ما يحدث فى عدد من جامعات مصر الآن، ينذر بخطر شديد على كافة المستويات، وفى المقدمة من ذلك بالطبع العملية التعليمية والتى أصبحت أصلا خارج مرمى النقاشات، فى ظل هيمنة كاملة للحديث عن السياسة والأمن، ثم كابوس ما يحدث فى العلاقة بين الأساتذة والطلاب، والتى تجاوزت كافة الحدود، دون أن ننسى عدم رشادة بعض الأساتذة فى إدارة الامور، وينضم إلى ذلك الفشل فى تشكيل اتحاد طلاب الجمهورية، وعدم الاتفاق على طبيعة وكيفية ممارسة السياسة ضمن الأنشطة الطلابية داخل الحرم الجامعى. وما يحدث لم يصب فقط الجامعات الرسمية بل امتد أيضا إلى الجامعات الخاصة، والتى بدأت بالجامعة الأمريكية التى افتتحت العام بإضراب شامل ضد زيادة المصروفات، وليس بآخرها ما حدث فى جامعة مصر الدولية حول تعامل الأمن مع الطلبة، بعد اعتراضاتهم على عدم إقامة إدارة الجامعة لكوبرى مشاة بعد حادث وفاة زميلة لهم وهى تعبر الطريق، دون ان ننسى ما حدث فى الجامعة الألمانية العام الماضى فى أعقاب حادثة بورسعيد، ويضاف فوق ذلك كله قصة جامعة النيل التى لم تنته حتى الآن.
الأكيد أن الأسباب عديدة ومختلفة، لكن العنوان الأكبر للأزمة يتجلى فى الأمن داخل الجامعة، الذى انفلت تماما وأصبح غير موجود تقريبا بعد إلغاء الحرس الجامعى، وبالمناسبة إلغاؤه كان قبل الثورة وبحكم قضائى، وكانت الاعتراضات على وجود هذا الحرس تنطلق فى الأساس من دوره السياسى فى قمع حريات الطلاب ووأد الأنشطة ذات الجوانب السياسية، وهو الدور الذى لا يستطيع أى أحد القيام به بعد ثورة يناير، فذهب الحرس وبقى الانفلات وأعلنت إدارات الجامعات عن عدم مقدرتها على إدارة العملية الأمنية فى ظل حالات الاحتقان التى لا تنتهى بين الطلبة، مما دفع البعض للمطالبة بعودة الحرس الجامعى من جديد.
وربما كانت دعوات عودة الحرس أكثر وضوحا، بعد ما شهدته جامعة عين شمس مؤخرا من معارك لا يمكن تصديق أنها تحدث داخل حرم جامعى، وبتنا وسط زحمة الأحداث لا نعرف هل هؤلاء طلبة أم بلطجية، هنا لا أقصد وصف بعض الطلبة، بل أشير إلى بعض الاخبار المنشورة فى الكثير من الصحف والمواقع الاخبارية التى تتحدث عن معارك بين الطلبة والبلطجية، وحينما سألت عن حقيقة هذه المعارك فوجئت ان بعضها كان يدور بين مجموعات من الطلاب، وان الزملاء الصحفيين عندما رأوا الأسلحة البيضاء المشهرة فى هذه المعارك اعتقدوا ان هؤلاء بلطجية لا علاقة لهم بالجامعة، ثم اكتشفوا بعد ذلك انها معارك داخلية بين أبناء حرم جامعى واحد.
أعلم انه ليس من حق أحد وصف أى مواطن بأنه بلطجى، من مظهره أو حتى من بعض سلوكياته، وان ذلك تجاوز، لكن فى ظل غياب كامل للحقائق، وفى ظل ممارسات متكررة تتصاعد حدتها، لا يمكن وصف ما يحدث بالجامعات إلا أنه من أمور البلطجة، وإذا كان البعض يتفهم بعض هذه الممارسات فى الشارع، حيث يختلط الحابل بالنابل، ويلعب الجميع بأدوات منحطة سترتد إلى صدورهم يوما ما، فان المكان المسمى بالحرم الجامعى يجب ان يتطهر فورا من هذه الجرائم ومن تلك الألاعيب المنحطة، حماية للمستقبل، فلا يمكن تصور ان هؤلاء الشباب هم مستقبل هذه الأمة.
طبعا هناك مشكلة فى عودة الحرس الجامعى، لكن ما يحدث فى الجامعات أيضا مشكلة، وهى مشكلة أكبر وأخطر من ان تترك للحل الأمنى، وبصراحة لا اعرف ماذا ينتظر السيد وزير التعليم العالى، وماذا تنتظر حكومته من أجل مواجهة الأزمة، التى يمكن ان تعصف بالجامعات دون ان ندرى ونحن مشغولون بتبادل التظاهرات والاستعراضات فى ميادين مصر، دون ان نصطف معا ولو لمرة واحدة فى ميادين المستقبل.