فى مصنعها على مشارف العاصمة التونسية تتأهب شركة يوروكاست الأمريكية للتوسع حيث يعتزم مصنع أجزاء محركات الطائرات استثمار مليونى دولار فى مجمعه الانتاجى أواخر عام 2012 بما سيسمح له بمعالجة مجموعة جديدة من السبائك الفائقة. وقال توماس وندت المدير العام للمصنع فى تصريحات لرويترز «من وجهة نظرنا فإن العمل على ما يرام. ننمو بنسبة 30 بالمائة سنويا.
«لم نغلق الا يوما واحدا وكان ذلك فى 14 يناير يوم الاضراب العام. هل أصبحنا نعمل بطاقتنا الكاملة بعدها.. لا لكن استطعنا أن ننتج وأن نتخطى هدفنا للمنطقة».
وقطعت تونس مسارا وعرا عندما أطاحت انتفاضتها فى يناير كانون الثانى 2011 بالرئيس السابق زين العابدين بن على وأوقدت شرارة «الربيع العربى» فى أنحاء المنطقة. وفى خضم صعوبات بناء ديمقراطية جديدة انكمش الاقتصاد 1.8 بالمائة العام الماضى. وأفضت اضرابات للعمال الذين أصبحوا أكثر جرأة إلى اغلاق مصانع مما أبطأ عملية التعافى الاقتصادى.
وعمد السياح الذين يسهم انفاقهم بنحو 6.5 بالمائة من الناتج المحلى الاجمالى البالغ نحو 44 مليار دولار إلى الغاء حجوزات تخوفا من العنف. وبحسب وكالة النهوض بالاستثمار الخارجى تراجع الاستثمار الاجنبى المباشر وتدفقات المحافظ نحو الثلث فى ظل عدم تيقن الشركات ان كانت الانتفاضة ستجلب الديمقراطية أم الفوضى.
وبعد أكثر من عام على الثورة وحوالى ستة أشهر على الانتخابات التونسية التى أعلن مراقبون أنها كانت حرة ونزيهة فإن المستثمرين والسياح يعودون لكن بخطى مترددة.
وتظهر بيانات وكالة النهوض بالاستثمار الخارجى أن الاستثمار الأجنبى المباشر الجديد ارتفع 35.2 بالمائة فى الشهرين الأول والثانى من العام الجارى قياسا إلى الفترة ذاتها من 2011 وبنسبة 5.9 بالمائة عنه قبل عامين.
واتجه معظم ذلك المال إلى الطاقة والصناعة بينما تأخر تعافى السياحة التى كانت تدر نحو مليارى دولار سنويا وكان عدد العاملين بها 400 ألف شخص قبل الثورة.
لكن وزير السياحة الياس فخفاخ قال الشهر الماضى انه يتوقع ارتفاع عدد الزائرين 20 بالمائة هذا العام. وسيظل هذا أقل بمقدار مليون عن حوالى سبعة ملايين زائر أمضوا عطلاتهم فى تونس عام 2010. لكنه قد يبدأ فى خفض البطالة التى كانت شكوى رئيسية للمحتجين الذين فجروا الانتفاضة، وقد ارتفعت نسبة البطالة حاليا من 13 إلى 18٪.
وتلاشت امال مبكرة للحكومة بأن ينتعش الاقتصاد بنمو قدره 4.5 بالمائة فى 2012 حيث تتوقع تونس الان نموا أكثر تواضعا عند 3.5 بالمائة. لكن رجال الاعمال المحليين يزدادون ثقة فى أن الديمقراطية ورفع قبضة بن على عن الاقتصاد حيث كانت المنافسة مقيدة والعقود والتراخيص المجزية مقصورة على أعضاء عائلته الممتدة سيؤتى ثماره فى نهاية المطاف.
وبناتج محلى اجمالى لا يبعد كثيرا عن نظيره لجمهورية الدومينيكان لا تعد تونس لاعبا عالميا. لكنها يمكن أن تكون مؤشرا على أداء اقتصادات الدول الكبيرة التى شهدت انتفاضات مماثلة ولاسيما مصر.
وقال حسين مويلحى المدير العام للبنك التونسى الكويتى «الكل يرى أن الاوضاع تتحسن يوما بعد يوم. الوضع الاجتماعى يتحسن مع تراجع عدد الاضرابات وعدد المصانع المغلقة.
