تساءل الكاتب أحمد الخميسى عن كيف يمكن تكريم الدكتور طه حسين في مجتمع لا يصون ذاكرة أبنائه ولا يعرف كيف يحتفي بهم؟ وأضاف رأيت في أوروبا أشكالا لتكريم الأدباء تجعلنا نخجل مما نقوم به حين نكرم أدباءنا، لكن بوسعنا على الأقل أن نعيد طباعة أعماله بسعر زهيد، وبوسعنا ألا نكتفي بالندوات داخل المباني المغلقة لوزارة الثقافة، لكن أن نتجه بالاحتفالات إلى قرى الصعيد التي جاء منها طه حسين، ليكون الاحتفال بنشر أفكاره وسط البسطاء الذين تبنى قضاياهم.
وتابع قائلا: بوسعنا -على الأقل- أن نزيل ذلك التمثال الذي أقاموه له والذي يدعو للشعور بالخجل وأن نقيم له تمثالا حقيقيا، لافتا إلى وجود طرق كثيرة للتكريم، لكننا نفاجأ بدلا من كل ذلك بالبعض يدعو لحذف روايته "الأيام" من مناهج التعليم.
وقال الخميسى إنه عندما نسأل ما الذي تبقى من طه حسين للجيل الجديد، فإننا نكون بصدد سؤال يصلح لتناول كل تراث فكري وأدبي.
وأضاف أنه يحق لنا في هذا الشأن أن نسأل على سبيل المثال: ما الذي يبقى من سيد درويش للجيل الجديد، أو النحات العظيم محمود مختار، أو حتى نجيب محفوظ؟ وتابع : لا شك أن التطور الموسيقي سيتجاوز أو تجاوز بالفعل سيد درويش - ماعدا إنجازه في المسرح الغنائي - وتجاوز طرق مختار في النحت، وتجاوز الشكل الروائي عند نجيب محفوظ إلى آفاق أرحب.
كما أكد أن التطور يتجاوز تقريبا كل شيء حتى كاتبا عملاقا مثل شكسبير الذي يصبح بمرور الزمن "أكثر قدما"، وعندما نتحدث الآن عن ترجمة رفاعة رافع الطهطاوي للدستور الفرنسي في حينه، فإن ترجمة الدستور بحد ذاتها قد لا تعني الآن أي شيء، لكن تلك الترجمة في حينه كانت - بما قدمته من نموذج لفصل السلطات - ثورة ضد انفراد الحاكم المطلق بكل السلطات.
وأضاف أن رواية عباس العقاد "سارة" كانت حينذاك "أول" رواية نفسية عربية، لكن الزمن تجاوزها، فهي الآن كرواية قد لا تعني الكثير، ويبقى من طه حسين إذن ليس أعماله بالتحديد لكن مغزى مشاركته في حل قضايا مجتمعه حينذاك، يبقى منهجه العلمي القائم على أن كل قضية أدبية أو تراثية أو فكرية قابلة للتمحيص، وأن العلم والدرس لا يعرف المقدسات، وهذا ما أثار عليه المجتمع حين أصدر كتابه "في الشعر الجاهلي".
وأشار إلى أنه يبقى من طه حسين صيحته التي مازلنا بحاجة إليها أن "العلم هو حق لكل مواطن كالماء والهواء"، وتبقى بعض أعماله الأدبية مثل "الأيام"، و"دعاء الكروان"، وتبقى قراءته الخاصة للثقافة المصرية، لكن الزمن سيتجاوز حتى كل ذلك، ليبقى معنى ومغزى حياة الكاتب، ثم يبقى للجيل الجديد إن أراد نموذج نادر للشاب الذي لم يقعده العجز عن طلب العلم.
ورأى الخميسي أنه من زاوية "مغزى حياة وأعمال الإنسان" سيبقى من منهج طه حسين الكثير، ومن كتبه سيبقى الكثير خاصة كتابه "مستقبل الثقافة المصرية" الذي ربط الثقافة بالتعليم.
وعن الاستشراق الروسي اكد الخميسى انه يعرف جيدا طه حسين، وقد ترجمت له عدة أعمال إلى الروسية، وعامة يقدر الاستشراق دور طه حسين تقديرا كبيرا، ويعتبره أحد رواد النهضة الثقافية والأدبية، ليس في مصر فحسب، بل في العالم العربي كله، لكن علينا ملاحظة أن دوائر الاستشراق ليست هي المجتمع الروسي، فالذين يعرفون طه حسين وحتى نجيب محفوظ هم النخبة.
وقال في جيلنا نحن أبناء الستينات، كانت هناك قامتان ضخمتان مختلفتان: عباس العقاد وطه حسين، وهما اللذان خاضا في الشئون العامة وفي الفكر والنقد، وكان طه حسين الأكثر والأعمق تأثيرا، إذ أنه لم يتخل عن "ليبراليته" السمحة حتى النهاية، وكان يقوم بدور البوصلة الفكرية، وهو من أوائل من كتبوا أن نجيب محفوظ - بعد الثلاثية - يستحق نوبل.
وتابع قائلا: إن طه حسين كان منفتحا على كل التيارات الفكرية، وكان داعية تحرر من الطراز الأول، ومازلت أذكر كيف كتب لصديق له إنه (أي طه حسين) خدع الجامعة المصرية وأدخل بيده أول ثلاث نساء إلى التعليم الجامعي، وأن سيرته الذاتية "الأيام" تركت فينا أثرا بالغا، وكذلك كتابه "مستقبل الثقافة في مصر"، وكتابه "في الشعر الجاهلي"، لكننا كنا ننظر إليه كما ينظر صبي صغير إلى قمة هرم ضخم، بمحبة وخوف وأمل.