أعربت 29 منظمة حقوقية عن بالغ قلقها من النسخة الأخيرة من مشروع وزارة التضامن الاجتماعى لقانون الجمعيات الأهلية فى بيان مشترك لها وصفت فيه قانون الجمعيات الجديد بأنه انتهاك صارخ للدستور ولالتزامات مصر الدولية وأنه سيؤدى حال إقراره لتجريم عمل تلك المنظمات، وجعلها خاضعة لسيطرة الحكومة والمؤسسات الأمنية ويكمل إغلاق المجال العام فى البلاد، ويجعله مقتصرًا على مؤيدى النظام القائم. وتطالب المنظمات رئيس الجمهورية ألا يعتمد هذا المشروع، أو أى مشروع قانون آخر يتعارض مع الدستور والتزامات مصر الدولية. وقالت المنظمات إنها تلقت دعوة من الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية تحت رعاية وزيرة التضامن الاجتماعى لحضور ما يسمى بالحوار المجتمعى حول مشروع قانون جديد للجمعيات والمؤسسات الأهلية، يوم الخميس الموافق 26 بمقر الوزارة، على الرغم من أن وزارة التضامن الاجتماعى كانت قد شكلت فى يوليو 2013 لجنة شارك فيها عدد من المنظمات الموقعة، أعدت مشروع قانون هو الأفضل نسبيًا مقارنةً بكل مشروعات القوانين التى طرحتها الحكومة من قبل للجمعيات الأهلية، وانه كان يمكن البناء عليه بغرض تحسينه وليكون أكثر اتساقاً مع المعايير الدولية؛ إلا أنه يبدو أن إعداد الحكومة لهذا المشروع لم يكن بغرض إصداره، وإنما فقط لتحسين صورتها لدى المجتمع الدولى، حيث قام الوزير السابق د. أحمد البرعى وزير التضامن الاجتماعى بعرضه على المفوضة السامية لحقوق الإنسان؛ كدليل على نية الحكومة التى تشكلت بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسى، للتحول الديمقراطى وتعزيز دور المجتمع المدنى. إلا أنه يبدو من مشروع قانون الوزارة الأخير لعام 2014 أن الحكومة قد قررت أن مهمة المشروع السابق قد انتهت، فأخرجت من أدراجها أكثر قوانين الجمعيات الأهلية قمعًا منذ نصف قرن (القانون 32 لعام 1964). وقالت إن القانون يؤكد مدى رغبة الحكومة فى السيطرة التامة على المنظمات الأهلية، وتحويلها من منظمات غير حكومية إلى كيانات شبه حكومية خاضعة للأجهزة الأمنية والإدارية، وتجعل الحكومة هى المدير الفعلى لها، حيث تعاقب على مخالفة بعض أحكام القانون بعقوبات الحبس لمدة تصل إلى 15 عامًا، والغرامة التى لا تقل عن 100 ألف جنيه؛ مما يدل على أن المشكلة ليست فى عدم معرفة كيفية صياغة قانون حر للجمعيات، بل فى انعدام الإرادة السياسية لدى الحكومة والجهات الأمنية لتحرير العمل الأهلى المستقل، والرغبة فى تقويضه فى الوقت ذاته. وإن مشروع القانون الجديد يسعى لوضع المنظمات الأهلية تحت المراقبة اللصيقة والتحكم فى نشاطها، ضاربًا عرض الحائط بنص المادة 75 من دستور 2014، والتى تقضى بأن تعمل الجمعيات الأهلية "بحرية". ويعكس هذا التفكير نظرة الحكومة إلى الجمعيات الأهلية على أنها مكاتب يجب أن تعمل تحت سيطرة الحكومة، بل ويجب أيضًا أن تديرها بشكل غير مباشر. وتقول المنظمات إن الحكومة على مدار عقود طويلة فشلت فى تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين كالتعليم والصحة، وفشلت فى إنشاء آليات تراقب أداء الأجهزة الحكومية بحيادية واستقلال، واتسمت خدماتها بالرداءة والفشل وتفشى الفساد وإهدار المال العام. وبالرغم من ذلك فإنها لا تريد فتح المجال للمبادرات المجتمعية لتقديم مستوى أفضل من تلك الخدمات، أو تلقى نصائح حول السياسات الفضلى الواجب اتباعها، أو خلق حوار مجتمعى ديمقراطى يفتح الباب أمام حلول أفضل تخرج بنا من مسلسل الفشل المتواصل الناتج عن حرمان المجال العام من قوة فاعلة صارت جزءًا أصيلًا من العمل الاجتماعى فى بلدان العالم المستقرة والناجحة فى مجال التنمية، وفى الوقت نفسه خلق صوت مستقل ينتقد بشكل بناء فشل السياسات الحكومية وفسادها فى مجالات عدة ويقترح سياسات بديلة تحافظ على الحد الأدنى من حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.