يدفعنا توقيت العملية العسكرية الإسرائيلية "أعمدة السحاب" علي قطاع غزة إلي البحث عن الأسباب الحقيقية وراء تلك العملية خاصة انها لم تكن مسبوقة بعمل استفزازي من قبل حماس كي ترد اسرائيل بضرب القطاع. ولاشك ان تلك الضربة التي توجهها إسرائيل لقطاع غزة تعتبر الاختبار الأصعب للرئيس محمد مرسي علي الساحة الخارجية بعد أن فشلت كل جهوده لمنع حدوث مواجهة عسكرية بين إسرائيل وقطاع غزة. فكانت العمليات العسكرية التي قام بها الجيش المصري في سيناء لتصفية العناصر الإرهابية والتي ربطت إسرائيل بينها وبين حماس أحد تلك الجهود. وبالمثل كانت عمليات هدم الانفاق لتفويت فرصة استغلالها في توجيه الانتقاد إلي الحكومة المصرية بالتواطؤ مع حماس في عمليات التهريب عبر الانفاق. بعد وصول التيار الديني إلي الحكم في مصر كان التساؤل حول مستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية أحد أهم الموضوعات المطروحة علي الساحة السياسية المصرية وترجم ذلك في تعالي نبرة المطالبة بتعديل اتفاقية كامب ديفيد الأمر الذي أحدث نوعاً من التوتر في إسرائيل ترجم في شكل حشد القوات وجعلها في وضع الاستعداد علي الحدود مع مصر. ولكن مع تأكيد الحكومة المصرية علي التزامها بالمعاهدات الدولية وانخفاض نبرة المطالبة بتعديل اتفاقية كامب ديفيد اطمأنت إسرائيل وبدأت توجه اهتمامها نحو قطاع غزة بضربة عسكرية أشبه بعملية "الرصاص المسكوب" التي قامت بها في عام 2009 متجاهلة تماما الغضب الدولي الذي نجم عن تلك العملية حيث خسرت إسرائيل علاقتها بالعديد من الدول ومنها علي سبيل المثال تركيا. تهدف الحكومة الإسرائيلية من عمليتها الشرسة علي القطاع تحقيق أمرين: الأول: إلهاء الفلسطينيين عن مطلب الحصول علي عضوية الدولة المراقب في الأممالمتحدة بعد الاصرار الفلسطيني علي تلك الخطوة وفشل كل المساعي الإسرائيلية لعرقلتها والتي توجت مؤخرا بتهديد إسرائيل بالإطاحة بالرئيس الفلسطيني محمود عباس في حال الذهاب إلي الأممالمتحدة. الثاني: هو رغبة نتنياهو الاحتفاظ برئاسة الحكومة ومنع عودة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إلي الحكم خاصة بعد أن تهاوت العديد من الصواريخ من قطاع غزة علي جنوب إسرائيل مما اشعر الإسرائيليين بتراجع مستوي الأمن في عهد حكومتهم الحالية وانها لا تضع علي قمة أولويتها ملف الأمن. وهو ما يهدد باحتمال عدم فوز حزب الليكود في الانتخابات القادمة واحتمالية عودة اولمرت الذي تمت في عهده عملية الرصاص المسكوب. فكما قال طاهر نونو المتحدث باسم حكومة حماس: "انه من الواضح ان قادة الاحتلال الصهيوني اعتادوا علي التباهي بدماء الفلسطينيين في كل انتخابات برلمانية إسرائيلية. أي ان نتنياهو لجأ إلي إراقة الدم الفلسطيني من اجل دعم شعبيته الداخلية بعد ان تراجعت ولتكون داعماً له في مواجهة التوتر الذي يشوب علاقته بالرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد دعم نتنياهو للمرشح الجمهوري ميت رومني في الانتخابات الامريكية. الجدير بالذكر ان الإسرائيليين سيتوجهون في أواخر شهر يناير القادم لاختيار اعضاء البرلمان. وكشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية النقاب عن انباء تواردت حول قرار عودة "ايهود اولمرت" رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إلي الحلبة السياسية مرة أخري. مشيرة إلي أن هذا القرار اتي نكاية في نتنياهو وان اولمرت يباشر اتصالاته بعد عودته من الولاياتالمتحدة مع عدة شخصيات وفي مقدمتها شاؤول موفاز رئيس حزب "كاديما" ورئيسة الحزب السابقة "تسيبي ليفني" تمهيداً لحسمه قراره العودة إلي الحلبة السياسية. يذكر ان الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل علي غزة قبل اقل من أربعة اعوام بقرار من رئيس الحكومة في حينه ايهود اولمرت ودعم تام من احزاب اليمين بزعامة نتنياهو. جاءت عشية انتخابات عامة افرزت لاحقا انتصارا لكل من حزب كديما برئاسة تسيبي ليفني التي خلفت اولمرت علي زعامة الحزب. والليكود بزعامة نتنياهو. عاد التساؤل حول مستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية يطرح نفسه بقوة علي الساحة السياسية المصرية بعد العملية العسكرية الحالية علي القطاع. هل ستؤدي تلك العملية إلي قطع العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإسرائيل؟ في الحقيقة ان سعي مصر لكتابة دستورها الجديد والسعي لايجاد حلول لمشكلاتها. تجعل القيادة السياسية في منأي عن احداث أي توتر علي الساحة الخارجية. خاصة ان قطع العلاقات مع إسرائيل سيؤدي حتما إلي توتر في العلاقات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. ولكن لا يعني ذلك ان تقف الحكومة المصرية مكتوفة الأيدي امام ما يحدث في غزة خاصة مع الضغط الشعبي المتزايد والذي ترجم في شكل مظاهرات اجتاحت كبري المدن المصرية. وان المقارنة ستتم بين موقف الحكومة الحالية وبين موقف النظام السابق بعد عملية الرصاص المسكوب.. لذلك كان الموقف المصري بسحب السفير المصري من تل أبيب وطرد السفير الإسرائيلي من مصر. وكانت أيضا زيارة رئيس الوزراء هشام قنديل إلي قطاع غزة. لمواجهة الضغط الشعبي .