اكتشفت اليوم و انا اعيد مشاهدة مسلسلا كارتونيا قديما كنت قد اعتدت مشاهدته طفلة , ان 70% من الخلل النفسي والمجتمعي الذي استشعره طيلة الوقت ساهمت فيه مأسويات الأدب العالمي , اللآتي قرر مجموعه من الرسامين و المخرجين وشركات الإنتاج بأنها صالحة ومناسبة لتكون مادة ترفيهية للأطفال بطريقة ما لا افهمها حتى يومنا هذا , فعلى الرغم من تقدمي بالسن إلا اني مازلت اراها دراما مأسوية شديدة الحزن , ولا افهم حقا ماذا كان يدور في تفكير من قرر أن يبث هذا الكم المكثف من الكآبة في نفوس جيل كامل لتكون مؤثرا و مشكلا اساسي في بناء شخصيته. وعوضا عن جرعة الكآبة التي امتازت بها المسلسلات الكارتونية لتلك المرحلة ,فلقد سارت جميع القصص فيها على تيمة ادبية كلاسيكية ثابتة , تتغير نوعية القصة وطريقة سردها إلا ان مضمونها ظل نفسه ؛ فدائما ما يدور العمل حول قصة شديدة الحزن بطلها منزها عن الخطأ ، تصيبه المصائب المتلاحقة , فلا تؤثر في معدنه الطيب , دائما هو ذلك الشخص شديد العطاء , نبيل الاخلاق , المتزن , الساعي الى تغيير العالم الى مكان افضل , جامعا في نفسه صفات غير ادمية هي الاقرب لصفات الملائكة , وفي خضم نواكب الدهر تتكشف و تنجلى الحقيقة الوحيدة التي تصب فيها جميع القصص الكلاسيكية , وهي حتمية انتصار الحق و انهزام الباطل , وانسحابه صاغرا ذليلا , متعرضا لأقسى درجات العقوبات السماوية كانت او الوضعية. هكذا ترسخت في نفوس جيلي مبادئ الحق والخير والجمال مخلوطة بلمسة من حزن رفيع , تعلمنا ان للحياة مجرى واحد تصب فيه في نهاية المطاف , تعلو فيه رايات الخير وتنمحق فيه رايات الشر , تعلمنا ان نكون الشخص الافضل مهما تعرضنا للأذى , وان الصبر طيب , فانتظرنا بجلد اجراس الخلاص و انسدال الستار على انتصارا مدويا للون الابيض , غير اننا انكسرنا فوق صخور الواقع , وغرقنا في ذلك الصراع الأزلي والتساؤل المتكرر عن ذلك الصباح الذي سيتجلى فيه الحق ويزهق فيه الباطل , تشككنا في كل شيء , في مبادئنا , في ما تعلمنا وربينا عليه , وكدنا ان نفقد الايمان بان الخير هو الأبقى , وان لكل ظلم نهاية , ولكل ليل فجر , من منا لم يشعر يوما بالحنق على مثاليته وحطمه الشك في ما غرس فيه صغيرا ؟ لماذا تعرضون لنا افلاما ينتصر الخير في نهايتها اذا ما كان الخير لا يرى النور في حيواتنا إلا عن طريق الصدفة نادرة الحدوث ؟ لماذا تزرعون فينا املا بانتصار الحق مادام الواقع ملكا خالصا للباطل ومرتع حصين منيع لذوي الانياب السوداء ؟ لما انشئتم جيلا مثاليا ليصارع واقع مشوه ابعد ما يكون عن الادمية ؟ لماذا زرعتم فينا الجمال وانتم تعلمون اننا سنحيى في عالم قبيح ؟ لماذا ضننتم علينا بتعاليم الواقع , و لم تخبرونا الحقيقة , وتركتمونا نختبر مراراتها دون اي سلاح؟ كنت اعترض على نوعية برامج الاطفال التي تعرض حاليا ويتابعها صغارنا , فمحتواها فارغ , ونسبة العنف فيها مرتفعة جدا , لا يخلو برنامج واحد من الضرب والتحطيم والحرق والتدمير , ولكني اليوم وبعد مقارنتها ببرامجنا القديمة , اجدها افضل حالا , على اقل تقدير لن تخلق انسان مثاليا ذو قيم اخلاقية رفيعة المستوى , ليعيش في عالم غير ادمي , هي لن تعلمهم بالضرورة حقيقة العالم , ولن تلقنهم دروسا مجانية في كيفية التعامل مع السيئ , دون ان يكونوا اسوء منه , لأننا نحن انفسنا ككبار لا نعرف كيف نفعل ذلك , ولكنها على اقل تقدير لن تزرع لهم بساتينا ملونة من الوهم , ولن تغرس فيهم مبادئ الفروسية والرغبة في تغير الواقع , وبزل الارواح من اجل ان ينتصر الحق في نهاية المطاف , لن تخلف ابنك كسير القلب ضائع الرجاء , ستتركهم دون شيء , و اللاشيء في واقعنا افضل , فعلاوة على السعادة التي يسببها اللاشيء , يمكنك دوما ان تملئ مساحات الفراغ بشكل ايسر وبمجهود اقل , وحتى نعرف نحن كجيل مثالي محطم بماذا يجب ان نملئ مساحات الفراغ بداخل ابنائنا , فآسفة اقول فلنحافظ على صحتهم النفسيه بالفراغ و لنحصنهم بغياهب اللاشيء.