عاجل - "وزارة الموارد البشرية" ترد على شائعات زيادة 20٪ لمستفيدي الضمان الاجتماعي لشهر نوفمبر 2024    عاجل- كيفية الاستعلام عن موظف وافد برقم الإقامة وخطوات معرفة رقم الحدود عبر أبشر    4 شهداء و24 جريحا في حصيلة أولية لغارة إسرائيلية على محيط مستشفى الحريري في لبنان    صفارات الإنذار تدوى في الجولان بالتزامن مع غارات إسرائيلية على البقاع بلبنان    «إنت مش مارادونا».. مدحت شلبي يهاجم نجم الزمالك    «سيدات طائرة الأهلي» يفزن على وادي دجلة في بطولة الدوري    كسر بالجمجمة ونزيف.. ننشر التقرير الطبي لسائق تعدى عليه 4 أشخاص في حلوان    عاجل - تمديد فترة تخفيض مخالفات المرور وإعفاء 50% من الغرامات لهذه المدة    بمستند رسمي..تعرف علي مواعيد قطارات «السكة الحديد» بالتوقيت الشتوي الجديد    مصرع شاب وإصابة 2 آخرين في حادث انقلاب سيارة بأسيوط    ثقف نفسك| 10 خطوات هامة لمن يريد الزواج.. تعرف عليها    على الحجار عن «مش روميو وجولييت»: أشكر الجمهور.. ودعوات مجانية للمسرحية    محمد كيلاني داخل الاستوديو لتحضير أغنية جديدة    اللهم آمين| أفضل دعاء لحفظ الأبناء من كل مكروه وسوء    الصحة اللبنانية تدين تعرض إسرائيل لأكبر مرفقين طبيين في البلاد وتطالب بموقف دولي إنساني    3 مشروبات يتناولها الكثير باستمرار وتسبب مرض السكري.. احذر منها    سامسونج تطلق إصدار خاص من هاتف Galaxy Z Fold 6    382 يومًا من العدوان.. شهداء ومصابين في تصعيد جديد للاحتلال على غزة    موقف كمال عبد الواحد من المشاركة بنهائي السوبر، والده يكشف حالته الصحية    اشتباكات عنيفة بين عناصر "حزب الله" والجيش الإسرائيلي في عيتا الشعب    وزير الدفاع الأمريكي: سنزود أوكرانيا بما تحتاجه لخوض حربها ضد روسيا    جيش الاحتلال: قلصنا قدرات حزب الله النارية إلى نحو 30%    جيش الاحتلال: نستهدف خزينة سرية لحزب الله مليئة بالنقود تحت مستشفى ببيروت    حل سحري للإرهاق المزمن    إسرائيل تتوعد: الهجوم على إيران سيكون كبيرًا وسيجبرها على الرد    نشرة التوك شو| حقيقة زيادة المرتبات الفترة المقبلة ومستجدات خطة التحول إلى الدعم النقدي    حظك اليوم برج الجدي الثلاثاء 22 أكتوبر 2024.. هتقابل شريك الحياة    بعد منعه من السفر… «هشام قاسم»: السيسي أسوأ من حكم مصر    دعاء عند نزول المطر.. فرصة لتوسيع الأرزاق    ما حكم استخدام المحافظ الإلكترونية؟ أمين الفتوى يحسم الجدل    قائد القوات البحرية يكشف سبب طُول الحرب في أوكرانيا وغزة    النائب العام يبحث مع نظيرته الجنوب إفريقية آليات التعاون القضائي    «القابضة للمطارات»: مؤتمر المراقبين الجويين منصة للتعاون ومواجهة تحديات الملاحة    كيفية تفادي النوبات القلبية في 8 خطوات..لايف ستايل    داخل الزراعات.. حبس سائق توكتوك حاول التح.رش بسيدة    عماد متعب: اللاعب بيحب المباريات الكبيرة وكنت موفقا جدا أمام الزمالك    عقوبة تخبيب الزوجة على زوجها.. المفتاح بيد المرأة وليس الرجل فانتبه    ماذا كان يقول الرسول قبل النوم؟.. 6 كلمات للنجاة من عذاب جهنم    متحدث الصحة: نعمل بجدية ومؤسسية على بناء الإنسان المصري    الحلفاوي: "الفرق بين الأهلي وغيره من الأندية مش بالكلام واليفط"    هل ينسحب الزمالك من نهائي السوبر أمام الأهلي؟ ثروت سويلم يُجيب    أسامة عرابي: الأهلي يحتاج خدمات كهربا رغم أزمته الحالية    شيرين عبدالوهاب تدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية (تفاصيل)    رانيا يوسف: إشمعنى كلب الهرم يتكرم وكلبي في فيلم أوراق التاروت ما حدش عايز يكرمه؟    شريف سلامة: أتخوف من الأجزاء ولكن مسلسل كامل العدد الجزء الثالث مفاجأة    أبرز المشاهير الذين قاموا بأخطر استعراضات على المسرح (تقرير)    رئيس إنبي: لجنة المسابقات ستشهد نقلة نوعية بعد رحيل عامر حسين    ارتفاع جديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 22 أكتوبر 2024 (تحديث الآن)    أسعار الذهب اليوم الثلاثاء تواصل الصعود التاريخي.. وعيار 21 يسجل أرقامًا غير مسبوقة    أبو هميلة: توجيهات الرئيس للحكومة بمراجعة شروط صندوق النقد الدولي لتخفيف الأعباء    الصفحة الرسمية للحوار الوطنى ترصد نقاط القوة والضعف للدعم النقدى    مديرة مدرسة الندى بكرداسة تكشف تفاصيل زيارة رئيس الوزراء للمدرسة    أبرز موافقات اجتماع مجلس مركز تنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأقصر    القصة الكاملة لتدمير القوات المصرية للمدمرة الإسرائيلية إيلات في 21 أكتوبر 1967    ابتعدوا عن 3.. تحذير مهم من محافظة الإسماعيلية بسبب حالة الطقس    "الذكاء الاصطناعي".. دير سيدة البشارة للأقباط الكاثوليك بالإسكندرية يختتم ندوته السنوية    الموافقة على تقنين أوضاع 293 كنيسة ومبنى تابعا    "جبران": عرض مسودة قانون العمل الجديد على الحكومة نهاية الأسبوع الجاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(اتركونا نعمل وارحموا مصر)
نشر في الشروق الجديد يوم 03 - 03 - 2012

