أوشك العام الأول على قيام ثورة 25 يناير أن يمضى، تاركا وراءه محاولات جادة فى الإصلاح والتغيير، ومناهضة العنف والتعذيب. وعلى الرغم من أن حادث مقتل الشاب السكندرى خالد سعيد، الذى أطلق عليه «شهيد الطوارئ»، كان الشرارة الأولى لقيام الثورة، إلا أن جديدا لم يطرأ على المجتمع المصرى الذى بات ولا يزال يحارب من أجل إعلاء كلمة العدل والحق والكرامة، ونبذ العنف والتعذيب وانتهاك حقوق الإنسان. فبعد أقل من أسبوعين من صدور الحكم «المفاجأة» فى قضية خالد سعيد، الذى قضى بسجن المتهمين سبع سنوات فقط، استيقظ المصريون على خبر ضحية جديدة فى السجون المصرية، هو عصام عطا، تدور شكوك حول تعذيبه بعد أن اتهم أهله ضباط سجن طرة بتعذيبه حتى الموت، القصة هى تكرار سيناريو مشابه لحادث مقتل خالد سعيد، بكل تفاصيله من «لفافة ونسبة مخدر فى الدم، وتقارير طب شرعى مطعون فى صحتها»، ليبدو للجميع أن الحال بقى على ما هو عليه، ويحتاج للمزيد من الجهاد والنضال من أجل القضاء على كل ظواهر التعذيب واعتماد آليات موثوق فيها للتحقيق فى أى اتهامات فى هذا الشأن.
«ماذا يعنى ضابط داخلية؟.. هل يعنى ضابط لابس كويس ومعاه سلاح وراكب عربية غالية، أم يعنى ضابط مسئول عن أمن المواطن دون المساس بحقوق الإنسان؟»، سؤال طرحه وأجاب عنه المحامى والناشط الحقوقى مالك عدلى، فى حديثه عن ممارسات وزارة الداخلية قبل وبعد الثورة، متابعا إنه «إذا كانت الطريقة الوحيدة لحماية الأمن هى المساس بحقوق الإنسان أيا كان هذا الإنسان وأيا كان ما فعله، فهؤلاء ليسوا ضباط شرطة».
«التعذيب فى مصر ممنهج وفى السياسات العامة للدولة، لأن ضباط الشرطة فى الأساس غير مؤهلين للعمل الشرطى، فليس لديهم إمكانيات الشرطى، ولا يحرسون حقوق المواطن، وللأسف ليست هناك عقوبات رادعة فى حالة حدوث تجاوز من قبل ضابط الشرطة»، هكذا لخص عدلى ممارسات وسياسة وزارة الداخلية المصرية قبل وبعد الثورة، حيث إنه لا يرى أى تغيير طرأ على أساليب وزارة الداخلية بعد الثورة.
أما الناشطة السياسية وعضو مركز النديم، عايدة سيف الدولة، فترى أن التعذيب كان منتشرا قبل الثورة وبعدها، ولكن الجديد هو انضمام الشرطة العسكرية إلى وزارة الداخلية فى ممارسة التعذيب، مشيرة إلى قلق وخوف الرأى العام من الاعتراف بأنه لا فرق بين الاثنين. لكن هذا الخوف والشك والتردد يحسمه العسكر والشرطة بأنفسهما.
«الداخلية تعيد إنتاج نفسها بعد الثورة»، والدليل على ذلك أن هناك ضابطا جرؤ على تكرار مأساة خالد سعيد مرة أخرى، بنفس سيناريو اللفافة والمخدرات، بحسب عدلى، الذى أضاف أن وزارة الداخلية مازالت تستخدم نفس الأساليب البشعة فى التعامل مع المواطنين.
وعن التعذيب فى السجون والأقسام والمعتقلات، قال عدلى «التعذيب فى السجون أبشع بمراحل»، ولكنه غير ظاهر لعدم الكشف عن قضايا التعذيب فى السجون، والدليل على ذلك من وجهة نظر عدلى، إن عقوبة الجلد كانت موجودة فى السجون المصرية حتى عام 2004، وهذا يعنى أن التعذيب فى مصر كان يأخذ الشكل القانونى الممنهج.
من جهتها ترى سيف الدولة أنه طول الوقت كان هناك تعذيب داخل السجون، «تشهد عليه شهادات المعتقلين الذين أفرج عنهم بعد الثورة وشهادات من اعتقلوا بعد الثورة ثم خرجوا»، مضيفة، «التعذيب فى السجون ليس جديدا.. الجديد أنه أضيف إليه السجن الحربى للمدنيين».
ونظرا لأن التعذيب وسيلة من وسائل عمل ضابط الشرطة فى مصر، من وجهة نظر عدلى، فإن هذا يجعله يتساءل «ما هى طبيعة الدراسة التى يتلقونها فى أقسام الشرطة، وما هى طبيعة التدريب العملى الذى يمارسونه بعد التخرج، وهل هناك برامج تأهيل نفسى لضباط الشرطة، وأين برامج رفع الكفاءة والقدرات التى يصرف عليها الملايين سنويا؟».
كما ترى سيف الدولة أن «السبيل الوحيد لطب شرعى محايد ومهنى هو استقلاله عن الجهة التنفيذية وتطهيره من الرموز وبعضها معروف جدا حيث ثبت عليها أو تردد عنها تطويع مهنة الطب الشرعى للإرادة السياسية للنظام الحاكم»، متابعة، «بدون استقلال وبدون إمكانيات لا يمكننا التحدث عن مهنية الطب الشرعى ولا استقلاله».