ثلاثة أعوام مرت على حلم «25 يناير».. الثورة التي أصبحت الضحية و«الحيطة المايلة» لوسائل الإعلام، حيث ذهب عدد من مقدمي برامجها إلى طمس ملامحها وسحق شبابها واتهامهم بالعمالة والخونة والممولين من الخارج، ووصفهم بأنهم «مرتزقة وقاموا بالثورة لولائهم للمخطط الصهيوني الأمريكي» ضد مصر. ضاع حلم الثورة بعد أن تطايرت شذراته في الهواء، وتفرق الرفاق الذين هتفوا في صوت واحد رج ميدان التحرير «الشعب يريد إسقاط النظام» و«ثورتنا ثورة شعبية.. لا ائتلافية ولا حزبية» وعلى لحن الأولتراس غنوا «حرية». «حكاية ثورة».. لا يوجد من يملك شيئًا يخشى عليه، ف«25 يناير» اندلعت بعد أن وصل الفساد والغلاء والمحسوبية الذروة، بدأ الطوفان على الميدان، وأصبح التحرير قلب الثورة، وتتزايد الأعداد والإصرار يومًا بعد يوم، لم يفرق الميدان بين «لحية وشعر كيرلي وحظاظة»، فالكل اجتمع على هدف واحد قائم على أنه لا مفر من العودة سوى بسقوط النظام. وبعد أن قوبلت سلميتهم بالرصاص، زاد الأمل في انهيار دولة مبارك، سقط شهداء ومصابون فداءً للحرية، امتلأ الميدان عن آخره، وبدأ الإعلام مهمته بوصف الثورة بالحركة الاحتجاجية الممولة من الغرب، فمن شارك فيها حصل على «وجبة كنتاكي و50 جنيهًا»، فضلا عن أنهم تلقوا تدريبًا من الخارج لقلب نظام الحكم في مصر. فيديو سيد على وهناء السمري على قناة المحور..
خرج الرئيس الأسبق حسني مبارك بخطاب أول لم يجد نفعًا، ووصف البعض هذا الخطاب ب«الهزيل»، بل وزاد من الأمر حدة واحتقانًا، فازداد العدد ولم يقتنع الرئيس وقتها بأنها النهاية، فأصر على موقفه، وخرج بخطاب ثان ثم ثالث وُصف بالاستعطافي، للعب على مشاعر الشعب «العاطفي بطبعه» لم يختلف كثيرًا عن نظيره السابق، ولا اللاحق، فعزل مبارك الحكومة، وأعلن عدم ترشحه ولا نجله جمال في الانتخابات الرئاسية القادمة، وعيّن اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات العامة المصرية- آنذاك - نائبًا له، ظنًا منه أنه بذلك سيُطفئ ثورة الشعب. وبعد 18 يومًا في قلب الميدان، خرج اللواء الراحل عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية آنذاك، يعلن تخلي مبارك عن السلطة وتسلمها للمجلس العسكري، تشتغل أرض الثورة بالشماريخ المتوهجة في الهواء والهتافات «الله أكبر»، وفرحة تأبى أن يُعبر عنها في سطور. «الجيش حمى الثورة» بعد التحية التي أدتها القوات المسلحة، في بيانها الثالث، لشهداء «25 يناير» والتي قالت فيه إن القوات المسلحة تدرس كيفية تحقيق آمال الشعب، وستحدد الخطوات التي ستتبعها في ذلك، لافتة إلى أنه ليس بديلاً عن الشرعية التي يرتضيها الشعب. خرج الشعب بعد هذا البيان، لالتقاط الصور التذكارية بجوار جنود القوات المسلحة، وأعلى الدبابات، في مشهد لم يختلف إحساسه عن تخلي مبارك عن السلطة، وذهب الشعب لينظف الميدان ويجمله. «الغرب يتجمل».. خرجت تصريحات غربية مؤيدة ل«25 يناير» ومشيدة بها، فقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إن المصريين ألهمونا بأن العدالة تتحقق (دون عنف) من خلال القوة الأخلاقية التي أحنت قوس التاريخ ليميل باتجاه العدالة مرة أخرى، والمصريون بتغييرهم لبلادهم استطاعوا أن يغيروا العالم كله». فيما وصف بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، تنحي مبارك ب«اللحظة التاريخية»، وذكرت كاثرين أشتون الممثل الأعلى للشئون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، في بيان مشترك، مع جوزيه مانويل باروزو رئيس المفوضية الأوروبية، وهيرمان فان رومبوى، رئيس المجلس الأوروبي، إن «الشعب المصري قام بحملته من أجل التغيير الديمقراطي بصورة سلمية وبكرامة». واعتبرت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، يوم تنحي مبارك «يوم سعادة عظيما» وقالت، في مؤتمر صحفي عقدته بعد ساعات من الخطاب اللواء عمر سليمان: «نشهد جميعا تغيرًا تاريخيًا، أشارك الناس سعادتهم.. الملايين من أبناء الشعب في شوارع مصر». بينما قالت رئيسة الوزراء الأسترالية، جوليا جيلارد، في بيان مشترك مع وزير خارجيتها، كيفن راد، عن تنحي مبارك إنه «يوم استثنائي لشعب مصر». «الجيش مسيطر» بعد