من أهم المسائل الدستورية، تكوين الهيئة التشريعية أو البرلمان، وهل يتكون من مجلس واحد أم مجلسين. ومنذ أواخر القرن ال19 كان النظام السائد فى معظم الدول الديمقراطية هو تكوين البرلمان من مجلسين، تأثرا بالنظام الدستورى البريطانى. ولم تأخذ الدول الأخرى بنظام المجلسين (The Bicameralism System) لمجرد تقليد النظام الدستورى الإنجليزى فحسب، بل لما ظهر من مزايا هذا النظام وأفضليته على نظام المجلس الواحد (The Unicameralism System) التى باتت واضحة فى تطبيقات الثورتين الأمريكية عام 1776، والفرنسية عام 1789. والواقع، إن مزايا نظام المجلسين لا يمكن الحصول عليها على الوجه الأكمل إلا إذا اختلف المجلسان من حيث التركيب، وكان للمجلس الأعلى (The Higher Chamber) أو مجلس الشيوخ (The Senate) الاشتراك الفعلى فى السلطة التشريعية، بحيث يكون مجلس الشيوخ هيئة محافظة فى الدولة لكبح جماح المجلس الشعبى (The Lower Chamber) الأكثر تطرفا بحكم تشكيله وعدد وسن أعضائه، بل وقد يكبح جماح رئيس الدولة نفسه بمشاركته فى بعض اختصاصاته. ويمكن مناقشة مزايا وعيوب نظام المجلسين كالتالي:
مزايا نظام المجلسين: نظام المجلسين يسمح بأن يدخل مجلس الشيوخ أفرادا من ذوى الكفاءات والخبرة عن طريق اشتراط شروط انتخابية خاصة فى مرشحى هذا المجلس دون المساس بحق الاقتراع العام: حيث أدى انتشار الديمقراطية وذيوع الاقتراع العام إلى جعل انتخاب نواب الأمة فى يد عامة الشعب، وإذا سلمنا بارتفاع نسبة الجهل والأمية خاصة فى الدول النامية، فيكون اختيار عامة الناس لنوابهم مبنيا على دافع شخصى أو عاطفى أو دينى دون الاهتمام بخبرات وتخصص النواب. وبذلك يوفق نظام المجلسين بين الاقتراع العام وحسن اختيار أعضاء البرلمان. يمنع نظام المجلسين التسرع فى التشريع فلا يصدر القانون إلا بعد أن يُدرس ويُبحث مرتين فى هيئتين مختلفتين: فإذا أخطأ المجلس الأول أو انقاد للعاطفة أو لتأثير وقتى، فإن المجلس الثانى يصلح من هذا الخطأ ويمكنه أن يؤجل المشروع حتى يعود المجلس الآخر إلى رزانته. ويظن البعض أنه يمكن الاستغناء عن المجلس الثانى بإعطاء رئيس الدولة حق الاعتراض على القوانين. ولكن قد لا يجرؤ رئيس الدولة على استعمال هذا الحق بعكس الحال بالنسبة للمجلس الآخر. إذ كثيرا ما يصوت المجلس الأدنى على بعض القوانين (التهريجية) التى يقترحها بعض أعضاؤه طلبا للشهرة أو لاستجلاب عطف فئات معينة من المجتمع. فمجلس الشيوخ يقوم إذا بوظيفة (المرشح أو الفلتر) فهو لا يترك القوانين تمر إلا إذا كانت ناضجة لا تشوبها شائبة ومتفقة مع المصلحة العامة. يحفظ نظام المجلسين التوازن بين التمثيل الشعبى القائم على نسبة عدد السكان، وتمثيل المكونات الإدارية المكونة للدولة، وخصوصا فى الدول التى لا يكون توزيع السكان فيها متناسبا مع مساحتها: مثل مصر، حيث يكون لبعض المحافظات ثقل تصويتى يوازى مجموعة من المحافظات، فالكتلة التصويتية لمحافظة القاهرة مثلا، نحو 15 مليون نسمة، وهى بذلك أثقل بكثير من الكتلة التصويتية لمحافظات مطروح والوادى الجديد والبحر الأحمر وجنوب وشمال سيناء مجتمعة، وتلك المحافظات سالفة الذكر تشكل قرابة 85% من مساحة مصر الإجمالية. فنظام المجلسين إذا يضمن تصويتا متساويا لكافة المكونات الإدارية للدولة بغض النظر عن عدد سكانها أو مساحتها. يُمكن نظام المجلسين من تمثيل الطبقات المختلفة والمصالح المتباينة فى الدولة تمثيلا متوازنا: ولذا يرى الكثير من الكُتاب وبعض رجال القانون والسياسة، وبحق، الاحتفاظ بنظام المجلسين لكى يمثل أحدهما مجموع الشعب أى الأفراد بصفتهم أفرادا بصرف النظر عن مركزهم الاجتماعى أو الاقتصادى ويمثل المجلس الثانى جميع المصالح فى الدولة كالصناع والزراع والتجار والعمال ورجال الأدب والعلم وأساتذة الجامعات ورجال الدين إلخ. وبذلك يتحقق تمثيل الأمة تمثيلا صحيحا من الوجهة السياسية والاقتصادية والإجتماعية لا من الوجهة السياسية فقط. نظام المجلسين يضمن عدم استبداد البرلمان، خصوصا إذا كانت أغلبية تشكيله من تيار واحد: فقد أثبتت التجربة أن المجالس التشريعية تميل دائما إلى توسيع سلطاتها والافتئات على حقوق السلطات الأخرى، فإذا كان البرلمان مكونا من مجلس واحد لم يكن هناك ما يوقفه عند حده أو يلطف من حدته أو يخفف من غلوه، وقد يفوق الاستبداد البرلمانى استبداد الحاكم المطلق، لأن شعوره بالمسئولية أقل. لذلك لجأت معظم البلاد إلى تقييد هيئاتها التشريعية عمليا بفصل سلطتها وتقسيمها على مجلسين. نظام المجلسين يؤكد مبدأ سيادة القانون والرقابة الذاتية داخل السلطة التشريعية: إذ يفترض أن تطبق السلطات الثلاث نوعا من الرقابة الذاتية (أى رقابة السلطة لنفسها بنفسها)، فمثلا، تطبق السلطة القضائية مبدأ التقاضى على درجتين، علاوة على رقابة محكمة تمييز أو قانون للأحكام القضائية. وتقوم السلطة التنفيذية بالرقابة الذاتية على نفسها عن طريق التفتيش والتحقيق الإدارى لضمان تطبيق صحيح القانون، وسير مرافق الدولة بانتظام واطراد. وعلى هذا المنوال، فإن نظام المجلسين، يُمكن السلطة التشريعية من تطبيق ذات المبدأ على نفسها، بنفسها. يخفف نظام المجلسين من حدة النزاع بين السلطات، ولا سيما السلطتين التشريعية والتنفيذية.
