وأنت مقبل على زيارة هذا المعرض تكون على استعداد لاستعادة لقطات تعيدك إلى أوج ثورة مصر فى قلب ميدان التحرير، ولكن ما إن تطأ قدمك القاعة المخصصة للمعرض تتجسد أمامك تفاصيل يومية قد تكون عايشتها بنفسك فى الميدان. وأنت تستعين بوسائل بدائية وشديدة الابتكار فى الوقت نفسه للصمود والمقاومة. فى معرض «التحرير» الذى تنظمه الجامعة الأمريكيةبالقاهرة والذى تقرر مد عرضه إلى مايو المقبل تُعرض أكثر من 100 صورة فوتوغرافية متميزة ليوميات الثورة والميدان، ولكنك لن تشاهد الصور وهى أسيرة براويز نمطية على الجدران، ولكنك قد تجدها معلقة على «الحبال» باستخدام المشابك!! وربما تجد عددا من اللوحات التى تجسد المواجهات الدامية بين قوات الشرطة قبل انسحابها والمتظاهرين متناثرة على جدار كُتبت عليه شعارات مقاومة وصيحات شعبية مدوية «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية». «الشعب يريد إسقاط النظام»، «سلمية.. سلمية» تقرأ الشعارات التى طلاها منظمو المعرض على الجدار بالألوان كما كان يكتبها المتظاهرون على جدران ميدان التحرير، تقرأها وأنت تستحضر دماء الشهداء العُزل الذين سقطوا فى مواجهات أمام الرصاص الحى. «حاولنا تجسيد ميدان التحرير، استعنا بالمتاريس والأحجار والخيام والبطاطين والأعلام وحتى حبال الغسيل، ولم نقم بوضع الصور فى براويز. أردنا أن ننقل روح الميدان فى المعرض» هكذا قالت نورا بهجت، منظمة المعرض، التى ذكرت أن الجامعة تقوم بتنظيم معرض كل فترة وكانت الثورة بلا منازع الموضوع الذى فرض نفسه على الساحة. وأردنا تنظيم معرض فوتوغرافى لمحاولة تقديم زوايا مختلفة طرحتها الثورة المصرية، وبالفعل شارك نحو 20 مصورا بالمعرض منهم 11 مصورا من جريدة «الشروق» وحدها، وعُرضت أكثر من 100 صورة فوتوغرافية. المصوّر الفوتوغرافى توم هارتويل، أحد المشاركين فى المعرض والمشاركين فى تنظيمه أيضا، تحدث ل«الشروق» عن الجهد الجماعى الذى جمع بين المنظمين من أجل الوصول إلى أفكار غير تقليدية لهذا المعرض، وظلت الفكرة تتطور حتى وصلوا إلى هذا التنظيم المبتكر، وقال هارتويل. الذى يقوم بتدريس التصوير الصحفى بجامعة القاهرة والجامعة الأمريكية، إنه كان قلقا قبل افتتاح المعرض من ألا يتلقى الجمهور استخدام الخيام والحجارة وغيرها من المواد الحيّة بشكل إيجابى أو أن يعتبروا أنها استخدامات «سخيفة»، ولكنه لاحظ أن التنظيم راق للجمهور وتفاعل معه. يأتى معرض «التحرير» فى إطار عدد من الفاعليات الفنية والثقافية التى تحتفى بثورة 25 يناير، وهو الأمر الذى يستقبله بعض من المثقفين ببعض الحذر لكيلا يتحول التعبير الفنى عن الثورة فى النهاية إلى «هوجة» أو إلى «تجارة» وهو ما ظهر حتى فى سوق الكتاب الذى شهد عددا كبيرا من الإصدارات المرتبطة بالثورة بشكل لافت يفتقد أكثره للعمق المطلوب فى الكتابة عن حدث بحجم الثورة. وبالحديث إلى رندا شعث رئيسة قسم التصوير بجريدة الشروق والمشاركة فى المعرض عبرت عن ذات الهاجس وقالت إن مشاركتها فى معرض الجامعة الأمريكية هو الأول فى أى معرض تناول الثورة المصرية، لأنه باختصار «الثورة لم تنته بعد»، حسب شعث، واعتبرت أن تأمل الثورة فنيا يحتاج إلى مرور بعض الوقت لتكون الرؤية أكثر عمقا. وأن مشاركتها فى معرض الجامعة الأمريكية جاء من منطلق نقل نبض الثورة إلى جمهور لم تتح له الفرصة للذهاب إلى ميدان التحرير والمشاركة فى الاحتجاجات به بما فى ذلك طلبة الجامعة الأمريكية فى مقر التجمع الخامس حيث مقر المعرض، وأضافت أننا كجمهور أصبحنا متشبعين بالتغطية الإعلامية للثورة. بينما التعبير عنها بعد مرور الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة سيطرح لها، كما تؤكد الفنانة، أبعادا جديدة، حيث سيختلف السياق ويكون أكثر دلالة فى ربطه بيوميات ميدان التحرير والوجوه المشاركة به، وقالت إن هذا يندرج على جميع صنوف الفن الذى لا يمكن أن يقدم حاليا سوى توثيق للحدث وليس تقديم رؤية خاصة، فالثورة لحظة تاريخية تنطوى على عمق أكثر من 30 عاما من الإحباط واليأس وليست وليدة يوم وليلة.