الجيش الإسرائيلي: رصد نحو 85 صاروخا قادما من لبنان خلال الدقائق الماضية    سكاي: ليفربول يراقب وضع مرموش عن كثب    مدرب بيراميدز: لا أعرف أي شيء عن ساجرادا ودجوليبا.. وسننافس على دوري الأبطال    أمين البحوث الإسلامية: الفتوى يجب أن تراعي مصالح الناس    من فاز بجائزة نوبل للفيزياء 2024؟.. إنجازات في التعلم الآلي    رئيس جامعة الأزهر: الفتوى شفاء من الحيرة ويجب البعد عن التشدد والتساهل    «الوقائع» تنشر قرار الرقابة المالية بشأن إثبات هوية عملاء شركات التأمين    «مياه الإسكندرية» تحصد المستوى الأول في تقييم السلامة والمأمونية.. «أمان 100%»    بالفيديو.. الرئيس السيسي: السلام خيار استراتيجي للدولة المصرية وليست لدينا أجندة خفية    كيم جونغ أون: كوريا الشمالية ستسرع خطواتها لتصبح قوة عسكرية عظمى    رئيس جامعة القاهرة يبحث مع محافظ الجيزة تعزيز أوجه التعاون لخدمة المجتمع    جامعة قناة السويس تنظم ندوات في المدارس عن انتصارات أكتوبر    محامي الطفلة جانيت يكشف الخطوات القانونية بعد حكم الإعدام    ⁠الشتاء يطرق الأبواب.. تعرف على حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة    وزير البترول يشارك في فعاليات مؤتمر هامبورج للاستدامة    سعر كيلو اللحمة.. أسعار اللحوم اليوم الثلاثاء 8 أكتوبر 2024 في محلات الجزارة    بعد عام على أحداث غزة .. كندة علوش تجدد دعمها للقضية الفلسطينية    السيسي: ما تعيشه المنطقة الآن يشبه ما كانت عليه خلال حرب أكتوبر    مستشار وزير الإسكان تشارك بورشة التحضيرات للمنتدى الحضري العالمي في الأردن    أمين البحوث الإسلامية: الفتوى تساعد على بناء إنسان قادر على التناغم مع الحياة    «الصحة»: تنفيذ سلسلة من البرامج التدريبية المتخصصة لتعزيز سلامة المرضى    وفد «التعليم العالي» يشارك في مبادرة بوابات التعلم الرقمي العام بإندونيسيا (تفاصيل)    إصابة 5 أشخاص فى حادثى سير بمحافظة البحيرة    تأجيل محاكمة المتهم بقتل سائحة سويسرية بالفيوم لاستكمال طلبات الدفاع    السيسي: الشعب الفلسطيني من حقه العيش في دولة مستقلة جنبا إلى جنب مع إسرائيل    بوريل: الوضع فى لبنان يزداد سوءا يوما بعد يوم    وزير المالية يكشف موعد تطبيق حزمة التسهيلات الضريبية الجديدة    رسمياً.. طرح وحدات سكنية 2024 للتسليم الفورى (الموعد ورابط الحجز والأسعار)    بيومي فؤاد يحتل المركز الأخير في شباك تذاكر أفلام السينما الإثنين.. تفاصيل    مواليد 5 أبراج معرفون بالتقلبات المزاجية.. هل أنت منهم؟    «هما إثنين متجوزين بيتخانقوا على القايمة».. شوبير يكشف عن مهزلة في لجنة الحكام    35 ركلة ترجيحية بين سموحة والزمالك.. وفرج عامر: «هنسجلها في موسوعة جينيس»    الدعاء في يوم الجمعة: فضله وأهميته في حياة المسلم    رئيس جامعة سوهاج: نعمل على تحقيق أهداف المبادرة الرئاسية «بداية»    جامعة القناة تطلق قافلة شاملة إلى جنوب سيناء ضمن مبادرة حياة كريمة    انطلاق فعاليات الدورات التدريبية لمقدمى المشورة الأسرية بصحة الدقهلية    علماء روس يطورون ذراعًا اصطناعية لاستعادة حركة اليد بعد الإصابة بالسكتات الدماغية    4 علاجات منزلية للكحة المستمرة.. من بينها العسل والزنجبيل    رئيس الكنيسة الأسقفية يشارك في ندوة "الفتوى وبناء الإنسان" بدار الإفتاء    رئيس الوزراء الفلسطيني يعلن عن تشكيل الفريق الوطني لإعادة إعمار غزة    مستاء من المتاجرة بمرضه.. محامي مؤمن زكريا يكشف آخر التطورات "واقعة السحر" | فيديو    مدرب وادي دجلة يكشف أسرار تألق عمر مرموش مع آينتراخت فرانكفورت    «حقيقة عدم إجراء قرعة للدوري الجديد».. ثروت سويلم يُجيب    قائد الجيش الثاني الميداني: جاهزون لأي مهام نكلف بها وندرك حجم التحديات    بعد تشغيله.. صور تُظهر مرحلة ترميم خط السكة الحديد الفردان- بئر العبد بسيناء    7 معلومات عن ابنة إيمان العاصي بعد ظهورهما في «صاحبة السعادة».. لاعبة كرة    الأمم المتحدة: أوامر الإخلاء الإسرائيلية لا تحمى سكان غزة لعدم وجود أماكن آمنة    مسئول أمريكي: الصين لا تسعى للتأثير على الانتخابات الرئاسية في بلادنا    "وضعتها بمكان سرى".. اعترافات المتهمة بتهريب عملات أجنبية بمطار القاهرة    وزير الخارجية يبحث مع نظيره المكسيكي تطورات مقتل 3 مصريين في حادث إطلاق نار    فريد زهران: دعم التحالف التقدمي العالمي للقضية الفلسطينية وإسقاط عضوية إسرائيل انتصار للضمير الانساني    على طريقة غراب هابيل قابيل، تفاصيل قتل فلاح لشقيقه الأكبر بطوبة ودفنه في فسحة منزله بأسيوط    ريحة من الشيخ زايد إلى الحدائق، أسباب انتشار الدخان الخانق في 6 أكتوبر    تغطية إخبارية لليوم السابع حول حقيقة انفجارات أصفهان وسيناريوهات الرد الإسرائيلى    محمد أبو الوفا رئيسا لبعثة منتخب مصر في موريتانيا    لماذا كان يصوم الرسول يوم الاثنين والخميس؟.. «الإفتاء» تجيب    بلاغة القرآن| تعرف على تفسير سورة الناس    منير مكرم يكشف آخر التطورات الصحية لنشوى مصطفى: عملت دعامات وخرجت من المستشفى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصارعة مستمرة
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 04 - 2012