للمعترضين على استمرار الثورة ورافضى التظاهر والإضرابات عبارات متكررة: «كفاية، اتركونا نعمل والاقتصاد يسير إلى الأمام. دعوا عجلة الإنتاج تدور. ارحموا مصر وأحبوها فمصلحة مصر فوق الجميع».

فليتذكر هؤلاء أن الشعب المصرى كان يعمل بالفعل فى عهد حسنى مبارك.

لو كانوا دققوا النظر فى شوارع مصر فى السنوات التى سبقت الثورة لأدركوا ذلك. لو كانوا نظروا إلى سيارات الميكروباص كل صباح، لكانوا رأوا الطلبة ذاهبين لمدارسهم مع انحدار الاحوال بها؛ ولرأوا الموظفين يجرون جريا للحاق بالأتوبيس العام؛ لو شاهدوا النساء المتكدسات داخل المواصلات ذاهبات لأعمالهن أو لقضاء مصالحهن، لتيقنوا من أن الشعب المصرى كان يكافح قبل الثورة مثلما يكافح بعدها.

كان الملايين يعملون، لكن مردود عملهم لم يكن يعود عليهم، بل كان يذهب لأركان النظام وأعوانهم فى ظل فساد الحكام ومحاباتهم لصفوة من رجال الأعمال. ثم قامت ثورة يناير التى اشتهرت بشعار «العدالة الاجتماعية» وخلعت مبارك، لكن بقيت توازنات القوة الاقتصادية، كما كانت وبقى الفساد، فاستمر المصريون فى نضالهم واستمرت القلة الفاسدة فى التمتع بمزايا لا يستحقونها.

●●●

فرغم حبس مجموعة رمزية من رجال الأعمال والوزراء السابقين على ذمة بعض القضايا، فإنها قضايا فرعية بالنظر لحجم الفساد الذى شاع فى عهد هؤلاء. تمر تطورات القضايا المبعثرة ببطء وبتفاصيل متفرقة تحول دون فهم المواطن لما يجرى فيها. بعد مرور عام على بدء التحقيقات، لم تصدر أحكام ضد المتهمين، باستثناء بضعة أحكام غير نهائية مثل الحكم على العادلى بالسجن 12 عاما (طعن محامى العادلى فيه بالنقض). المريب أنه لم يحاكم إلا عما يخص بيع قطعة أرض، إلى جانب محاكمته عن اللوحات المعدنية وأحداث الثورة، رغم أنه لا يعقل أن يكون وزير فاسد أمضى فى الحكم 15 عاما، فى منظومة فاسدة، واقتصر تربحه على قطعة أرض. نفس المهزلة تنطبق على محاكمة مبارك ونجليه، فجمال متهم بقبول فيللا نصف تشطيب، مثلما جاء فى مرافعة المحامى خالد أبوبكر.

