كنا ومازلنا نرى جميعاً في السينما العالمية وخاصة السينما الأمريكية مشاهد تفوق العقل والخيال. مشاهد من أفلام الخيال العلمي تصور لنا كيف سيكون العالم في المستقبل أو في بعد مئة أو مئتي عام. كيف ستكون العلاقات بين الأفراد وبين الدول وكيف ستكون الحروب وكيف ستكون الأسلحة متطورة جداً. يصورون لنا كيف أنّ مُدناً بأكملها تنهار وكيف تُدَمر بلاد عن بكرة أبيها وكيف تتساقط ناطحات السحاب في غمضة عين. لكننا أبداً ما كنا نتصور أن يتحول هذا الخيال العلمي إلى حقيقية نراها بأعيينا المجردة ليس على شاشات العرض إنما على أرض الحقيقة. حدث ذلك حينما شاهد العالم بأسرة تساقط أكبر برجي للتجارة في العالم بالولايات المتحدةالأمريكية. كان هذا المشهد ضرباً من ضروب الخيال العلمي وكنا وكأننا نشاهد مشهداً من أحد هذه الأفلام الخيالية، لكنه كان حقيقية. وفي السينما المصرية شاهدنا جميعاً فيلم "عايز حقي" بطولة الممثل هاني رمزي وقد عرض لفكرة بسيطة جداً ولكنها خيالية ورومانسية. هي فكرة الشاب المتعثر في العثور على شقة تجمع بينه وبين خطيبته التي ظلت تنتظره طوال ست سنوات وكان عمله كسائق سيارة أجرة لا يكفي لسداد مصروفات الحياة اليومية. فمن أين له بثمن شراء شقة. من هنا جاءت فكرة أن يقوم هذا الشاب المتعثر -وهو هنا يرمز للفئة العظمى من الشعب- بجمع توكيلات من أكثر من خمسين بالمئة من الشعب بحكم أن الشعب هو المالك الحقيقي للمال العام. وبما أن هذا المالك لم ولا يستطيع أن ينتفع بما يملك –نظراً لظروف كثيرة ليس هذا هو المجال لذكرها لكنها معلومة للجميع- قرر أن يبيع هذا المال العام.وبالفعل شارك أكثر من خمسين بالمئة من الشعب في عمل التوكيلات للبيع حتى يتسنى لهم الإستفادة من ملكيتهم. فالفكرة كما نرى بسيطة وخيالية لكنها لا تخلو من كونها حقيقية ومعبرة عن أزمة حقيقية، وهي عدم تمتع أفراد الشعب بما هو ملكية عامة للشعب. وفي الأونة الأخيرة رأينا هذا المشهد السينمائي يتحقق على أرض الواقع المصري حين رأينا الدكتور محمد البرادعي يطلق من خلال الجمعية الوطنية للتغيير حملته لجمع التوقيعات من أجل المطالبة بتغيير أو تعديل مواد الدستور الحالي المُهين حتى يتناسب مع مكانة مصر التاريخية وحتى يسمح لجميع المصريين بالترشّح للإنتخابات الرئاسية وتحقيق الديمقراطية. ونرى في نفس الوقت كيف تتجاهل وجهة النظر الرسمية هذا الإتجاه وتعتبره ضرباً من ضروب الخيال الرومانسي أو السينمائي. لكن لعل هذا الخيال السينمائي يتحول إلى حقيقة مثلما حدث مع برجي التجارة العالمية وتنجح هذة الفكرة وتنقلب الأمور رأساً على عقب ويتحقق بذلك حلم المصريين في الديمقراطية والعدالة الإجتماعية. فهل هذا الخيال السينمائي كان يستند في حقيقته على شيئ من الواقع؟ أم أنّ خيال اليوم قد يكون وبدون تحريف هو واقع الغد؟. هذان السؤالان يقودان إلى نتيجة واحدة مهمة جداً لي ولجميع البشر وهي أننا لا يجب أن نمتنع أبداً عن الحلم ولا عن الخيال. فما الحلم بالمستقبل إلا خيال في عقولنا, فلنحلم جميعاً بتغيير مصر وبتحقيق العدالة فيها, وألّا نضع لأحلامنا حدود لعلها تصبح يوما من الأيام –وعلى شاكلة الخيال العلمي الأمريكي- إلى حقيقة ملموسة. والله المستعان.