يؤدى خمسة طلاب من المصابين بمرض السرطان امتحاناتهم أثناء وجودهم داخل مستشفى سرطان الأطفال «57357» الكائنة بحى السيدة زينب، وسط شعور متدفق من الأمل فى مستقبل مشرق، وألم دفين يتسبب فيه مرض السرطان. «الشروق» ذهبت إلى المستشفى لتفقد أحوال هؤلاء الطلاب والوقوف على احتياجاتهم، حيث تعقد لجنة لكل طالب فى غرفته، تحت إشراف رئيس لجنة ومراقب أول، للحالات التى لا يستطيع فيها الطالب مغادرة غرفته، وإذا تحسنت حالة أحدهم يمكنه أن يؤدى الامتحان فى المكتبة، أو مدرسة المستشفى التى يتلقى فيها الطلاب المرضى دروسهم فى كل مراحل التعليم، طوال فترة بقائهم فى المستشفى.
محمد خالد، الطالب بمدرسة الإقبال الثانوية بالإسكندرية، فى الصف الثالث الثانوى، كان قد شعر بتعب وارتفاع فى درجة الحرارة قبل امتحان العام الماضى بشهرين، ولم يستطع الأطباء الذين عرض عليهم تشخيص مرضه، واستطاع أن يحصد مجموع 70% فى المرحلة الأولى من الثانوية العامة، وعندها قرر أن يحول شعبته من العلمى رياضيات إلى الأدبى.
فى إحدى غرف الطابق الخامس بالمستشفى، تستدعى حالة محمد أن يظل فى سريره، بعد أن ساءت حالته قبل أسابيع من الامتحان، وتورمت قدماه وارتفعت درجة حرارته، واصفرت عيناه، واكتشف الأطباء فى مستشفى الطلبة بالإسكندرية أنه يحتاج لنقل دم، لانخفاض نسبة الهيموجلوبين إلى درجة كبيرة، وأن هناك مشكلة فى دمه، ونقل إلى مستشفى 57357 ليتلقى العلاج الذى لا يقوى بعد جرعاته الشديدة على مغادرة غرفته.
ويستعد محمد لامتحان الفلسفة وعلم النفس، بمساعدة متطوعين ومدرسين بمدرسة المستشفى، حيث قال ل«الشروق» إنه يفضل النظام الجديد للثانوية العامة الذى سيدمج المرحلتين فى سنة دراسية واحدة، مطالبا فى الوقت ذاته بضرورة تخفيف المناهج الطويلة، «لأن فيه مدرسين كتير ما بتقدرش تخلص المنهج فى المدرسة» على حد قوله.
وأوضحت والدة محمد أن مشكلته هو وزملائه فى المدرسة خلال الأسابيع الأخيرة قبل الامتحانات هى انقطاع الكهرباء خلال وقت الدرس الخصوصى.
أما الطلاب الأربعة الآخرون فانطلقت بهم الممرضات بصحبة أهاليهم فور انتهاء اللجنة، ليأخذوا جرعات العلاج الكيماوى والإشعاعى، التى أجلت حتى انتهاء اللجنة، وفى الغرفة 4010 كان على سليمان يستتذكر دروسه استعدادا لدخول امتحان الدور الثانى فى الصف الخامس الابتدائى، بعد أن رفض مدير مدرسته «أبو صير الابتدائية فى بنى سويف» أن يسمح له بأداء الامتحان فى المستشفى رغم كل محاولات والدته والمتطوعين فى المستشفى لإقناعه.
قبل بداية لجنة الامتحان، يستقبل طارق عبد الله، المتطوع بالمستشفى والمسئول عن لجان الامتحان، رؤساء اللجان والمراقبين، ليرافقهم إلى غرفة الكنترول، التى يراجعون فيها كراسات الإجابة ويتأكدون من المواد الاختيارية لكل طالب من الطلاب الخمسة، وعادة ما يرافق أعضاء اللجان الخمس متابع من مكتب وزير التربية والتعليم.
طارق كان من متطوعى معهد الأورام، وكان يلاحظ أن الأطفال الذين يتطلب علاجهم البقاء فى المستشفى لشهر أو نصف شهر، خلال فترة العلاج التى قد تمتد إلى 5 سنوات أحيانا، قد يفقد بعضهم فرصة أداء الامتحان، فسعى مع إدارة المستشفى إلى أن يطلب من وزارة التربية والتعليم أن تعقد اللجان داخل المدرسة.
وأضاف «وبعد عام من بدء العمل فى المستشفى، وافق وزير التربية والتعليم وقتها د. يسرى الجمل فى 2008، على أن تعقد امتحانات النقل فى المستشفى»، مشيرا إلى أنه بعد تفوق طلاب المستشفى فى الإعدادية وحصلوا على 97%، و98% وافق الوزير أحمد زكى بدر فى 2010 على عقد أول لجنة امتحان للثانوية العامة للطلاب المقيمين فى المستشفى، من أسوان للإسكندرية.
وتؤكد الدكتورة نرمين عبد السلام، المسئولة عن مدرسة المستشفى، أن الامتحان لم يكن البداية، مضيفة «كان المتطوعون يساعدون الطلاب المرضى على استذكار بعض دروسهم، وعندما لاحظ الإخصائيون الاجتماعيون أن استذكارهم للدروس يساعدهم على تحمل فترات العلاج، ويحسن من نفسيتهم، جاءت فكرة إنشاء مدرسة داخل المستشفى، ليخصص لها مدرسون مسئولون عن هذا العمل».
وأوضحت نرمين أن مدرسة المستشفى هى عبارة عن غرفة للمكتبة فى كل طابق من طوابق المستشفى الخمسة، مزودة بأجهزة الكمبيوتر، والقصص والموسوعات العلمية، وأدوات الأنشطة الفنية المختلفة، واستجابت مدرسة مصر 2000، لطلب المستشفى، وخصصت 5 معلمين فى مختلف التخصصات الأساسية، ليدرسوا للطلاب المرضى، سواء فى المكتبة أو داخل غرفهم، بحسب حالة كل مريض خلال فترة إقامته بالمستشفى.
وأضافت منى فتحى، معلمة الرياضيات بالمدرسة، أنه قد لا تتعدى الحصة ربع الساعة أو 10 دقائق حسب حالة المريض، مشيرة إلى أن المرض قد يكون سببا فى تأثر نظره ويده، ولذلك فإنها تستخدم مجسمات لشرح الدرس مع أطفال الابتدائى، وقد تكون الحصة كلها للقصص، وأن المهم هو أن تظل روحه المعنوية مرتفعة، وألا يشعر بأنه قد فاته كثير عن زملائه فى المدرسة».
من جهته يرجع الدكتور شريف أبوالنجا، نائب مدير المستشفى، الفضل فى إنشاء المستشفى إلى طلاب مدارس مصر الذين جمعوا جنيها واحدا من كل طالب، وكانت الحصيلة 24 ألف جنيه فى عام 2002، وتوالت بعدها تبرعات أفراد وجهات كثيرة، وأغلب الأماكن فى المستشفى تحمل أسماء المتبرعين، مشيرا إلى أن المستشفى سيوثق لدور أطفال مدارس مصر فى إنشاء المستشفى من خلال جدارية ضخمة.