غالب الذين روجوا لعبارة «موت كفاية» هم من ذوي العاهات الأمنية أو النفسية. وربما يصح لهم الآن أن يلقوا بأنفسهم في أقرب بلاعة مجاري، وليس في مياه النيل(!). فقد ثبت أن كفاية كالعنقاء تقوم دائما من رماد، وأن لها مقام الأسطورة، وإن كانت أسطوريتها واقعية تماما، فحركات السياسة الجد ية لاتنشأ ولا تنتهي، لأنه يراد لهاذلك، بل تنشأ الحركات في سياق وبأهداف، وقد كانت صرخة كفاية الأولي «لا للتمديد ولا للتوريث»، ولا يزال التمديد هما مقيما، فالرئيس مقيم في منصبه لأكثر من عشرة آلاف يوم إلي الآن، ثم إن التوريث لايزال خطرا محتملا، فجمال مبارك يقوم بمهام رئاسة فعلية، وتسعي العائلة مع مماليكها ومليارديراتها لفرضه رئيسا رسميا. وقد قامت كفاية بقرارها، وليس بقرار أحد، وانتزعت حقها في الوجود، ولم تتسول اعترافا من أحد، وفرضت الاعتراف بها علي الكل، وتحقق لها ذلك من أول يوم، ومن أول مظاهرتها الشهيرة أمام دار القضاء العالي في 12/12/2004، وأعطت أولوية للفعل علي الكتاب، بل جعلت الفعل هو الكتاب وسورة الفاتحة وكلمة الخلق، وكان نداؤها للتغيير صاخبا عفيا، واقتحمت حواجز الخوف، ووصلت رسالتها إلي الأعماق والقواعد الاجتماعية الكبري، وتحولت مئات كفاية الأولي العابرة لحواجز الصمت، ولسياسة الغرف المغلقة المكيفة بدخان الكلام، تحولت في شغاف الروح إلي صرخة لمئات الآلاف بل لملايين المصريين، لم يكن لكفاية ولا لأي تنظيم آخر مقدرة علي التواصل المباشر مع الكتل الاجتماعية الكبري، لكن نداء كفاية بعدوي الروح تجاوز مشكلة انقطاع شبكة المواصلات التنظيمية، وصار مئات الآلاف من المصريين يضربون، أو يعتصمون، ويذهبون إلي المظاهرات ووقفات الاحتجاج،والتي تحولت إلي رياضة شعبية، رغم أن ذلك كله محظور بالقانون والتحكمات والأوامر الرسمية، لكنها إرادة الخلق المكنونة في الروح، والتي كان لكفاية شرف استظهارها الرمزي، فقد اكتسحت المحظورات، ورفعت الغشاوات عن الأبصار، وذهبت إلي الحقوق رأسا، وبلا تعلات كلام ولا عوار نفوس، وأثبتت أنه كما أن الدنيا تؤخذ غلابا، فإن الحقوق تؤخذ بالإضرابات والاعتصامات، وليس بمجالس التمثيل المزور في برلمانات النصب العام، ولم يكن ذلك اختراعا لكفاية بالطبع، بل اتصالاً مع ما انقطع من تقاليد حركة الوطنية المصرية، وفي بيئة قلق تستدعي رد الإعتبار لحركة الشارع، وإلي سقف سماوي، وبعد أن ماتت السياسة أو كادت بإسفكسيا الخنق الحزبي العاجز. ولأن كفاءة كل حركة تقاس بمقدرتها علي التصحيح الذاتي، والمقدرة علي إعادة النظر، وقراءة ما يجري حولها بإتقان وإخلاص، فقد كان علي كفاية أن تراجع أوراقها، فقد انتهت دورة ندائها الأول، والذي حقق أثره بالتمام والكمال، وكان علي كفاية أن تجدد في تعريف الدور، فقد يمكن إعادة الأدوار علي خشبة مسرح، لكن الواقع يتطلب تجديداً في الأدوار، كان علي كفاية أن تنتقل من مجرد كونها نداء للتغيير، وإصبعا يومئ إلي طريق، كان عليها أن تنتقل إلي دور آخر، وقد رعي قائد كفاية العظيم الراحل د. عبدالوهاب المسيري حوارات جدية صبورة، وانتهت إلي خطة جديدة لكفاية، خطة تعريف للدور بالإيجاب وليس بالسلب، خطة تعريف لدور جديد، تستفيد فيه كفاية من اسمها وسمعتها وتكوينها الائتلافي المبادر، وتنهض فيها بدور تستحقه في بناء حركة تغيير، تمزج الغضب السياسي بالغضب الاجتماعي، وتصوغ هدفاً هو «الإنهاء» السلمي للنظام القائم»، وبأسلوب المقاومة السلمية والعصيان المدني، وبتنظيم جامع لأصلب وأكثر العناصر تقدما في الحركة السياسية والحركة الاجتماعية، وأن تصوغ برنامجا لمرحلة انتقال يجمع مطالب الشعب المصري، يجمع المطالب السياسية إلي المطالب الاجتماعية والمطالب الوطنية، وصاغت كفاية خطتها المعروفة «خطة ائتلاف المصريين من أجل التغيير»، ودخلت في حوارات مجهدة مع طيف اجتماعي وسياسي وجيلي واسع، وبدأت قبل انتفاضة 6 أبريل 2008، كانت الحوارات تنقطع حينا، وتتصل أحيانا، وإلي أن تواصلت بلا انقطاع مع الجهد الممتاز للدكتور عبدالجليل مصطفي الذي خلف المسيري في قيادة كفاية، ولم يكن حرص الآخرين علي إنجاح الحوار بأقل من حرص كفاية، فقد صارت الخطة نداء لجماعات راد يكالية، وكلها محظورة، وموجودة بأمارة الفعل وليس بختم السلطان، صارت الخطة نداء موحدا لكفاية و«شباب 6 أبريل» و«الكرامة» و«الأشتراكيين الثوريين» و«الغد» و«العمل» و«الوسط» و«اليسار المقاوم»، وشارك عدد من نواب الإخوان لبعض الوقت المفرق، وشاركت شخصيات سياسية وأكاديمية وأدبية وصحفية مرموقة، وقيادات فعل اجتماعي واسع، وبدأ أننا بصدد خطوة أساسية كبري، وصدر البيان المعنون «نداء للمصريين»، وهو البيان التأسيسي لائتلاف المصريين من أجل التغيير، وكانت المصادفة الموحية أنه جري الاستقرار علي النص النهائي للبيان في 22 فبراير 2009، وهو اليوم المفعم بذكريات وإيحاءات الوحدة، وبعد 24 ساعة من مظاهرة 21 فبراير، والتي شارك فيها الآلاف من الطلاب، ومن كافة الاتجاهات والتيارات، وتحت القبة الشهيرة لجامعة القاهرة، وبدعوة من ائتلاف حركي واسع ضم كفاية وشباب 6 أبريل وأساتذة الجامعات وجماعات التغيير الشبابي والطلابي من كافة ألوان الطيف. ولم تكن كفاية ولن تكون تنظيمامغلقا، ولا محصوراً بكشف عضوية، بل راية ومظلة لفعل تغيير، وليست النزعة الكفائية محصورة بأسوار تنظيم، بل تحتاج كفاية دائما إلي تذكير نفسها والآخرين، وفي كل وقت، بأنها النواة الصلبة لائتلاف وطني جامع، وأن خطتها الائتلافية هي إكسير الحياة، وقد أضافت لأيام المجد الوطني مقدرة موحية باستعادة الروح، وبدلالة ماجري في 21 فبراير و22 فبراير 2009، والبقية تأتي . نحن والكنيسة بعض الناس يتساءل عن تناول «صوت الأمة» لأحوال الأخوة المسيحيين في مصر، وعن إثارة نزعات طائفية، وإلي آخر اللغو السخيف الذي تردده بعض الأقلام في صحف مريبة بطبعها. وللناس جميعا، وليس للأقلام إياها، نقول ببساطة إننا ننطلق من مبدأ المواطنة الكاملة للجميع، وإتاحة حق المعرفة الكاملة للقراء، فلا فرق عندنا بين مسلم ومسيحي، ولا فرق عندنا بين نقد تطرف إسلامي أو تعصب مسيحي، وليس لأحدهما عندنا قداسة، فالقداسة لله ولأنيبائه وكتبه جميعا، وليس لشيخ الأزهر ولا للبابا شنودة، ولا لغيرهما، فليس لأحدهم صفة النبي أو المسيح، وليس لأحدهم حصانة تعفي من حق النقد، مع أنني شخصيا أذكر مواقف وطنية للبابا شنودة قد لا أتذكرها لشيخ الأزهر الحالي. إشارات · توقيع أيمن نور بعد إطلاق سراحه علي « بيان ائتلاف التغيير» إضافة ممتازة للمعارضة الجديدة. · وتوقيع شخصيات سياسية وأكاديمية وقانونية وأدبية وصحفية كبري علي البيان نفسه يجعلنا نستمسك بشعاع الأمل الذي يشق ظلام اليأس. · ودعوة ائتلاف التغيير لا تستثني أحدا إلا أن يستثني نفسه. · مصر بلد يشعر بسرعة ويتحرك ببطء، وليحذر الطغيان مصر لأنها توشك علي التحرك الآن. · والتسريع بإطلاق سراح مجدي أحمد حسين مهمة عاجلة لكل ضمير وطني.