مأوى الثورة والثوار.. هو مسجد عمر مكرم.. الكامن فى ميدان التحرير قلب ثورة يناير.. المسجد الذى احتضن الثورة منذ اندلاعها فى الخامس والعشرين من يناير.. لتشهد جدرانه أنين الجرحى فى معاركهم مع قوات أمن مبارك، وتهليلهم بتنحيه، وهتافهم بسقوط حكم العسكر، ثم تهليلهم بانتخاب أول رئيس مدنى بعد الثورة. لم يكن عمر مكرم على قائمة المساجد التى انطلقت منها مسيرات المتظاهرين فى الثورة ولكنه كان المستقبل لها بعد وصولها لميدان التحرير.. فى هذا المسجد العتيق بدت كل ملامح الثورة.. بين جدرانه كانت أحلام المتظاهرين بإسقاط مبارك.. على سجاده الأحمر قضى الثوار ليلهم فى استراحة من عناء يوم طويل من التظاهر فى أرجاء الميدان.. وفى دار المناسبات الملحقة به كانت المستشفيات الميدانية عوناً للمعتصمين.. ومقراً لإطعامهم من التبرعات التى انهالت على المسجد منذ اليوم الأول لبدء الاعتصام فى ميدان التحرير بعد جمعة الغضب فى يناير 2011.
ينسب المسجد إلى الزعيم الشعبى المصرى عمر مكرم، الذى قاوم الفرنسيين فى ثورة القاهرة الثانية عام 1800، وشارك كبار رجال الدين فى خلع خورشيد باشا وتولية محمد على، واكتسب المسجد أهميته قبل الثورة بإقامة سرادقات العزاء لرجال الدولة فى مختلف المجالات.
«يا جماعة مبدأياً أى تبرعات سواء كانت أدوية أو أكل أو عصاير هانجمعها فى عمر مكرم علشان هو المكان الوحيد الآمن من البلطجية وهجمات الأمن»، دعوات أطلقها المعتصمون للمتبرعين من الميدان لتتشكل على الفور العديد من اللجان لتأمين المسجد وتنظيم الدخول والخروج إليه وتسيير الأمور داخله.
فندق الثوار.. وظيفة أخرى لمسجد عمر مكرم، الذى لجأ إلية آلاف المتظاهرين الذين قسموا ساعات النوم فى ليل شهر يناير البارد لتأخذ كل مجموعة قسطاً من الراحة لساعات محدودة لتعطى الفرصة لغيرهم، بعد أن أخلت ساحات دار المناسبات للسيدات اللاتى لم يكن لهن مأوى طوال ليل الاعتصام إلا داخل المسجد.
موعد صلاة الفجر.. كان المسجد هو قبلة أغلب المتظاهرين فى الميدان ليصطفوا لساعات من الساعة ال12 فى منتصف الليل حتى موعد الصلاة فى الرابعة فجرا ًفى طوابير طويلة تخترف منتصف الميدان حتى باب «الميضة» الكائنة بجوار المسجد، لينطلق منها الثوار لإقامة الصلاة فى الميدان لأنه لم يعد بالمسجد مكاناً للصلاة بين أجساد الثوار النائمة فى ساحاته.
المستشفى الميدانى بعمر مكرم كانت المركز الأساسى للمستشفيات الميدانية التى انتشرت فى ميدان التحرير بعد موقعة الجمل التى خلفت وراءها المئات من المصابين بين صفوف الثوار، وكان رئيسها هو رئيس المستشفيات الكائنة فى الميدان وكانت بمثابة المستشفى الأم التى تحتضن وتتلقى مطالب المستشفيات الأخرى فى الميدان، وامدادهم بالأدوية والأدوات الطبية.
«وللصحفيين والمراسلين الأجانب أيضاً ملاذ داخل مسجد عمر مكرم» فكان المسجد فى الأيام الأولى للثورة منذ 25 يناير التى استمرت فيها محاولات الأمن ملاحقة الصحفيين ومضايقتهم كان مسجد عمر مكرم بمثابة المخبأ لارسال التحقيقات والتقارير عن الأحداث الثورية فى محيط ميدان التحرير، ومقراً لشبكات ووصلات الانترنت.
«لن أغلق الباب فى وجه الثوار أو حتى أطفال الشوارع المتواجدين فى ميدان التحرير، فلا نملك إخراج أى شخص من المسجد، فرواده يزيد عددهم على ثلاثة آلاف فرد يومياً، وفى يوم الجمعة يصل عدد الرواد إلى أكثر من 10 آلاف شخص» هكذا كانت ردود مظهر شاهين، امام المسجد، الحاسمة أمام جميع الانتقادات التى وجهت له لفتح المسجد أمام الثوار دون رقابة.