الموافقة على التعديلات الدستورية في 19 مارس 2011 بمباركة جماعة الإخوان، شعر «الثوار» أن شيئًا لم يكن فلا حق الشهيد عاد ولا دستور كُتب ولا أمن الدولة حُل، واستمرت المحاكمات العسكرية للمدنيين، فقرر الثوار العودة للميدان للمطالبة بالتغير، وجرت أحداث دموية في عهد المشير حسين طنطاوي، كانت على رأسها أحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء ومجزرة استاد بورسعيد، عززت الانقسام بين الإخوان والثوار، وكلا منهم يبحث عن مصلحته. وتشتت الحلم بعد أن قرر كل رفيق البحث عن مصالحه، وبفضل الإعلام المصري أصبح «التحرير» بقعة موبوءة، بعد أن كان جنة الله على الأرض، وهواه نسيم الحرية، أُجريت الانتخابات البرلمانية، وبعدها الرئاسية وفازت جماعة الإخوان في الحصول على أكثرية البرلمان المنحل وكرسي الرئاسة أيضًا. «مرسي في الاتحادية» مرت الأيام، ونُصب محمد مرسي رئيسًا للبلاد، بعد جولة إعادة بينه وبين الفريق أحمد شفيق، وبفضل «عاصري الليمون» حاز مرسي أخيرًا على الكرسي في 30 يونيو 2012، وعلت نبرة المعارضة بوصف «الرئيس المعزول» بأنه رئيس لأهله وعشيرته، ودارت أحداث دموية في عصره وقُتل شباب من الثورة على رأسهم «جيكا ومحمد الجندي»، وشهدت مصر أحداث عنف أمام قصر الاتحادية الرئاسي بين مؤيدي المعزول والمعارضة راح ضحيتها قتلى من الجانبين. «شعب تمرد» ظهرت حركة معارضة لمرسي، أطلقت على نفسها «تمرد» داعية الشعب للتظاهر في الذكري الثانوية لتولي مرسي الرئاسة 30 يونيو 2013، وخرج الفريق أول عبد الفتاح السيسي، بدعوة مرسي لحل الأزمة، وإلا سيضطر للتدخل ومنحه مهلة 48 ساعة كي يجد حلاً لحالة الحراك والغضب الشعبي تجاهه. خرج مرسي بخطاب «الشرعية» الشهير الذي لم يختلف شيئًا عن خطاباته السابقة، فانتهت المهلة، وخرج السيسي ببيان يعزل فيه الرئيس السابق، ويُنصب فيه المستشار عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية رئيسًا مؤقتًا للبلاد، وتعطيل دستور 2012 وخارطة طريق مستقبلية تَسَع كل الأطياف، فطار عدد كبير من المواطنين فرحًا- عدا الإخوان. اتجه الإخوان لوصف أحداث 30 يونيو ب«الانقلاب العسكري»، واستمرت تظاهراتهم كل يوم جمعة، تنديدًا لما وصفوه ب«الانقلاب»، رافعين لافتات «عودة مرسي»، «مرسي راجع» «الشرعية»، «رابعة»، وهتافات مناهضة للجيش والشرطة في سبيل حلم عودة مرسي. «كل ثوري يبكي على ثورته» تغير حلم الثورة التي هزت العالم بأسره، فانقسم الرفاق إلى ثلاثة فرق لا رابع لها، الأول يبكي لعودة مرسي واسترداد الحكم، وثانٍ يهتف باسم السيسي الذي خلص البلاد من «الفاشية الدينية وحكم الإخوان»، أما الثالث فيعزف منفردًا على وتر الحرية بعيدًا عن الاثنين، لا مع هذا ولا ذاك، المُلقب إعلاميًا بالطابور الخامس. ومع اقتراب الذكري الثالثة لثورة 25 يناير، كلٌ اتجه للحشد بما يدعم أفكاره، فأعلن الفصيل الأول على لسان تحالف دعم الشرعية المؤيد للرئيس المعزول محمد مرسي نزوله الميدان في ذكرى الثورة لإسقاط حكم العسكر، واعتذر للثوار، ودعاهم لتوحيد الصف لاسترداد الثورة والعمل على استكمالها وتحقيق أهدافها، والقصاص للشهداء، وقال في بيان له أنه سيعتصم بداية من يوم 24 يناير الجاري وحتى 11 فبراير لتحقيق أهداف الثورة. كما دعا التحالف، «للابتعاد عن العنف وضوابط المقاومة السلمية، وتوحيد الشعارات لتكون (عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية) و(يسقط حكم العسكر)». «الفريق الثاني» أعلن نزوله تأييدًا لترشح الفريق أول عبد الفتاح السيسي، ودعوته لخوض غمار الانتخابات الرئاسية تحت شعار «مش بمزاجك» لرؤيته أنه الرجل الأقوى، وأنه «قلب الأسد» و«حامي الحمى»، ويفوضه للقضاء على «الإرهاب» واسترجاع الأمن للوطن. أما «الثالث» فيرفض الاثنين، ويأبي أن يكون طرفًا يبحث عن مصلحته، ومن وجهة نظره أن الثورة لابد أن تقوم على كل من خانها، معلنين شعارهم «يسقط كل من خان.. عسكر فلول إخوان»، وأعلنوا النزول للميدان يوم 22 يناير الساعة السادسة للاعتصام في طلعت حرب لاسترجاع «حلم الثورة»، وإنهاء الفساد والإفراج عن المعتقلين، على رأسهم حركة 6 إبريل وحركة أحرار والاشتراكيين الثوريين.