«أنا متفائل بالنسبة لتونس. لدينا صورة سلمية. الانتخابات تمت بشكل جيد. بدأنا نشعر بعودة الاستقرار».
وبالنسبة لمستثمرين أجانب كثيرين تملك تونس مزايا عديدة. فهى قريبة من أوروبا وتقدم اعفاءات ضريبية للشركات الاجنبية ولديها وفرة من العمالة الرخيصة وثروة كبيرة من الشبان ذوى التعليم العالى والذين يجيدون أكثر من لغة لشغل الوظائف التى تتطلب كفاءات.
وتوظف يوروكاست التى جاءت إلى تونس فى 2001 عددا متواضعا لا يتجاوز 140 شخصا لكن كثيرين منهم مهندسون.
وقال وندت «كل موظفينا تونسيون وهكذا سيظل الامر. نقوم بالتسويق والأعمال الهندسية بأنفسنا. نقوم بكل شىء بأنفسنا... كشركة من فينكس أريزونا فإننا نؤمن بما يمكن تحقيقه هنا.
«نقلنا الكثير من التكنولوجيا إلى هنا.. نوظف خبراء تقنيين فى كل مستوى ونبحث عن مهندسين لأننا ننمو».
ولم تتعرض يوروكاست للاضطرابات العمالية التى أوقفت بعض المصانع فى 2011 لكن شركات عديدة عانت من ذلك.
فقد واجهت شركة صناعة كابلات السيارات الالمانية ليونى أكبر مشغل للعمالة بالقطاع الخاص فى تونس اضرابات عشوائية تفاقمت إلى اضطرابات عنيفة فى فبراير/ شباط وأجبرت على اغلاق أحد مصانعها فى ماطر لبضعة أيام. وجرت تسوية الوضع بفصل زعيم الاضراب الذى تقول ليونى انه لم يقدم مطالب واضحة للتفاوض مع الإدارة.
ورغم تلك التحديات عينت ليونى ألفى شخص منذ الثورة لترفع قوة العمل لديها إلى 14 ألفا.
وقال سفن شميت المتحدث باسم الشركة «عندما بدأت الثورة فوجئنا أول الأمر مثل الجميع. قلنا يجب أن نراقب بحذر.. لكن اكتشفنا سريعا أن الأوضاع على ما يرام وأننا سنبقى.
«ما رأيناه ليس مشهدا جميلا لكنه أمر عادى بالنسبة لبلد فى هذا الوضع... لكن للمدى البعيد نعتقد أن الوضع سيكون على ما يرام بالنسبة للشركات الاجنبية. الناس تحتاج إلى وظائف».
وتستمر الاضرابات فى مناطق بوسط البلاد حيث البطالة مرتفعة فى حين يشعر الشبان أنهم لم يقطفوا بعد ثمار الثورة التى أطلقوها. لكنها انحسرت بعض الشىء عن النصف الاول من 2011.
وجنبت الحكومة جزءا من ميزانيتها للتنمية الإقليمية وعززت اعانات البطالة والمساعدات المقدمة إلى الاسر الفقيرة. وتتعهد الحكومة بالاستثمار فى المناطق الفقيرة وتوفير 25 ألف فرصة عمل بالقطاع العام. لكن سياساتها ستستغرق وقتا قبل أن تثمر فى حين يقول بعض العمال انهم ملوا من الانتظار.
ويعانى منتج الفوسفات التونسى الرئيسى فى منطقة قفصة بسبب اضراب ينال من الصادرات ويحرم الاقتصاد من مصدر رئيسى للدخل فى وقت يشهد ارتفاع أسعار الفوسفات العالمية.
ويسلط ذلك الضوء على استمرار مخاطر تفجر الاضرابات وقد غادر ما لا يقل عن 182 مستثمرا أجنبيا تونس منذ الانتفاضة، فى حين أن الرقم المعتاد هو 120 سنويا.
لذا يضغط بعض الاقتصاديين ورجال الأعمال التونسيون على الحكومة للذهاب إلى ما هو أبعد من السياسات السابقة الهادفة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية الكبيرة وبذل المزيد لتشجيع تأسيس شركات محلية صغيرة.