أمام أحد المحال بالنادى الرياضى القديم، جلس عدد من الشباب يتحدثون وهم يلوحون بأيديهم، بينما تبدو على وجوههم حماسة كبيرة لا يخطئها عابر، التقطت أذناى بضع كلمات متقطعة، فهمت من خلالها أن مناقشتهم تدور حول حلقة من حلقات المصارعة الحرة، ثم انتبهت إلى شاشة التليفزيون الماثلة أمامهم، والتى كانت تعرض جولة لمجموعة من المصارعين داخل قفص حديدى.

خلال الأسبوع ذاته، وصلت إلى يدى جريدة لا أبتاعها بانتظام، وفى منتصفها تماما ملحق من أربع صفحات، مخصص بكامله لأخبار المصارعة الحرة وأبطالها المرموقين، شيئا فشىء اكتشفت أن شبابا كثيرين أعرفهم، يتابعون فاعليات المصارعة فى شغف، وأن أطفالا لم يتجاوزوا العاشرة يحفظون مواعيد برامجها ويتسمرون أمامها منبهرين، استرجعت شعبية اللعبة التى علقت بذهنى منذ سنوات طويلة، ثم اختفائها المباغت من دائرة الاهتمامات، وأخيرا عودتها فى هذا الوقت وبتلك الصورة التى لفتت انتباهى والتى أعترف بأنها قد فاجأتنى حقا.

حكى لى أصدقاء عن أطفالهم الذين يبكون لشراء أحزمة البطولات العريضة ذات اللونين الذهبى والفضى، يصطحبونها معهم أينما ذهبوا، ويرتدونها فوق ملابسهم متباهين، رأيت بعضهم يُصِرُّ على التجرد من ملابسه والجلوس بصدر عار وشورت قصير يلتف حوله الحزام، ليحظى بمظهر مشابه لعتاة المصارعين. أدرك أغلب هؤلاء الأطفال سريعا، خديعة الرجل الوطواط وسوبرمان الخيالية فما عادت تستهويهم، أهملوها واتجهوا بكل ثقة نحو الأبطال الأكثر واقعية و«الأجدر» بالمحاكاة والتقليد.

●●●

يؤكد بعض المتمرسين فى المشاهدة، أن المصارعة الحرة لا تعدو كونها مسرحيات سالفة الإعداد، كُتِبَت نصوصها واتُّفِقَ عليها قبل أن يصعد الممثلون إلى الحلبة، ويشرعوا فى أداء أدوارهم، لكن حقيقة الموت داخل المربع المحاط بالحبال تثير الشكوك. منذ فترة قصيرة توفى المصارع هارت أوين، ومثله إيدى جريرو، وقد أعلن مصارع آخر يُدعَى إيدج؛ اعتزاله اللعبة بعد ثلاثة عشر عاما متواصلة من القتال، بسبب إصابة خطيرة فى العمود الفقرى، أثرت على حركة ذراعيه وأفقدته القدرة على التحكم فيهما. ظهر إيدج أمام الجماهير للمرة الأخيرة ليؤكد أن المصارعة ليست تمثيلا، وأن المصارعين يتعرضون بالفعل لإصابات كثيرة قد تقعدهم تماما.

