فى الوقت الذى يستعد فيه أصحاب الحوالات الصفراء للجولة الثالثة من صرف المبالغ التى حولتها الحكومة العراقية لهم، نظير مستحقاتهم لديها منذ فترة حرب الخليج، تعانى عدة شركات مصرية من تجاهل لمديونياتها لدى العراق والبالغة 151 مليون دولار، توازى قيمة تصدير عدد من المنتجات السلعية والصناعية قبل ما يزيد على 20 عاما. فحسب المستندات التى حصلت عليها «الشروق» هناك اكثر من عشرين شركة مصرية تعمل فى مجالات الأغذية والأدوية، وبعضها شركات فى قطاع الاعمال العام، لم تستطع رغم وجود عدة اتفاقيات دولية، أن تحصل على اموالها من الجانب العراقى، الذى لا يمانع بحسب تصريحات الحكومة العراقية قبل عدة اشهر فى غلق مديونيتها لصالح الجانب المصرى. من جانبه قال محمد سليمان، عضو مجلس ادارة شركة «لورد للصناعات»، إحدى الشركات التى لها مستحقات مالية تقدر بنحو 4 مليون دولار، انه سبق ان دخلت الشركات الدائنة للعراق فى مفاوضات مختلفة لتسوية تلك المديونية التى يزيد عمرها على عشرين عاما، كان ابرزها ما قامت به وزارة التجارة والصناعة فى 2008/2009، التى توصلت إلى اتفاق مع العراق لتسوية تلك المبالغ لكنها تعطلت للأسباب مختلفة. واضاف سليمان، انه يجب على الحكومة المصرية التحرك فى ذلك الملف للاستفادة من رغبة الجانب العراقى فى سداد ما عليها من مديونيات، خاصة للجانب المصرى نظرا للعلاقة الطيبة بين البلدين، مؤكدا ان هناك شركات مصرية أعلنت افلاسها بسب عدم حصولها على تلك المبالغ.
ووفقا لسليمان كانت هناك عدة مبادرات مختلفة لتسوية تلك المديونيات بعيدة عن الحكومة، منها عرض قدمه أحد المكاتب الدولية العاملة فى شراء الديون، والتى لها مكتب فى مصر، حيث قدم المكتب الاجنبى عرضا لشراء قيمة تلك الديون ب10% من قيمتها، وبعض الشركات المصرية وافقت على العرض، بعد فشلها فى الحصول على اموالها لفترة طويلة دون تدخل حكومى مصرى يضمن تلك الحقوق.
وقد رفضت الشركات المصرية دخول مديونيتها ضمن «اتفاقية نادى باريس» التى شكلت لحصر الدين الحكومى العراق بعد الحرب، حيث رأت الشركات ان ذلك يدخلها فى نفق مظلم لن تخرج منه.
مصدر مسئول فى وزارة الصناعة والتجارة الخارجية، قال ل«الشروق»، إن الحكومة المصرية تجرى حاليا مفاوضات مع الجانب العراقى، على أن يتم حل مشكلة ديون الشركات المصرية، التى لها مستحقات فى العراق، عقب الانتهاء من صرف حوالات العاملين فى العراق أولا، و«لكننا لا نستطيع أن نحدد موعدا قاطعا بعد».
ورفض المصدر الإفصاح بأى تفاصيل خاصة بالاقتراحات المختلفة المقدمة بشأن هذه التسوية «هل سمع أحد عن المفاوضات الخاصة بشأن حقوق العاملين فى العراق؟ هذا لم يحدث وهذا ما أسرع فى حل المشكلة لكى يفاجأ الجميع بالتسوية. نحن نريد ان نحتفظ بالسرية من أجل إتمام الصفقة دون أى تدخلات داخلية أو خارجية تعرقلها»، بحسب قوله.
ويستطرد المصدر «لا نريد أن تتعرض الاتفاقية لضغوط من دول أخرى تريد أن تحظى بنفس الأفضليات على سبيل المثال».
كانت الحكومة العراقية قد اعلنت عن تمييزها للشركات المصرية من خلال تخصيص مناقصات حصرية لها، تقدر قيمتها ما بين 15 و20 مليار جنيه، لتعوضها عن ركود الاقتصاد ما بعد الثورة.
وتحاول العراق التى احتلت وفقا لتقرير الشفافية الدولى لعام 2010، المرتبة ال175 من بين 179 دولة فى الفساد الإدارى، حيث بلغت قيمة الفساد فى الدولة 4 مليارات دولار، وهو ما يمثل 10% من إجمالى الناتج المحلى الإجمالى بها، اتخاذ إجراءات جديدة للحد من الفساد وجذب الاستثمارات الخارجية. و«تسوية مديوناتها مع الحكومة المصرية قد يأتى ضمن هذا المخطط»، بحسب قول مصدر وزارة الصناعة.
ويوجد ثلاثة أنواع من الشركات المصرية، لها مستحقات لدى الحكومة العراقية، بحسب ما يوضح المصدر الحكومى، الأولى هى التى قامت بضمانها الأممالمتحدة، حيث قامت بإمداد العراق بالعديد من المنتجات أثناء الحرب فى إطار مبادرة النفط مقابل الغذاء، وقامت الأممالمتحدة بسداد هذه المبالغ لهذه الشركات فى عامى 20082009. أما الشريحة الثانية من الشركات هى التى اعترفت بها الحكومة العراقية، لما لديها من أوراق تثبت حصولها على هذه المنتجات، وهذه هى التى يجرى حاليا التفاوض ولن يوجد مشكلة فى حلها، بل «ندرس الوسائل الأمثل لسداد هذه المبالغ والتى تصب فى مصلحة الطرفين». أما المشكلة الحقيقية، يضيف المصدر، تكمن فى الشريحة الثالثة من الشركات، التى تعرضت منتجاتها للسرقة على الحدود، ولا يجد معها اوراق تضمن مستحقاتها، وهذه هى التى قد تواجه بعض الصعوبات فى استرداد مستحقاتها.
وعلى الرغم من عدم حصول اصحاب الحوالات الصفراء التى حولت العراق مستحقات لهم تصل إلى اكثر من 400 مليون دولار، بدون فوائد، فان أصحاب الشركات الدائنة يتساءلون عن فوائد أموالهم التى تعود بعضها لعام 1989، مؤكدين ان أحد البنوك الأجنبية والتى لها فرع فى مصر، عرضت هى أخرى عرضا لشراء تلك المديونيات قوبل بالرفض، لكونه ينخفض بشكل كبير عن القيمة الحقيقة لتلك المديونيات.
وقد تقدمت الشركات فى شهر يونيو الماضى، بطلب إلى رئيس الوزراء عصام شرف، حصلت «الشروق» على نسخة منه لتدخل فى استيفاء تلك المديونيات، وخاصة أن الحكومة العراقية اعترفت فى 2005 من خلال مكتب المحاسبة الدولى الذى كان يتفاوض عنها، بأصل الدين. وقد تم عقد اجتماع فى 24/3/2009 بوزارة الخارجية المصرية، برئاسة السفير عبدالرحمن صلاح، مساعد وزير الخارجية للشئون العربية، بحضور ممثلى وزارة المالية والصناعة والتجارة وبعض الجهات الحكومية لإيجاد آلية لسداد مستحقات الديون المصرية، ومنها مستحقات المصدرين إلى العراق.