بحر الدين إدريس أبوقردة قائد متمردى الجبهة المتحدة الذى ينتمى إلى واحدة من كبرى القبائل الدارفورية، هى قبيلة الزغاوة تحدث ل«الشروق» عن الأسباب التى دفعته إلى تسليم نفسه للمحكمة الجنائية الدولية طواعية الأسبوع الماضى ورؤيته لمدى تفهم نظام السودان، الذى يعارضه لهذه الخطوة وموقعه من التصعيد الراهن بين السودان والجارة تشاد. كان ظهور أبوقردة فى قاعة المحكمة الجنائية فى هولندا طواعية دون أمر بالقبض عليه هو أكبر حافز لكبير مسئولى الادعاء فى المحكمة لويس مورينو أوكامبو ليشدد على أنه لا أحد فوق مستوى العدالة الدولية، وذلك فى مواجهة نظام الخرطوم المتهم بارتكاب جرائم حرب فى نفس الوقت، الذى يعتبر فيه النظام السودانى أن قرارات المحكمة جزء من مؤامرة دولية تحاك ضده على حد قول اثنين من مستشارى الرئيس الرئيس السودانى عمر البشير ل«لشروق»، وهما مصطفى عثمان إسماعيل وعبدالله مسار. وفى حديثه الصحفى الأول من أرض الميدان كما يقول أبوقردة ل«الشروق»، أكد أنه كمعارض للنظام الحاكم فى الخرطوم «طالب بتطبيق العدالة، وبالتالى فإن عليه أن يكون أول من يلبى نداءها حين يطلب إلى منبرها.. وأضاف: «مشيت إلى المحكمة الجنائية الدولية لأن هناك اتهاما وجه إلينا بارتكاب ثلاث جرائم خلال اعتداء تعرضت له بعثة الاتحاد الأفريقى فى السودان المعنية بحفظ السلام حينما كانت مرابطة فى موقع حستنيكا العسكرى بأم كدادة فى شمال دارفور، حيث قتل 12جنديا وأصيب 8 آخرون بجروح بالغة. وأنا برئ من كل هذه التهم وليس لى أى علاقة بما جرى هناك من أحداث. وكنت مقتنعا بأنه من الأفضل أن أتوجه إلى المحكمة لأننى فى النهاية أحتاج إلى إثبات براءتى، كما أننى ليس لدىّ موقف مسبق من المحكمة، وبعد أن مناقشات حرة فى الجبهة المتحدة أصدرنا بيانا سياسيا أيدنا فيه إجراءات المحكمة لتحقيق العدالة الدولية، والتى نطالب الآخرين باحترامها، وبالتالى فعندما نكون نحن المطلوبون أمام المحكمة فلابد أن نكون أول من يلبى النداء. أبوقردة أعرب عن انزعاجه من استمرار ما وصفه ب«عقلية المؤامرة»، التى تسيطر على النظام السودانى، حيث رد على ما قاله عبدالله مسار مستشار الرئيس البشير للشئون الأفريقية من أنه يصفى حساباته القديمة مع حركة العدل والمساوة التى انفصل عنها.. موضحا أن «حركة العدل والمساواة ادعت تورط عناصر الجبهة المتحدة فى تلك الجرائم، وبالتالى فإن ذهابى للمحكمة كان لتوضيح موقفى من هذه الاتهامات وليس للتآمر على العدل والمساواة». ونفى أبوقردة ماقاله عبدالله مسار من أنه تم استغلاله من قبل شخصيات أجنبية ليؤدى «دورا» فى المحكمة، وقال: «أنا معارض معروف للنظام وموجود فى الميدان الذى أتحدث إليك منه الان منذ عام 2004، ولم أتركه إلا فى الأوقات، التى تطلبت فيها الضرورة القصوى الخروج للعمل السياسى فى دول الجوار سواء فى تشاد أو أوغندا أو مصر أو غيرها، حيث لا تزال اتصالاتنا قائمة مع هذه الدول. وقال أبوقردة: «إن حركة العدل والمساواة ادعت بعد الاعتداء على قوات حفظ السلام مباشرة إننا