والأمر بالنسبة لفساد النظام الذى لم يتم تطهيره يتعدى المحاكمات القضائية فيمتد للسياسات الجائرة المقننة التى تبناها النظام ولا تزال سارية.

●●●

فلا يزال العديد من الخبراء، مثل أحمد النجار بمركز الأهرام، يطالبون بوضع «نظام ضريبى تصاعدى وإخضاع المكاسب الرأسمالية» لضرائب. فضريبة رأس المال التى أعرب وزير المالية السابق سمير رضوان فى يوليو عن نية الحكومة فرضها، تم التراجع عنها بعد اعتراضات رجال الأعمال وأضاف رضوان: «لم نكن ننوى فرض ضريبة رأسمالية بالمعنى التقليدى. كل ما ناقشناه هو ضريبة بنسبة 10 % على توزيعات الأرباح» (وفقا لموقع قناة النيل للأخبار) وكأنه يعتذر عن مجرد التفكير فى تحميل المستثمرين المصريين ضريبة يتحملها المستثمرون حول العالم، مما يدل على أن الحكام الحاليون لا يجرؤون على إغضاب رجال الأعمال لصالح العدالة الاجتماعية، مثلما كان الحال من ذى قبل.

تحدث رضوان عن حد أدنى للأجور 700 جنيه، رغم أنه قبل الثورة، عام 2010 ألزمت محكمة القضاء الإدارى حكومة نظيف بحد أدنى 1200 جنيه.

وتتضارب التصريحات الرسمية عن الحد الأقصى الذى يقول الخبراء إنه سيأتى لمصر بعشرات المليارات إن طبق، فما نشرته الأهرام عن وزير المالية الحالى عن «أن الحد الأقصى للأجور قد دخل حيز التنفيذ بدءا من شهر يناير الماضى‏»، ينص أيضا على أن «الحد الأقصى.. سوف يسرى على العاملين بالبنوك العامة مع مراعاة اختلاف الحد الأدنى لديها عن الحد الأدنى المطبق فى الأجهزة الحكومية». وهى عبارة مقلقة لأن الحد الأدنى بالبنوك العامة يبلغ 3 آلاف جنيه مما يجعل الحد الأقصى (يفرض أنه 35 ضعفا) يتجاوز ال100 ألف، حسبما كتبت رئيسة قسم الاقتصاد ب«الأهرام المسائى» لبيبة شاهين فى مقالها ب«الشروق».

مما يدل أيضا أن السياسات الاقتصادية بقيت على ما كانت عليه، أن رؤساء البنوك بقوا فى مناصبهم التى شغلوها فى عهد مبارك، رغم أنهم مسئولون عن القروض التى كان يحصل عليها الفاسدون من رجال الأعمال، وهم متهمون، حسب تقرير نشرته الأهرام فى مايو، بالمساهمة «فى تهريب أموال عدد من رجال الأعمال ووزراء سابقين خلال ثورة 25 يناير بتعليمات من جمال مبارك (الذى كان) قد قام بتعيين غالبية رؤساء مجالس إدارات البنوك الحاليين، كما شارك فى تعيين محافظ البنك المركزى (فاروق العقدة) مقابل تعيينه عضوا بمجلس إدارة البنك المركزى المصرى».


●●●

إن كنا نتحدث عن فساد شاع وأدى إلى اندلاع ثورة، فمن غير المنطقى أن يحتفظ رؤساء البنوك بمناصبهم حتى الآن لأنه يستحيل أن يمر الفساد بعيدا عن أعينهم، فمن غير البنوك بالأساس مسئول عن الحسابات السرية، والتحويلات المالية للخارج؟

وتصريحات بعض البنوك تفتقر إلى المصداقية، فرغم تأكيد البنك العربى الإفريقى الدولى أن مجلس إدارته لم يتضمن جمال مبارك فإن وثيقة رسمية منشورة على موقع البنك (بعنوان «المبادئ التوجيهية لحوكمة الشركات) تتضمن اسم جمال كعضو بمجلس الإدارة «ممثلا للبنك المركزى المصرى»، والذى يمتلك حوالى 50% من العربى الأفريقى.

