نعم كانت لنا احلام.. لا اعرف حقاً انجتمع اليوم لنتذكر من ماتوا أم لنرثى نبل ما ماتوا لأجله ، نعم كانت لنا أحلام ، جمعنا ذلك الميدان السحري على أمل بغد أفضل ، ذرفنا الدمع على أرصفته ، نزفنا واختلط فينا الدم بالعرق ، تمنينا وبكينا فرحاً ، وانصرفنا على وعد بالبناء ، ولم ينصرف أعداء الوطن عن وعدهم بالفوضى و التدمير ، اليوم وفي أعقاب الذكرى الثالثه لثورة يناير اعترف معكم أننا كسبنا جولة وعلى وشك خسارة المعركة ، وأننا انسحبنا ذاهلين ، وانشغلنا بالصراعات ، فتبدل الحال . يصارعني سؤالا ملحا علاما تحتفلون ؟ لقد كان اليوم السابق لذكرى "25 يناير" اشبه ما يكون ب "حريق القاهرة" الذي وقع في يناير 1952 ، ربما أُرخ لذلك اليوم بأنه حريق القاهره الثاني ، يمزُقني الأسى والحزن على وطني. ذكرتني أحداث الأمس وانا اشعر بالفزع على أبنائي بقصة قديمة قصتها علي صديقة حضرت حرب الخليج بينما كانت طفلة صغير ، قائلة بان والدها رحمه الله اعتاد خلال الحرب ان يلصق زجاج النوافذ بالبلاستر حتى لا تتطاير شظاياها في حال وقوع انفجار قريب من المنزل. و لطالما ارتبطت معي كلمة شظايا بذكرى الإرهاب الاسود في التسعينات ، وتحديدا "بشيماء عبد الحليم" ، الطفلة ذات ال12 عاما ، التي قتلتها شظية تطايرت من احدى نوافذ فصلها الدراسي، التي هشمها انفجاراً استهدف في الاساس الدكتور "عاطف صدقي" رئيس الوزراء في ذلك الوقت. متى بدأت خسارتنا الكبرى ؟ عندما بدا كل منا في تخوين الاخر , تحزبنا تحت الف اسم , وتشتتنا وتنابزنا بالألقاب ، فلول ، اخوان ، ثوار ، شرطه ، جيش ، كنبه ،عميل ، خائن ، اجنده ، مسلم ، مسيحي ، علماني ، سلفي ؛ تفرقت بنا السبل ، ضللنا الطريق ، تصارعنا ، ثم فقدنا الايمان بالأمل ، يئسنا من القضية ، وأدرنا لها ظهورنا ، ونسينا ان كل ذلك النضال كان في الأساس من أجل سبب اسمى هو الوطن .. فخسرنا. نحتاج إلى سطل غراء ضخم نلقيه على افراد ذلك الوطن المتفسخ ونضعهم جميعا بين دفتي حلم بالمستقبل ، حتى يبزغ فجر الامل يوماً ما ، إن استقرار ذلك البلد لا يحتاج الى كلمة "نعم" داخل صندوق إقتراع ، الإستقرار الحقيقي يحتاج إلى شيء يجمعنا ، يوحد الصف ، ويرأب الصدع ، ويجهز على الصراع ، يعلمنا تقبل الاختلاف ، وتقبل الاخر ، والمصالحة مع النفس ، و لتدور عجلة الانتاج التي تتحدث عنها وسائل الإعلام طيلة الثلاثة أعوام المنقضية يجب أن نتخلى عن عادتنا القميئة في التصنيف ،نحن وهم ، وهم ونحن ، توقفوا عن القاء الاتهامات المطلقه ، فالكلمة اشد فتكا من كتيبة مدججة بالقذائف الثقيلة ، الكلمة تحيي وتميت ، تبني وتحطم ، لأجل ذلك البلد الكليم دعونا نسلم أسلحة ألسنتنا ، ونصنع السلام بيننا ، ونبحث عن ذلك الغراء. وأخيرا تحضرني ابيات رائعة لأمير الشعراء احمد شوقي يقول فيها: إِلامَ الخُلفُ بَينَكُمُ إِلاما وَهَذي الضَجَّةُ الكُبرى عَلاما وَفيمَ يَكيدُ بَعضُكُمُ لِبَعضٍ وَتُبدونَ العَداوَةَ وَالخِصاما وَلينا الأَمرَ حِزباً بَعدَ حِزبٍ فَلَم نَكُ مُصلِحينَ وَلا كِراما جَعَلنا الحُكمَ تَولِيَةً وَعَزلاً وَلَم نَعدُ الجَزاءَ وَالاِنتِقاما وَسُسنا الأَمرَ حينَ خَلا إِلَينا بِأَهواءِ النُفوسِ فَما اِستَقاما بقلم : صافيناز رسلان