائحة الموت تحيط بنا من كل مكان تأكدنا خلالها أننا سنموت حتمًا، ونعتبرعودتنا أحياء معجزة، كانت تلك كلمات تامر عزت 26 سنة عامل رخام، العائد من ليبيا ومن رحلة موت ذاق خلالها أهوالًا لا يتحملها إنسان. يقول عزت: « كل الشكر لمسئولى مصر الذين لم يتخلوا عنا فى هذه المحنة والشدة، التى تعتبر أصعب موقف واجهتها بحياتى، مضيفًا الحوجة المرة هى التى أجبرتنا على السفر بحثًا عن رزق كان بطعم المرارة فى أفواههنا، ورأينا الموت خلال رحلة العودة من الموت وتعرضنا للسرقة والنهب والضرب، مشيرًا إلى أنه عندما عدت سجدت شكرًا لله لأن مصر بلد الأمن والأمان، وياريت يجيبو الباقي من ليبيا وحدود تونس». أرجوكم أنقذوا مئات الأرواح من الهلاك على الحدود الليبية التونسية، ليس معهم أموال أو أي وسيلة اتصال وينامون بالعراء، تلك كلمات رمضان محمد التهامى 32 سنة سائق، الذى وصف الوضع للمصريين بليبيا بالمأساوى، مضيفًا: « جردوهم من كل شىء ومنهم من أصيب من جراء الاعتداءات الوحشية ولا يجدون أكلًا أو شربًا، مشيرًا إلى أنه عاد بداية القصف والاشتباكات، مؤكدًا أنه تم تهديدهم بالقتل وتخييرهم بين القتل رميًا بالرصاص أو بالسكين، وبعد فترة من التخويف والسب وإهانة الكرامة أطلقوا سراحهم».