فى الثانية عشرة ظهر أمس الأول السبت وبعد لحظات من انتهاء شهادة المشير حسين طنطاوى فى القضية المتهم فيها مبارك والعادلى وآخرون بقتل الثوار كانت هناك سيارتا تاكسى بيضاء اللون تسيران على كوبرى أكتوبر فى اتجاه العجوزة والدقى. فى داخل كل سيارة ثلاثة أشخاص، رجال وسيدات يحملن صورا وملصقات ضخمة لحسنى مبارك، وبعضهم أخرج رأسه من شباك السيارة ملوحا بالصور، وهو يهتف بحماس «ارفع رأسك فوق انت حسنى». مبدئيا ولخلاف الكثيرين فإننى مع حق هؤلاء فى التعبير عن آرائهم حتى ولو كنت أرفضها شكلا ومضمونا، لكن وبما أننا نتحدث ليل نهار عن حق الجميع فى التعبير، فعلينا أن نثبت ذلك على أرض الواقع.
لو كنت مكان أنصار مبارك أو ابنائه كما يحلو لبعضهم أن يصف نفسه، لقررت أن أتحلى بفضيلة التواضع قليلا، وألا «أفرد صدرى».
ان تسيروا فى الشوارع وتستخدمون «كلاكسات» سيارات الأجرة، فالمعنى انكم تشعرون أن جرعة أكسجين جديدة قد تم ضخها ليس فى عروقكم أنتم فقط، ولكن فى عروق الكبار الذين يدعمونكم ماديا أو معنويا. وتقديرى أن هذا التحدى الذى يقترب من «الفجور» قد يدفع كل أنصار الثورة إلى التفكير فى النزول مرة أخرى للشارع لأن الرسالة التى ستصلهم هى أن الثورة قد انتهت رسميا، وأن النظام القديم عاد فعلا حتى لو كان مبارك ما يزال فى القفص.
الرجل الذى تقولون إنه بطلكم متهم بقتل حوالى 800 شخص وإصابة أكثر من خمسة آلاف آخرين فى أقل من 18 يوما، ولا ينفع أن تقولوا إنه لم يعلم، وأن المجرم هو حبيب العادلى، لأن بطلكم هو الذى عين العادلى ومسئول عن أفعاله.
زعيمكم الذين ترفعون صوره، تقيم إسرائيل وبعض الانظمة المتخلفة سرادقات عزاء منذ سقوط نظامه وكانت تعتبره كنزها الاستراتيجى.
أبوكم الذين تقولون إنه حفظ الأمن هو الأب الروحى عن كل البلطجية الذين اكتشفنا فجأة أنهم كان يتم «تربيتهم وعلفهم وتسمينهم» فى «زرايب العادلى» انتظارا ليوم معلوم نعيشه الآن منذ شهور.
رئيسكم الذى تقولون إن مصر شهدت استقرارا اقتصاديا فى عهده تبين أنه كان عادلا فى توزيع الفقر على الجميع باستثناء نسبة قليلة لا تتجاوز واحد فى المائة من طبقة كبار الأثرياء.. ولو كنت مكان أصحاب المطالب الفئوية ما وجهت اللوم لعصام شرف والمجلس العسكرى، بل للنظام الساقط الذى دمر كل شىء من التعليم والمعلمين إلى عمال هيئة النقل العام.
الرجل الذى تحملون صوره جعلنا أضحوكة بين الأمم، صارت إيران أكثر تأثيرا منا فى فلسطين.. وقطر أشد تأثيرا فى السودان، والصين هى اللاعب الأهم مع إسرائيل فى دول منابع النيل والسعودية، هى الحاكم الفعلى لجامعة الدول العربية.
لو كنت مكانكم لفضلت الانتظار قليلا حتى تقول المحكمة كلمتها القانونية، وحتى يقول الشعب كلمته الأخلاقية فى حق حبيبكم.
ثم أين كنتم عندما نزل الملايين وخلعوا مبارك.. لم تتجاوز أكبر مظاهرة لكم خمسة آلاف شخص، انتم تقريبا ظاهرة صوتية تنفخ فيها أجهزة إعلام مدربة جيدا لايهام السذج أن هناك قوتين متساويتين عدديا وأخلاقيا، وتلك كذبة كبرى.
وأخيرا لو ثبت فعلا أن جمال مبارك أشار بأصبعه إلى أحد محاميى المدعين بالحق المدنى أثناء الاستماع لشهادة المشير. فذلك يؤكد لنا أى مستقبل كان ينتظرنا لو أن مخطط التوريث قد نجح.