لا يمكن المرور مر الكرام على قيام جنود الجيش الإسرائيلى بالهرب من أمام الشبان الفلسطينيين الذين يطلقون عليهم الحجارة، كما شاهدنا فى الآونة الأخيرة فى عدة مناطق من يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، ذلك بأن هروبا كهذا يمكن أن ينطوى على ضرر استراتيجى، وأن يشكل محفزا لشبان آخرين على أن يتبعوا النهج نفسه فى مناطق أخرى. فى الوقت نفسه فإن اتساع نطاق مثل هذه الظواهر سيستلزم من الحكومة الإسرائيلية ردة فعل فورية، وخصوصا فى ظل وجود البلد فى خضم حملة انتخابية. وأعتقد أنه على الرغم من التهديدات بتصعيد الوضع التى يطلقها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، إلا أنه غير معنى باندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، بعد أن خسرت السلطة فى الانتفاضة الثانية كل ما لديها. كما أن عباس غير معنى باندلاعها لأنه منذ وفاة رئيس السلطة السابق ياسر عرفات تمكنت السلطة الحالية من تعزيز نفوذها، وإنعاش الاقتصاد الفلسطينى. وكل ذلك سيكون مهددا بالزوال فى حال اندلاع انتفاضة جديدة.
فى المقابل، فإن إسرائيل أيضا غير معنية بأى تصعيد للوضع مع السلطة الفلسطينية، ذلك بأن المسئولين فيها يدركون تماما أنه ما من بديل أفضل من هذه السلطة فى الوقت الحالى.
إن المطلوب استنتاجه هو أن كلا من إسرائيل والسلطة الفلسطينية غير معنيتين بأى جولة عنف جديدة، وبناء على ذلك فإن عمليات إطلاق الحجارة فى هذا الوقت بالذات يمكن أن تلحق أضرارا كبيرة بهما. ولا شك فى أن الجيش الإسرائيلى يملك الأدوات والوسائل المطلوبة لكبح عمليات إطلاق الحجارة على الجنود، من دون اللجوء إلى الهرب، ومن دون الإقدام على أى ردة فعل عنيفة. ومع أن مثل هذه الخطوات لن توفر أكثر من حبة أسبرين لحالة صداع مزمنة، إلاّ أن ذلك يظل أفضل ما دام لا يوجد لدينا شريك جدى يمكن التوصل إلى سلام حقيقى معه.