اهترأت اذاننا و مخيلاتنا صغارا من سماع قصة الرجل الذي جمع ابنائه حول فراش موته و اعطا كل منهم عودا خشبيا واحد , وطلب منهم كسره فكسروه بسهولة ، ثم اعطا كل منهم حزمة من العيدان المجتمعه وطلب منهم كسرها فعجزوا عن ذلك جميعا – و ترددت على اسماعنا مقولة فرق تسد في دروس التاريخ مرارا وتكرارا لسنون طويلة , وحكم و امثال على غرار في الاتحاد قوة وفي التفرق ضعف , و احاديث نبوية عدة تحث على الاتحاد كقول النبي صلى الله عليه وسلم : "عليكم بالجماعة. وإياكم و الفُرقةَ ، فإن الشيطانَ مع الواحد وهو من الاثنين أبعد. فمن أراد بُحبوحةَ الجنة فليلزم الجماعة" متوافقا مع قول الله تبارك وتعالى: ﴿ واعتصِمُوا بحبل الله جميعًا ولا تَفَرَّقُوا ﴾ آل عمران103 - وخضعنا للتدريب الالهي اليومي على الاتحاد في كل صلاة , وسمعنا صوت امام المسجد مرددا " استقيموا واستووا وسدوا الخلل فإن تسوية الصف من تمام الصلاة ", فوقفنا الكتف في الكتف , والقدم في القدم متلاحمين , ثم انصرف كل منا الى طريقه ناسين متناسيين كل ما تعلمناه متجاهلين كل ما سبق , متقاتلين متناحرين متفرقين , توحدنا الكراهية عوضا عن الحب , و العنف عوضا عن السلام , وفي عصر اصبحت فيه سياسة التصنيف بدافع الكراهية امرا طبيعيا يمارسه كافة اطياف الشعب من المثقف الى الإعلامي الى العامل البسيط الى الأمي , ما يثير عجبي حقا هو الحديث المستمر عن نظريات المؤامرة , و رغبات الغرب الدفينة في تقسيم مصر , وكأن عملية التقسيم مقتصرة على التقسيم الجغرافي فقط , دعونا نسأل ايهم يسبق الاخر التقسيم الجغرافي ام تقسيم الانفس والقلوب ؟ كيف لنا ان نتجاهل حقيقة جلية كهذه ؟ متحدثين فقط عن التقسيم الجغرافي , متناسيين انه ليس اكثر من خطوه مترتبة على الكراهية و التناحر ؟ كيف لمجتمع يصارع بعضه بعضا ويجهل ابسط مبادئ التعايش ان يتحدث عن نظريات الغرب المتآمر , ونحن من بث الكراهية والعداء بأنفسنا فينا ؟ وبينما يحارب العالم العنصرية ويتحرر من قيودها نغرس نحن بذور العنصرية الوهمية بأيدينا , ولا افهم حقا اي نوع من الحصاد ننتظر؟ ادهشني سلوك اسراب اسماك السردين في احدى برامج الطبيعة , عندما شعرت بالتهديد والخطر فتجمعت فيما يشبه كرة عملاقه تغطي مساحة العشرين مترا و يصل قطر عمقها الى العشرة امتار تقريبا وهو سلوكا دفاعي يعرف باسم baitball , تلجأ اليه الاسماك لحماية انفسها بالاتحاد , و اصابتني غبطة مخلوطة بمرارة واقعنا , ووجدتني اتمنى في هذا الصباح تحديدا ان اكون سمكة , تعيش في سرب يقدر قيمة الجماعة و الاتحاد , و الافراد فيه سواء . ما الشيء الذي ننتظر حدوثه لنتحد ؟ مجتمعنا يغرق حرفيا في بحر من البغضاء , القتل اصبح شيئا عاديا له الف مبرر , الوجوه متجهمة غارقة في الكآبة , والشجار هو الضيف الدائم على كل الموائد , بدءا من موائد العمل الى المقاهي وحتى الى موائد الطعام داخل الاسرة الواحدة. هل سنكتفي بالورقة التي يعلقها بعضنا فوق مكتبه او على جدران متجره "ممنوع الكلام في السياسة " , لا ننكر انها دعوة نبيلة لتجاوز الاحتداد في النقاش ولكنها لا تحل الازمة بشكل حقيقي , ما هي إلا مهرب مؤقت فقط , بينما تظل المشكلة الحقيقة كامنة في اعماق كل منا , وهي عدم قدرتنا على تقبل الاختلاف وتقبل الآخر , إن طوق نجاتنا الأوحد اليوم ليس في اجتماعنا حول رأي واحد او فكر واحد ولكن هو أن نتعلم كيف نختلف دون أن يفسد الرأي للود قضية.