لم يعد مقبولا أن يقتل ضباط وجنود مصريون على الحدود مع إسرائيل دون أن نعرف من المسئول عن قتلهم وملابسات قتلهم. لم يعد مقبولا أن تطلق القوات الإسرائيلية نيرانها فتسقط قتلى وجرحى دون أن تعتذر أو تطلق تحقيقات جدية بشأن الأحداث. عانينا من مثل هذه الممارسات طويلا خلال العقود الماضية، وهى فى الجوهر تشكل خرقا واضحا لبنود معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل. ويحق للسلطات المصرية حال استمرار الخروقات الإسرائيلية لمعاهدة السلام وغياب تحقيقات جدية أن تتصرف أيضا خارج بنود المعاهدة وتتخذ إجراءات تصعيدية تبدأ باستدعاء السفير المصرى لدى تل أبيب أو سحبه أو مطالبة السفير الإسرائيلى بمغادرة مصر أو إعادة النظر فى الاتفاقيات المنظمة للعلاقات الاقتصادية والتجارية مع إسرائيل، ومنها على سبيل المثال اتفاقية تصدير الغاز الطبيعى. ويمكننا أيضا المطالبة بتحقيق دولى فى قتل الضباط والجنود المصريين ورفض الاقتصار على التحقيقات الإسرائيلية نظرا لما عرف عنها فى الماضى من غياب الجدية. تحاول الحكومة الإسرائيلية أن تكيف الوضع على الحدود باعتباره مسرحا لعمليات إجرامية تمارسها مجموعات من المتسللين التابعين لحركة حماس فى غزة أو القريبين منها، وتنتقد السلطات المصرية بادعاء ضعف أعمال ضبط ومراقبة الحدود لديها. الهدف هنا هو تصوير ما يحدث على أنه امتداد لغزة ومن ثم التأكيد على حق إسرائيل فى تعقب حماس وعناصرها الإجرامية على الحدود. هذا الادعاء الإسرائيلى ينبنى على تزييف متعمد للحقيقة واتهام فى غير محله للسلطات المصرية. فمنذ ثورة 25 يناير، ومصر تحاول أن تضمن الأمن على حدودها مع إسرائيل وتسعى فى ذات الوقت للحد من معاناة الفلسطينيين فى غزة والبحث عن حلول سياسية للأوضاع هناك. فلا مصلحة لمصر فى حالة من عدم الاستقرار فى شبه جزيرة سيناء، ولم تكن عمليات التمشيط والمطاردة لعناصر ما عرف باسم جيش الإسلام وغيرهم إلا دليلا قاطعا على هذا. مصر أيضا لها مصلحة أمنية عليا فى السيطرة على الحدود بينها وبين قطاع غزة ومنع أعمال التسلل والتهريب. إلا أن استمرار الأوضاع المأساوية فى غزة وأعمال العنف الإسرائيلية المتكررة تحول دون إنجاح الجهود المصرية وتقلل كثيرا من فاعليتها. ما تقوم به إسرائيل الآن فى غزة هو هجمة إجرامية ذات أهداف سياسية لها علاقة بالداخل الإسرائيلى وبالعلاقة مع الفلسطينيين. فمن جهة، أرادت حكومة نتنياهو التخلص من الضغوط الداخلية والاحتجاجات المستمرة بحملتها على غزة وتصوير هذه الحملة على أنها دفاع عن الأمن القومى الإسرائيلى. ومن جهة أخرى، تريد إسرائيل ضرب اتفاقية المصالحة بين السلطة الفلسطينية وحماس والحيلولة دون إثمارها ومصالحة الطرفين. وليس ما حدث على الحدود ومصرع ضباط وجنود مصريين ببعيد عن التصعيد الإسرائيلى ضد غزة. ليس هذا وقت التصريحات الملتبسة أو الإجراءات الناقصة، بل هو وقت سياسة واضحة من قبل مصر الثورة إزاء الانتهاكات الإسرائيلية. استدعاء السفير المصرى من إسرائيل ضرورة، وكذلك المطالبة بتحقيقات عاجلة فيما حدث. التلويح بورقة اتفاقية تصدير الغاز الطبيعى هو أمر حيوى وسيعطى مصر أداة جديدة للضغط فى علاقتها مع إسرائيل غابت عنها فى الفترة الماضية. كذلك يتعين على الدبلوماسية المصرية تصعيد الضغط على إسرائيل على خلفية عملياتها فى قطاع غزة وأن تطالب المجتمع الدولى باتخاذ موقف واضح من الإجرام الإسرائيلى. لدينا الكثير من أوراق الضغط التى نستطيع توظيفها ولا يمكن أن نقبل إهدار دماء المصريين أو إخواننا الفلسطينيين دون محاسبة حقيقية لإسرائيل.