متورطون فى تلك الجرائم، وكان هذا هو الدافع الأساسى لذهابى إلى المحكمة فى لاهاى، وحضرت الجلسة الإجرائية، التى استمعت فيها لقرار الاتهام الموجه إلى، ثم خولت محاميا هناك بمتابعة الموقف، وليتولى هذه المسائل من الناحية الإجرائية والقانونية، وقد مثلت برغبتى أمام المحكمة لأنه ليس لدىّ ما أخفيه». ومع تأكيد عبدالله مسار على أن وراء اشتعال لهجة التصعيد بين الجارتين اللدودتين تشاد والسودان ثلاث مشكلات عالقة بين البلدين، أولها مشكلة القبائل العربية على الحدود المشتركة، ومنها الزغاوة التى ينتمى اليها أبوقردة، والمشكلة الثانية تتمثل فى عدم قدرة الحكومة التشادية على حل مشكلاتها مع المعارضة وتدعى أن الخرطوم تدعمها. والمشكلة الثالثة هى استغلال فصائل معارضة سودانية إمكانات تشاد العسكرية خلال مواجهاتها مع الحكومة السودانية، مشيرا إلى أن تشاد أصبحت مخلب للأطماع الغربية فى المنطقة، فإن أبوقردة لم يختلف مع مسار وجود هذه المشكلات لكنه اختلف معه فى أسباب اشتعالها، مؤكدا أن قيادة الجبهة المتحدة حرصت على اتخاذ جانب الحياد إزاء الصراع السودانى التشادى، ويقول: «الصراع بين تشاد والسودان قديم، وهناك اتهامات متبادلة بين الطرفين تعقد حل مشكلة دارفور خاصة فيما يتعلق بوجود السلاح لدى القبائل المشتركة على الجانبيين. وأعتقد أنه لدى الحكومة السودانية فرصه قائمة لحل هذه المشكلة. لكن فى النهاية فى حالة حدوث صراع بين حكومتى الخرطوم ونجامينا، فأعتقد أنه سيكون من الصعب علينا أن نتدخل بجانب طرف على حساب الآخر، رغم أننا نعارض نظام البشير، فى حين أن نظام تشاد لدينا معا مصالح مشتركة. ووصف أبوقردة من موقعه كمراقب سياسى كما يقول العلاقة الراهنة بين واشنطنوالخرطوم يتعلق بالزيارات الدبلوماسية المتبادلة بأنها استثناء لأن الأصل أن العلاقة بينهما متوترة، لكن فى بعض الأحيان تحدث هناك تفاهمات فتجرى اتصالات يتم الكشف عنها ويتم تبادل زيارات، مؤكدا أن الحكومة السودانية ليس لديها إرادة سياسية لحل أزمة دارفور بل إنها تسعى لتعقيدها، وأشار أبوقردة إلى أن الخرطوم لابد أن تقدم تنازلات لأن هناك استحقاقات مطلوبة لأهل درافور فيما يتعلق بالثروة والسلطة والتعويضات فى حين أن حكومة الخرطوم تحاول التنصل من كل هذه الالتزامات». ونفى أبوقردة أن تكون لدى حكومة الخرطوم نية صادقة لمعالجة الأوضاع فى درافور، وقال: «علينا ألا نضع العربة أمام الحصان، فلن نستطيع إجراء أى عمليات تنمية وجذور المشكلة قائمة وأساسها الظلم، الذى يتعرض لها أهل السودان وأهلنا فى درافور والنظام لم يعالج هذه المشكلات، وهو نفسه يعترف بهذا لكنه وللأسف يرسل لجان التحقيق إلى درافور ثم فى النهاية لا ينفذ توصيات هذه اللجان، وإذا استمرت الحكومة على هذا النهج واختارت الخيار المسلح فى التعامل مع الإقليم، فكل الخيارات الأخرى أمامنا ستكون مفتوحة، وعلى الخرطوم أن تتوقف عن الإدلاء بتصريحات للاستهلاك السياسى دون أن تتخذ إجراءات جادة لحل أزمات إقليم دارفور الأمنية والإنسانية والاقتصادية.