أعربت 29 منظمة حقوقية عن بالغ قلقها من النسخة الأخيرة من مشروع وزارة التضامن الاجتماعي لقانون الجمعيات الأهلية والتي تشكل انتهاكًا صارخًا للدستور ولالتزامات مصر الدولية وستؤدي –حال إقرارها– لتجريم عمل تلك المنظمات، وجعلها خاضعة لسيطرة الحكومة والمؤسسات الأمنية ويكمل إغلاق المجال العام في البلاد ، مطالبة رئيس الجمهورية ألا يعتمد هذا المشروع، أو أي مشروع قانون آخر يتعارض مع الدستور والتزامات مصر الدولية. واشاروا إلي أنه سبق وأن أدى تمرير قانون التظاهر في نوفمبر 2013 إلى سجن عدد من أبرز النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان لمدد تصل إلى 15 عامًا، وفي حال اعتماد مشروع قانون الجمعيات الأهلية فإنه سيؤدي إلى حبس الحقوقيين المستقلين في مصر لفترات تصل إلى 15 عامًا أيضًا. واوضحت بات من الواضح مدي رغبة الحكومة في السيطرة التامة على المنظمات الأهلية، وتحويلها من منظمات غير حكومية إلى كيانات شبه حكومية خاضعة للأجهزة الأمنية والإدارية، وتجعل الحكومة هي المدير الفعلي لها، حيث تعاقب على مخالفة بعض أحكام القانون بعقوبات الحبس لمدد تصل إلى 15 عامًا، والغرامة التي لا تقل عن 100.000 جنيه؛ مما يدل على أن المشكلة ليست في عدم معرفة كيفية صياغة قانون حر للجمعيات، بل في انعدام الإرادة السياسية لدى الحكومة والجهات الأمنية لتحرير العمل الأهلي المستقل، والرغبة في تقويضه في الوقت ذاته. وشددوا علي أن مشروع القانون الجديد يسعى لوضع المنظمات الأهلية تحت المراقبة اللصيقة والتحكم في نشاطها، ضاربًا عرض الحائط بنص المادة 75 من دستور 2014، والتي تقضي بأن تعمل الجمعيات الأهلية "بحرية". ويعكس هذا التفكير نظرة الحكومة إلى الجمعيات الأهلية على أنها مكاتب يجب أن تعمل تحت سيطرة الحكومة، بل ويجب أيضًا أن تديرها بشكل غير مباشر. وقالت المنظمات أن الحكومة على مدار عقود طويلة فشلت في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين كالتعليم والصحة، وفشلت في أنشأ آليات تراقب أداء الأجهزة الحكومية بحيادية واستقلال. وأكدوا أن مشروع القانون –حال تمريره– سيضم مصر إلى قائمة الدول التي تعاني من أسوأ تشريعات للمجتمع المدني في العالم مثل أثيوبيا وإسرائيل والصين وبيلاروسيا، وينفي كافة مزاعم التحول الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان التي تدعيها الحكومة المصرية. واشاروا أن مشروع القانون سار على درب القانون الحالي سيئ السمعة –القانون 84 لسنة 2002– ونص على عدد من المحظورات الفضفاضة التي تستعصى على الضبط أو معرفة ماهية تلك المحظورات على وجه الدقة . وتابعت المنظمات على خلاف ما قررته محكمة النقض المصرية اعتبر مشروع القانون أموال الجمعيات والمؤسسات الأهلية –التي تتلقاها في شكل تبرع أو إعانة أو تمويل أو تجمعه من الجمهور– في حكم الأموال العامة عند تطبيق قانون العقوبات، وهو الأمر الذي يغلظ من العقوبة فتصبح (الاستيلاء أو تسهيل الاستيلاء، على المال العام، الاختلاس، الإضرار بالمال العام). ومن ثم تكون العقوبة السجن المشدد الذي تتراوح مدته من ثلاث سنوات إلى خمسة عشر سنة، بدلًا من عقوبة الحبس التي تتراوح من 24 ساعة إلى ثلاث سنوات هذا من جانب. وهو الأمر الذي يعد نوعًا من الترهيب للقائمين على الجمعية أو من يرغب في تأسيس جمعية جديدة. وشددوا أن مشروع القانون أهدر حق منظمات المجتمع المدني في أن تختار بحرية الشكل القانوني الذي يتناسب مع طبيعة نشاطها، حيث حظرت المادة الثانية من مواد الإصدار أنشأ أو التصريح لأي كيان (كالشركات) والتي ترى الجهة الإدارية أنها تقوم بعمل الجمعيات دون الخضوع لأحكام هذا القانون. كما أشاروا إلي أن المشروع ناصب العداء الواضح للمنظمات الأجنبية غير الحكومية، ووضع عليها من القيود والعراقيل ما يجعل وجودها وعملها في مصر أمر أشبه للمستحيل، وإن نجحت المنظمة الأجنبية في الحصول على ترخيص، يكون عملها في مصر مرهون بموافقة اللجنة التنسيقية في كل خطوة من خطواتها. ورأت المنظمات أن قائمة وحدة المشكلات الموجودة في مشروع القانون –التي لم يتسن لها سوى أن تسرد بعض منها في هذا البيان– كبيرة للغاية، الأمر الذي يجعلها على قناعة تامة، إن مثل هذا المشروع لا يحتاج إلى تعديلات هنا وهناك، بل يحتاج إلى إعادة كتابة له من جديد وفقًا لفلسفة جديدة تعتمد تحرير المجتمع المدني للقيام بدوره، والتخلي عن فلسفة الاستعلاء والقمع ومقاومة رغبات العودة إلى قانون مماثل للقانون 32 لسنة 1964، وعلى رئيس الجمهورية أن لا يعتمده نظراً لما يحتويه من انتهاك للدستور ولأحكام المحاكم العليا المصرية. كما أكدت المنظمات أن مشروع القانون المطروح من وزارة التضامن، مشروع قمعي يهدف إلى إسكات صوت الجمعيات الأهلية والمنظمات الحقوقية، ولا يختلف عن قانون التظاهر الذي أقره الرئيس المؤقت في نوفمبر 2013 والهدف منه هو خنق المجال العام، وخنق الأصوات الناقدة لأوضاع حالة حقوق الإنسان وللأوضاع الاجتماعية في البلاد، وإن التجربة العملية –مثلما حدث بعد إقرار قانون التظاهر– أثبتت أن مثل تلك القوانين لا تحقق الاستقرار. وشددت أن إغلاق المجال المدني أمام المنظمات المستقلة، وتحويل من يبقى إلى كيانات خاضعة لسيطرة النظام القائم تمامًا يفرغ العمل الأهلي من مفهومه ومعناه بالكامل، ويحرم مصر من طاقات خلَّاقة، ويساهم في زيادة الاضطراب في البلاد كونه يغلق قنوات مشروعة للعمل العام. المنظمات الموقعة:"مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان،الاتحاد النسائي المصري،الائتلاف المصري لحقوق الطفل،الجماعة الوطنية لحقوق الإنسان والقانون،والجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية.