رفضت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي مساء الخميس الماضي الشكوى التي قدمها حزب الحرية والعدالة المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين في مصر، والتي طالبت ب«فتح تحقيق في جرائم ضد الإنسانية أثارت جدلًا واسعًا في مختلف الأوساط السياسية وتباينت ردود الأفعال من جميع التيارات»، بحسب نص الشكوى. واعتبر عدد من الفقهاء القانونيين أن مصر «ليست من الدول الموقعة على اتفاقية روما للنظام الأساسي» وبالتالي لا يجوز رفع أي دعاوى ضدها من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وأضاف سياسيون آخرون أن «جماعة الإخوان أثبتت أنها تحصل على أموال ضخمة من قبل التنظيم الدولي لمناهضة النظام الحالي في مصر»، وبدروها تستعرض «بوابة الشروق» موقف التيارات السياسية والمحطات الفضائية المختلفة. «الجنائية الدولية غير مسيسة» هكذا كان تعليق فادي العبد الله، الناطق باسم المحكمة الجنائية الدولية في أعقاب تصريحاته الصحفية حول عدم استجابة المحكمة لطلب أعضاء حزب الحرية والعدالة بتوجيه تهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية من قبل النظام الحالي المصري. وقال «فادي»: إن «المحكمة الجنائية الدولية تبني قراراتها بناء على وقائع قانونية فقد تم تدشينها على اتفاق دولي يسمى بنظام روما الأساسي، وهي تختص بنظر جرائم معينة تقع على أراضٍ يكون فيها النظام الحاكم موقعًا على تلك الاتفاقية، والاستثناء عندما يكون القرار من مجلس الأمن بإحالة دولة غير طرف في الاتفاقية إلى المحكمة الجنائية مثل دولة ليبيا أثناء الصراع الدائر بين كتائب القذافي وثوار ليبيا». وأوضح أن «موقف الإخوان ودعواهم تم دراستها، لكن هذه الدعوى لا يمكن أن تصدر إلا عن طريق الدولة والمحكمة تبت في قضايا جنائية، وبالتالي موضوع شرعية الحكومة ليس من اختصاص الجنائية الدولية للبت فيه، والموضوع لا يتعلق بالشرعية ولكن بمن يستطيع أن يلزم الدولة بالالتزام باتفاقية المحكمة الجنائية الدولية والتوقيع عليها». وختم حديثه قائلًا: «وبالتالي فإن تقديم الطلب بناء على حزب الحرية والعدلة ليس طلبًا مقدمًا بالنيابة عن الدولة المصرية ومهمتنا ألا نحدد من هي الحكومة في مصر، ولكن مهمتنا دراسة الطلب هل هو مستوفٍ للشروط أم لا». ومن ناحية أخرى، كان لخبراء القانون رأي آخر، فقال الدكتور شوقي السيد، المحامي والفقيه القانوني والدستوري، إن «ما طالبت به جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة حول محاكمة النظام الحالي بجرائم يرتكبها ضد الإنسانية هو حديث خزعبلات والجنائية الدولية أنشئت في اتفاقية روما بواسطة دول وقعت على الاتفاقية، ومصر لم تنضم حتى لا تجعل لتلك المحكمة سيادة فوق الدولة، وتجنبًا لاستخدام المحكمة في أغراض سياسية من قبل الدول الغربية وفقًا لما يتراءى لهم من مصالح، والبيان الصادر يقضي بعدم الاختصاص من قبل طلب الإخوان لمحاكمة الدولة المصرية». وأضاف الفقيه الدستوري، في تصريحاته عبر وسائل الإعلام وقناة أون تي في، أن «البيان دقيق جدًّا يستحق الإشادة وأن المحكمة لم تلعب سياسة كما أن البيان الصادر عنها قد حسم كل الأمور، وهذا يؤكد ضحالة رؤية جهابذة الجماعة على الرغم من توافر إمكانياتهم المادية، ولكن لم تتوفر لديهم المعلومات، وأكبر دليل التخبط الذي أطاح بهم يمينًا ويسارًا ودفعهم لتقديم طلب للمحكمة الجنائية الدولية». التحالف الوطني لدعم الشرعية قال أحمد بديع، المتحدث الرسمي باسم حزب الوطن، وأحد أعضاء التحالف الوطني لدعم الشرعية: إن «المحكمة الجنائية الدولية قراراتها سياسية أكثر منها قانونية بحتة». وأضاف «بديع»، في تصريحات خاصة ل«بوابة الشروق» اليوم الأحد، أن «الجنائية الدولية هي أداة من ضمن أدوات الدول الغربية الكبرى المتحكمة في مصائر دول الشرق الأوسط، ونحن نعلم جميعًا مدى رضا كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدةالأمريكية عن النظام الحالي بدليل إنهاء تعليق المساعدات العسكرية لمصر وتقديم صفقة الطائرات الأباتشي». وأوضح عضو التحالف الوطني لدعم الشرعية، أن «حزب الحرية والعدالة قبل أن يتوجه بدعواه إلى المحكمة الجنائية الدولية كان يعلم تمام العلم أن المصالح السياسية هي التي تتحكم في الأمور وبناء عليه فإن الدول الغربية مصلحتها مع المشير السيسي، والنظام القائم الذي يضمن حماية المصالح الاستراتيجية لكل من إسرائيل وأمريكا في منطقة الشرق الأوسط وقد رأينا ذلك من خلال التدريبات العسكرية المشتركة بين مصر وأمريكا، فضلًا عن الدعم اللوجيستي من قبل الروس لمصر وهي دولة عظمى في نهاية المطاف، ولكن الحزب صمم على ذلك على سبيل مبدأ خوض الحرب بكل الوسائل والأسانيد». وختم أحمد بديع، حديثه قائلًا: «حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين لن ييأسوا، وهناك محاولات للتفاوض مع دولة جنوب أفريقيا التي تربطها علاقات جيدة معنا، كما أن تلك الدول عنصر فعال في المحكمة الجنائية الدولية، ونسعى ليكونوا وسيلة كافية للضغط على المحكمة، حتى لا تتحيز لطرف ضد آخر، ولكي نحصل على حقوق أكثر من 10 آلاف شهيد راحوا ضحية أحداث فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة»، على حد وصفه. أبزر تعليقات التوك شو وعلى الصعيد الإعلامي، قال عمرو أديب، مقدم برنامج القاهرة اليوم، إن «حمزة زوبع المدافع الأول عن قضايا الإخوان والمقيم في قطر يدعي بأن المحكمة الجنائية مرتشية وهو تصريح غريب؛ لأن جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة هم من ذهبوا طواعية واختيارًا للمحكمة الجنائية الدولية». وأضاف أديب، أن «جماعة الإخوان المسلمين ودعم الشرعية والتنظيم الدولي دفعوا الملايين على المحامين الذين تم استقطابهم من الخارج من أجل الدعوة الموجهة ضد النظام الحالي في مصر، وأريد أن أقول ل«زوبع»: إن المحكمة الدولية إذا علمت بتصريحات الرشوة لن تجعلك تغادر قطر»، بحسب قوله. ومن جانبه، قال خيري رمضان، مقدم برنامج «ممكن» عبر فضائية «سي بي سي»، «شاءت الأقدار ألا يوقع الرئيس المعزول محمد مرسي على الاتفاقية للاشتراك في المحكمة الجنائية الدولية أثناء فترة حكمه؛ لأنه لو كان وقع على الاتفاقية عندما عرضت عليه كان يمكن لها أن تنظر في هذا الأمر». وتابع: «الإخوان يمارسون نفس الأسلوب الهجومي والعدائي ضد القضاء المصري عندما اتهموه بعدم الشفافية وعدم النزاهة ليقولوا نفس الأمر عن المحكمة الجنائية الدولية». وبدورها، قالت رانيا بدوي، مقدمة برنامج في الميدان، إن «العبرة ليست بتوقيع دول العالم على اتفاقية روما، لكي توجه جرائم للأنظمة الحاكمة بها، وأكبر دليل على ذلك دولة السودان فقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال في حق عمر البشير، الرئيس السوداني على هامش المجازر التي ارتكبت في إقليم دارفور على الرغم من أن السودان لم تكن إحدى الدول الموقعة على تلك الاتفاقية، فضلًا عن أن الأمر من الممكن أن يذهب إلى مجلس الأمن إذا كانت الأزمة مستعصية وفقًا لمواثيق الأممالمتحدة». وأضافت أنه «كان من الممكن أن يتكرر الموقف في مصر ولكن المحكمة لم يتوفر لديها الأدلة وعجز الإخوان عن إثبات ما ادعوه كذبًا بأن السيسي وعدلي منصور ومحمد إبراهيم وعدد من القيادات قد أبادوا 10000 إخواني، وأن السيسي أمر الجيش بقتل الإخوان»، وفقًا لقولها. وفي سياق متصل، قال عمرو سمبل، الباحث التاريخي والسياسي المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، إن «محمد سودان عضو العلاقات الخارجية لحزب الحرية والعدالة وأحد من تقدموا بالدعوى ضد النظام القائم في مصر للمحكمة الجنائية الدولية هو من أبناء الخارج أي ينتمي للتنظيم الدولي للإخوان في أوروبا». وأضاف في مداخلة هاتفية لصباح أون أن «دولة جنوب أفريقيا التي كانت تقود الجهود ضد النظام المصري لعلاقتها القوية بجماعة الإخوان قد قلت بعد التعاون المصري الروسي، وبالتالي ضغطت روسيا على جنوب أفريقيا للتخلي عن دورها المساند للإخوان ويكفي المحادثة الهاتفية التي أجراها عدلي منصور مع الرئيس الجنوب أفريقي جاكوب زوما؛ لتخفيف الضغوط الدولية على مصر والمساهمة بشكل كبير في حل الأزمة».