تُصَنَّفُ المصارعةُ الحرةُ كواحدة من الألعاب الرياضية، لكنها ولا شك تفتقر إلى الكثير من أخلاقيات الرياضة المألوفة التى درجنا عليها، فلا قيمة فيها للنبل أو التسامى أو الشرف، يضرب المصارعون بعضهم البعض من وراء الظهور، وأغلبهم يستخدم حِيَلا لا يُسمَح باستخدامها رغم أنوف الحكام، وحين يصاب أحد المتنافسين لا يتحرج الآخر من أن يقوم بالإجهاز عليه، بدلا من معاونته على النهوض، أو حتى الابتعاد عنه إلى أن يصبح قادرا على استئناف العراك، كما يحدث فى ألعاب قتالية أخرى، مات البعض على حلبة المصارعة وسوف يموت آخرون.

يُقَال إن استمراء مشاهدة العنف يدل على بعض سمات الشخصية، وأن محبى المناظر الدموية العنيفة والمهووسين بها، تكون لديهم جوانب ضعف خافية لكنها مؤثرة، وأنه كلما شعر المرء بالقوة وبالثقة فى نفسه، قَلَّ ميله لمتابعة تلك المشاهد وتراجعت حاجته إليها. يقال أيضا إن ثمة حالة من التوحد الوقتى تحدث بين الطرفين: (المُشاهد والبطل)، سواء من خلال الرياضات التنافسية العنيفة أو من خلال الأفلام والمسلسلات، وأن انتصار البطل قد يمثل تعويضا مناسبا للمُشاهِد، خاصة إذا كان لدى الأخير شعور مزمن بالعجز أو الفشل والضعف. يمكننا أن نلجأ إلى تحليلات كثيرة ومتنوعة، تفسر الانجذاب المتزايد إلى المصارعة، أقربها وأبسطها يتمثل فى انعكاس الواقع الذى يعيشه المرء على ميوله ورغباته، بحيث تتلون عناصر الحياة جميعها بصبغة واحدة: واقع عنيف، ميول عنيفة، ووسائل ترفيه دموية.

على كل حال، يظهر أبطال المصارعة أمام المتفرجين، وهم يحققون مجدهم باستخدام العنف المفرط غير المشروع، يطبقون طقوسهم وقوانينهم الخاصة، دون أن يتقيدوا بأية ضوابط أو قواعد حتى تلك المُتَّفق عليها سلفا، ومع كل الفجاجة والوحشية، يلاقى انتصارهم كثيرا من الارتياح والقبول، وكلما تخطوا المتوقع وكسروا حدودا لم يكسرها أحد من قبل، واقتربوا من لحظة القضاء على الخصم، كلما تماهى معهم المفترجون وتوحدوا، وزادوا من صيحاتهم المستدعية للمزيد، دقائق قد يستدعى فيها كل طرف إحباطاته وآلامه، وتوقه إلى وضع نهاية مناسبة، دقائق من التعطش لتحقيق انتصار كاسح وإنزال هزيمة مروعة، دقائق يصبح فيها كل شىء متاحا، حتى إنهاء حياة الخصم، لا خروج على النص.. ربما لأنه لا وجود لنص هناك.

●●●

يختار المصارعون ألقابا وملابس مميزة، وأقنعة يخفون بها وجوههم، وكذلك أدوات رمزية مخيفة يحملونها إلى الحلبة. تُعَوِّلُ اللعبة دائما على ابتداع أشكال جديدة من العنف للاحتفاظ بمريديها؛ وفى حين كان اسما المصارعين «هالك هوجان»، و«تيتو سانتانا» كافيين لإثارة حماس المتفرجين منذ سنوات مضت، فإن من يستجلب شهوة المشاهدة فى الفترة الحالية هو المصارع الأشهر والأضخم حجما، المعروف بلقب «أندرتيكر»، أو ما يمكننا أن نترجمه إلى: «الحانوتى» أو «متعهد دفن الموتى».

سواء كانت المصارعة الحرة حقيقة جنونية متوحشة، أو لقطات مسرحية شديدة الإتقان، فإن كم وشكل العنف الذى تقدمه يصل إلى الناس باعتباره واقعيا تماما، وهم بدورهم يستقبلونه بشكل عاد، ربما مثلما يستقبلون جولات المصارعة التى تجرى وقائعها منذ أشهر، على مستويات سياسية واجتماعية متعددة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.