انتقادات نظام المجلسين: القول بأن نظام المجلسين يتعارض مع وحدة إرادة الأمة، أى أن الأمة ليس لها إلا إرادة واحدة، ويجب أن يعبر عنها مجلس واحد: ولكن ليس لهذه الحجة وجاهة علمية أو عملية، وإذا اتبعناها إلى النهاية لأدت بنا إلى نتائج وخيمة، إذ يمكن القول أن إرادة الأمة واحدة إذن يجب ألا يعبر عن هذه الإرادة إلى شخص واحد، وهذا معناه الرجوع إلى النظام الملكى المطلق أو الديكتاتورية. القول بأن المجلس التشريعى الأعلى لا قيمة فعلية له وأنه مجرد مجلس استشارى يستعمل كنوع من المكافأة أو الوجاهة وأنه إهدار للمال العام: وهذا المعتقد الخاطئ يرجع لظروف تاريخية خاصة بمصر فقط، حيث كان مجلس الشورى، مجلسا استشاريا أُدخل على دستور 1971، بتعديلات عام 1980 لتضليل فصيل معين بكلمة «الشورى»، وفى ذات الوقت لتمرير بعض التعديلات الدستورية الأخرى، وكان يستخدم كمكافأة نهاية الخدمة لبعض خواص النظام، مما أفرز الشكل المشوه الذى كان عليه، الأمر الذى حدا الكثير للمطالبة بإلغائه، والواقع أنه لا تثريب على أصحاب هذه الحجة فى رفضهم تلك الصورة المشوهة، ولكن جانبهم الصواب فى طريقة إصلاح النظام البرلمانى، فهم كمن وجد ثقبا فى جدار، فقرروا هدم الجدار للتخلص من الثقب. وعلى هذا فليس الحل هو الأخذ بنظام المجلس الواحد، بل بتقديم المجلس التشريعى الأعلى فى شكل يتناسب ووضع مصر ويضمن لها الصالح العام. القول بأن نظام المجلسين يعطل العمل التشريعى، ومناقشتها فى المجلسين يجعل صدور القوانين أبطأ: ولكن يعوض هذا البطء أن القوانين التى تصدر تكون أكثر اتفاقا وأقرب للمصلحة العامة مما لو كانت صادرة من مجلس واحد، بحيث لا يصدر التشريع إلا بعد بحث وتدقيق، فالعبرة ليست بكثرة القوانين بل بصلاحيتها. كما أن معظم الدساتير تنص على إجراءت خاصة لاتباعها فى حالة الاستعجال تسمح بمرور القانون فى المجلسين فى أقرب وقت ممكن. ولهذه الأسباب، أخذت معظم دول العالم الحر الديمقراطية بنظام المجلسين. ولهذا، نرى أن يتم تشكيل مجلس الشعب المصرى من غرفتين، مجلس نواب ومجلس شيوخ، ويتم تكوين مجلس الشيوخ كالتالى: 1) عضوان عن كل محافظة. 2) عضوان عن الجامعات المصرية. 3) عضوان عن كل نقابة عامة مهنية وعمالية. 4) عضوان عن القوات المسلحة. 5) عضوان عن الجامع الأزهر. 6) عضوان عن كل كنيسة من الكنائس المصرية الرئيسية الرسمية. 7) عضوان عن ذوى الإحتياجات الخاصة. 8) عضوان عن المصريين فى الخارج. 9) رؤساء الجمهورية السابقين. 10) الحاصلون على قلادة النيل من المصريين. وبهذا نضمن أن يضم مجلس الشعب بغرفته الأعلى (مجلس الشيوخ)، بين أعضائه ألمع عقول الأمة، ونضمن التوازن فى تمثيل مشرعى الأمة على المستوى الشعبى القائم على نسبة عدد السكان، وعلى مستوى الكفاءة والخبرة.