فى كل عملية عسكرية تقوم بها إسرائيل ضد الدول المجاورة لها هناك اعتبارات دولية يجب أن تأخذها فى حساباتها. وعلى الرغم من ذلك، لم يسبق لإسرائيل أن أخذت فى حساباتها الظروف السياسية الإقليمية مثلما فعلت فى عملية «عمود السحاب». إذ لم يكن فى استطاعة إسرائيل تجاهل التغييرات السياسية العميقة التى شهدتها الدول العربية، وبصورة خاصة مصر، منذ انتهاء عملية «الرصاص المسبوك» فى 2008 2009. خلال عملية «الرصاص المسبوك» كان فى إمكان إسرائيل الاعتماد على التفاهم الصامت مع النظام المصرى الذى كان حينئذ يخوض صراعاً مع حركة الإخوان المسلمين فى مصر. لكن هذه الحركة التى هى بمثابة الزعامة الروحية لحركات الإخوان فى العالم العربى كله بما فى ذلك حركة «حماس»، باتت اليوم هى التى تسيطر على الرئاسة المصرية وعلى الحكومة ومجلس النواب، وحتى على الجيش.
لقد كانت العلاقات المصرية الإسرائيلية قبل الإطاحة بحسنى مبارك علاقات باردة تفتقر إلى الحيوية، وكان الاستثناء الوحيد فيها قنوات التحاور التى ظلت مفتوحة بين الأجهزة الأمنية فى الدولتين. وطوال تلك الفترة شكلت المساعدة الاقتصادية الأمريكية وبصورة خاصة العسكرية منها حجر الأساس فى تعزيز العلاقات الإسرائيلية المصرية. من هنا شكل صعود الإخوان المسلمين إلى الحكم خطراً كبيراً على هذه العلاقات بين الدولتين والتى فى الأساس لم تكن علاقات مستقرة. وفى الواقع ما إن اندلعت الجولة الأخيرة من العنف فى غزة حتى استدعت مصر سفيرها فى إسرائيل المعين حديثاً. من هنا يمكن القول إنه لو قامت إسرائيل بهجوم برى على القطاع لكان هذا دفع مصر إلى التصرف بطريقة تتعارض مع مصلحتها الحيوية، وإلى اتخاذ خطوات أكثر تطرفاً تؤثر بصورة مباشرة على علاقات مصر مع الولاياتالمتحدة وعلى المساعدة الاقتصادية الأمريكية إلى مصر.
لقد كانت العلاقات مع الولاياتالمتحدة فى مقدمة اهتمام متخذى القرارات فى إسرائيل. فقد تحدث الرئيس أوباما مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو فى 16 تشرين الثانى/نوفمبر وأكد له دعم الولاياتالمتحدة لحق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها. وفى إثر المكالمة الهاتفية بين الرئيس أوباما والرئيس المصرى محمد مرسى فى 19/11/2012 لم يكن هناك أدنى شك فى أن الولاياتالمتحدة كانت تضغط على إسرائيل لمنع توسيع العملية العسكرية، لأنه كان من الواضح أن أى عملية برية ستؤدى إلى وقوع عدد كبير من الخسائر البشرية وستتسبب بإحراج مصر سياسياً بتعقيد العلاقات بين مصر والولاياتالمتحدة التى هى أيضاً غير مستقرة.
إن وقوف رئيس الولاياتالمتحدة إلى جانب إسرائيل فى أول اختبار له منذ فوزه بولاية جديدة، أثار الارتياح فى إسرائيل التى تسعى إلى الاستفادة من هذه الأجواء الايجابية للتفاهم والتنسيق مع الولاياتالمتحدة.
ويمكن القول إن التوصل إلى وقف اطلاق النار وإزالة المواجهة مع «حماس» عن جدول الأعمال، ولو صورة موقتة، من شأنه أن يخدم مصالح إسرائيل البعيدة الأمد.
لقد أخذت الزعامة الإسرائيلية فى حسابها ارتدادات العملية العسكرية ضد غزة على علاقتها بالسلطة الفلسطينية والأردن وتركيا. ومن المحتمل أن يكون من الأسباب التى دفعت «حماس» إلى جولة التصعيد الحالى رغبتها فى الالتفاف على «النجاح» الذى يمكن أن تحققه السلطة الفلسطينية فى الأممالمتحدة لدى مطالبتها الاعتراف بفلسطين دولة غير عضو. وفى الوقت الذى يثير فيه المسعى الفلسطينى غضب إسرائيل، فإنه من الواضح أن أبومازن هو الذى ستتفاوض معه الحكومة الإسرائيلية المقبلة بعد الانتخابات التى ستجرى فى 22 كانون الأول/ديسمبر 2013 . ولا يمكن لأبومازن أن يقف مواقف معتدلة فى حال بعثت إسرائيل بقواتها البرية إلى غزة، أو فى حال احتلتها من جديد.
أما بالنسبة للأردن، فكلما تواصلت العملية العسكرية ضد غزة، كلما وجد الأردن نفسه فى وضع صعب فى مواجهة المعارضة السياسية للإخوان المسلمين. وتتابع إسرائيل بقلق كبير الوضع الداخلى فى الأردن، ومن مصلحتها الكبرى عودة الاستقرار إلى جارتها الشرقية.
وعلى الرغم من مساعى إسرائيل لتحسين العلاقات مع تركيا، فقد انتقد رئيس الحكومة التركية بعنف الرد الإسرائيلى على هجوم «حماس» الصاروخى، لكنه من جهة أخرى شارك فى المساعى الآيلة لوقف المواجهات العسكرية.
فى 19 تشرين الثانى/نوفمبر 2012 أعلن مجلس وزراء الخارجية للاتحاد الأوروبى عن إدانته العنيفة للهجوم الصاروخى ضد إسرائيل معترفاً بحق إسرائيل فى الدفاع عن مواطنيها، لكنه فى الوقت نفسه دعا إلى وقف فورى للعنف. وهذا أمر يثير رضا إسرائيل. وهنا يمكن القول إنه فى حال جرى احترام وقف النار لمدة طويلة، سيكون من الضرورى إيجاد آلية لمراقبة هذا الاتفاق والحفاظ عليه. ومن المحتمل ألا يكون للولايات المتحدة علاقة مباشرة فى هذا الأمر، وأن يكون الاتحاد الأوروبى هو الطرف الذى يستطيع القيام بهذه المهمة التى من المفترض أن تتحدد كتابياً فى اتفاق وقف إطلاق النار الذى وافقت عليه مصر.
تدل تجربة تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701 المتخذ فى إثر حرب لبنان 2006 وكذلك تجربة تنفيذ الترتيبات التى ساهمت فى وقف عملية «الرصاص المسبوك» فى 2008 2009 على حدود هذه الاتفاقات. إذ من الصعب الوقف الكامل لعمليات تهريب السلاح فى ظل غياب رغبة حقيقة من جانب الأطراف المعنية بالموضوع. ويمكن القول هنا إن فى استطاعة مصر أن تلعب دوراً أساسياً فى منع «حماس» والتنظيمات الأخرى من أن تنشط داخل غزة وخارجها. كما فى إمكان الولاياتالمتحدة والعواصم الأوروبية التأثير على مصر ودفعها إلى اتخاذ قرار يمنع تحول أراضيها إلى معبر للسلاح إلى غزة.