بمنظار المصلحة الوطنية، حسنا فعل بعض الائتلافات والأحزاب التى طالبت خلال الأسابيع الماضية بالدستور أولا بإسقاط مطلبها والدعوة للمشاركة فى مظاهرات الجمعة المقبلة من أجل حقوق أسر الشهداء ومصابى الثورة وتطهير البلاد من بقايا النظام السابق والتوافق حول مبادئ حاكمة للدستور الجديد وتأجيل الانتخابات البرلمانية. بمنظار المصلحة الوطنية، حسنا فعلت الأحزاب والقوى التى تبنت خيار احترام الإرادة الشعبية والالتزام بالمسار الذى ارتضته أغلبية المواطنين متمثلا فى الانتخابات البرلمانية أولا بتشديدها على وطنية دعاة الدستور أولا وضرورة البحث عن أرضية مشتركة معهم يمكن أن يؤسس عليها للتوافق حول المبادئ الحاكمة للدستور الجديد وموعد ملائم للانتخابات البرلمانية وخريطة طريق واضحة لإدارة المرحلة الانتقالية. بمنظار المصلحة الوطنية، ينبغى أن تمتنع بقية الأحزاب والقوى السياسية عن خطابات التخوين إن بحق دعاة الدستور أولا أو بحق الباحثين عن توافق واسع يتضمن تأجيلا محدودا للانتخابات. فالاتهامات بالعمالة وبخدمة المصالح الأجنبية وبالانقلاب على الثورة وبالخوف من الشعب وغيرها، فضلا عن كونها فى غير محلها وفارغة المضمون السياسى، تصنع بيئة سياسية حدية لا حوار بها بل استقطاب متصاعد وأجواء مسممة بالشكوك المتبادلة. بمنظار المصلحة الوطنية، يتعين على كل الأحزاب والقوى والائتلافات دمج المطالب غير السياسية فى أجندة عملها. فقد سيطر نقاش الدستور أولا أم الانتخابات أولا على المجال العام وهمش قضايا أخرى لا تقل أهمية كمعالجة الاختلالات الاقتصادية الواسعة فى مصر وترجمة الالتزام بالعدالة الاجتماعية إلى سياسات وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية على نحو يضمن تواجدها على الأرض واحترامها لحقوق الإنسان. لا يقدر الوطن على اختزال جميع قضاياه إلى المكون السياسى فقط. بمنظار المصلحة الوطنية، لم يعد مقبولا أن تترك الأحزاب والقوى المختلفة المحتجين والمتظاهرين السلميين وشأنهم وتتبنى خطاب التجاهل الرسمى تحت يافطة المطالب الفئوية. فمطالب أسر شهداء ومصابى الثورة فئوية، والعشوائية الحكومية فى التعامل مع ملف المحاكمات العادلة للمسئولين المتورطين وملف التعويضات باتت السمة الأبرز. لا يمكن أيضا الصمت عن مطالب كثيرة أخرى ذات صلة بالظروف المعيشية للمواطنين ولحقوق لم يحصلوا عليها قط، بل إن واجب الأحزاب والقوى السياسية تبنى هذه المطالب والتفاوض بشأنها مع سلطات البلاد. فى ميدان التحرير منذ أيام، وأثناء مشاركتى فى أعمال لجنة تقصى حقائق شكلها المجلس القومى لحقوق الإنسان، شكك بعض المتظاهرين والمعتصمين فى التزامنا بقضاياهم وفى تضامننا مع حقوق أسر الشهداء والمصابين والفقراء. وكان مصدر تشكيككهم هو ابتعادنا عن الميدان وانغماسنا بالكامل فى قضايا الدستور والانتخابات وتكالبنا على مكاسب صغيرة لكيانات حزبية نمثلها. وبعيدا عن قناعتى بأن التشكيك ليس فى محله، إلا أنه يظل مؤشرا هاما على أننا لم نضبط إيقاع عملنا بنجاح وابتعدنا عن بعض المطالب الأساسية للمواطنين ويحتم علينا من ثم ضرورة تدارك الخطأ وتغيير المسار.