والمركزى لم يوفى بالتزاماته أمام الشعب بخصوص تقديم معلومات كاملة حول الحسابات السرية لأركان النظام أو تهريب الأموال المنهوبة. وهو مثلا متهم بعدم الشفافية بشأن حساب ال9 مليارات الشهير. ففى يناير 2012 تفجرت فضيحة إعلامية عن حساب بالمركزى تحت تصرف مبارك قيمته 9 مليارات دولار تم الحصول عليهم من معونات لمصر. تتضارب تصريحات العقدة عن القيمة المودعة بالحساب وتواريخ التصرف فيه والمسئولين عن ذلك، ومجرد سكوته عن ذلك الحساب، وأمور أخرى، لمدة عام بعد الثورة، إلى أن اضطرته الفضائح الإعلامية للحديث، يثير الشكوك. لكن الحاكم العسكرى أصدر قرارا غير مفهوم بالتجديد للعقدة 4 سنوات. (كان تعيينه فى 2003، بعد صعود جمال فى الحزب الوطنى عام 2002 عندما عينه مبارك على رأس لجنة السياسات).

تلك الأمثلة وغيرها تثبت أن الفساد والسياسات الاقتصادية الجائرة، وليس المظاهرات والإضرابات التى يلجأ إليها المظلومون، يشكلان مشكلة الاقتصاد الحقيقية.

يجب ألا نبنى حكمنا على الأرقام التى يفزعنا بها من هم فى السلطة أرقام عن احتياطى النقد الأجنبى والدين والاستثمار الأجنبى والنمو. ولنتذكر أن تلك المؤشرات كانت إيجابية فى عهد مبارك الذى شهد مثلا معدلات نمو مرتفعة، مثل 7.2% عام 2008. كانت الاستثمارات الأجنبية متدفقة واحتياطى النقد الأجنبى مرتفعا والأرقام الصماء مبشرة، لكن بقى رقم واحد كئيب، وهو معدل الفقر الذى ظل ينخفض، رافعا معاناة الشريحة الأعرض من المصريين على أرض الواقع. الأمر أثار «دهشة» أحد مسئولى الأمم المتحدة، فقال فى أواخر 2007 إن واحدا من كل خمسة مصريين لا يقدر على تلبية احتياجاته الأساسية، رغم النمو السريع الذى شهده الاقتصاد، أى أن الأمر «ليس مجرد إحصائيات بل إنه هناك مشكلات هيكلية يجب على مصر أن تتغلب عليها».

●●●

ومع بقاء الفساد واستمرار نفس السياسات، لم تنتهِ معاناة ملايين المصريين. لذا سيستمر المعتصمون والمضربون فى إضراباتهم التى كانوا بدءوها فى 2006، غير مبالين بأرقام المجلس العسكرى والجنزورى؛ ولا بالشىء الغامض الذى يطلق عليه الحكام ورجال الأعمال «عجلة الإنتاج»، وهى إن كانت دائرة فى عهد مبارك، فلقد كان دورانها مبنيا على الظلم ونهب حقوق الشعب.

فلنكف عن إيلام عامل يعيش على فتات ويرى فى مصنعه من لا يزالون يأكلون الملايين فقط لأنهم قريبون من دوائر الحكم، أو موظف يأخذ المئات ويرى من يحصلون على الآلاف بدون وجه حق. الأولى بنا أن نلوم على من تركوا سوزان مبارك إلى يومنا هذا تعيش حياة المرفهين رغم ما يحيط بها من اتهامات، تركب السيارات الفارهة وتتنقل بين عواصم العالم بحرية؛ أو نلوم على من ترك مبارك قابعا فى مستشفى فاخر من ميزانية الدولة، فى حين يذوق العوام الذل ليستفيدوا من التأمين الصحى الهزيل، ولنلوم على من صار لهم أكثر من عام يعطوننا معلومات ناقصة ومتضاربة عن ملف استرداد الأموال المنهوبة.

فلننتبه أولا لسكوت المجلس العسكرى عن كل ذلك الفساد حتى الآن ولنكف عن تقديس الأرقام الزائفة، وعن مطالبة الثوار ب«حب مصر»، فحبها لا يمكن أن يقوم على السكوت على الظلم والفساد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.