بالرغم من مطالبة إدارة البورصة الشركات المقيدة بها بتحديث الإفصاح عن أوضاعها التشغيلية والمالية والإدارية، التى قد تكون طرأت عليها تغييرات خلال الظروف الاستثنائية التى تعيشها مصر حاليا، فإن الشركات ما زالت تتعامل مع مسألة الإفصاح بمنطق «تسديد الخانات»، رغم ما قد يؤدى إليه ذلك من زيادة حدة الشائعات، التى ستكون لها آثار سلبية وتزيد من المخاوف المشتعلة فى السوق، لتشدها مجددا إلى هاوية الانخفاض الحاد. وتواجه العديد من الشركات شائعات حول علاقتها بالنظام المخلوع، وشبهات صفقات فاسدة معه، فضلا عن تقديرات متفاوتة للخسائر التى لحقت ببعض الشركات جراء أوضاع عدم الاستقرار فى البلاد، وقد تدفع تلك الأخبار والشائعات المستثمرين فى أسهم الشركات إلى دائرة مفرغة من الهلع تؤدى إلى تعجلهم من التخلص منها. «بعض الشركات لم تفصح بالشكل الذى كانت تتطلع إليه إدارة البورصة»، على حد قول مصدر مسئول فى البورصة، فضل عدم نشر اسمه، معتبرا أن الشركات يجب أن تفصح عن كل ما يمكن أن يؤثر على عملياتها التشغيلية سلبا أو إيجابا، وأنه من الضرورى أن تطلب البورصة من الشركات، التى لا تغطى تلك المعلومات فى تقارير الإفصاح، إرسال تقرير جديد يغطيها. وضرب المصدر مثلا بشركة المصرية للاتصالات، التى «يجب أن تقدم تقريرا جديدا يتضمن خسائرها فى فترة الاضطرابات لأنها ستؤثر بالطبع على عملياتها التشغيلية، ومن ثم على قرارات الاستثمار فى سهمها». كانت المصرية للاتصالات قد أرسلت بيانا إلى إدارة الإفصاح بالبورصة يوم الأربعاء الماضى، قالت فيه «إنه لا توجد أى تعديلات فى الإدارة، وتجرى مراجعة كل مواقع الشركة لحصر التلفيات نتيجة الأحداث، وموافاتكم بها فور الانتهاء من إعدادها»، بينما لم تشر الشركة من قريب أو بعيد إلى حجم الخسائر، التى ستتحملها من جراء وقف اتصالات المحمول فى بعض أيام الثورة، على اعتبار أن حصتها فى شركة فودافون مصر للهاتف المحمول، تمثل واحدة من أكبر مصادر إيراداتها، كما لم توضح الشركة مدى تأثرها بتوقف خدمة الدليل 140، والتى يصل سعر المكالمة فيها إلى 50 قرشا. ونفس الشىء تجاهله بيان إفصاح شركة المصرية لخدمات التليفون المحمول «موبينيل»، حيث اكتفت فى بيانها بالإشارة إلى عدم وجود تغييرات فى أعضاء مجلس الإدارة، وأنها بصدد تقدير الأضرار التى تعرضت لها بعض أصولها، والتى لا تؤثر إطلاقا على عمليات التشغيل. وكان مسئولون فى وزارة الاتصالات قد قدروا خسائر شركات المحمول الثلاث فى أيام قطع الخدمة منذ عشية جمعة الغضب بنحو 90 مليون جنيه. من جهته، يرى محمد ماهر، نائب رئيس مجلس إدارة بنك الاستثمار برايم، إن إعلان أى شركة عن خسائر أيام معدودة قد يؤدى إلى مزيد من البلبلة، «فمثلا شركة المصرية قد تكون خسرت أيام انقطاع خدمة المحمول لكن من المؤكد أنها كسبت أكثر بعد ذلك مع زيادة الاتصالات عبر كل القنوات بسبب الأحداث الأخيرة». ورغم أن ماهر طالب الشركات المقيدة فى البورصة بمزيد من الإفصاح فى ظل الظروف الحالية لتغطية تساؤلات المستثمرين، لكنه يرى أن إفصاح شركات بعينها عن نسبة مساهمة مسئولين فى الحكومة السابقة، يخضعون لتحقيقات حاليا من قبل نيابة الأموال العامة بتهم عديدة، ليس بالأمر الواجب أو المهم، «لأن قواعد الإفصاح لا تحتم ذلك». ومن بين الشركات التى تنطبق عليها هذه الحالة، بالم هيلز حيث توقع محللون أن يهبط سهمها بشدة بسبب ما تردد عن تملك أحمد المغربى، وزير الإسكان السابق، الذى يخضع حاليا للتحقيق، لنسبة من اسهمها، ومع ذلك لم تشر الشركة فى بيان الإفصاح، الذى أرسلته مؤخرا لإدارة البورصة، إلى هذه الحصة التى تفاوت تقدير نسبتها من قبل المتعاملين فى السوق بين 2% و54%، كما أنها لم توضح حجم الأراضى التى حصلت عليها بالأمر المباشر فى عهد الوزير السابق، واكتفت بالإشارة إلى أن هناك عقبات ستواجه قطاع التطوير العقارى على المدى القصير، مما قد يعطل أنشطة البناء أو خسارة جزء من المبيعات. «أعتقد أنه سيعاد النظر فى الأراضى الممنوحة لبالم هيلز على خلفية التحقيقات مع المغربى»، بحسب أحمد عطا، رئيس شركة فينيكس للاستثمار لإدارة الصناديق، التابعة لبنك بيريوس، مؤكدا أهمية إفصاح الشركات المتداولة فى البورصة عن كل المعلومات التى قد تؤدى إلى أى أثر على عملياتها التشغيلية، «فمثلا إذا كانت الشركة تحصل على طاقة رخيصة بسبب مشاركة وزير فى ملكيتها، ستنتهى هذه المسألة بعد خروجه من المنصب أو محاكمته، وبالتالى سترتفع التكلفة وتؤثر على نتائج الأداء لأن الشركة ستخسر تلك الميزة». ويرى مسئول البورصة أن تقرير إفصاح شركة حديد عز نموذجى، حيث إنه أجاب عن كل المسائل المتعلقة بالتحقيقات مع رئيس مجلس إدارتها أحمد عز، كما أنه أيضا رد على كل الشائعات، التى تدور حول عز وعلاقتها بالشركة، وقال إن جودة الإفصاح قد تتعلق نسبيا بمدى وعى الشركة بهذه المسألة، ووجود كوادر من المسئولين عن علاقات المستثمرين ذات مستوى مهنى مرتفع، «عدد كوادر هذه المهنة محدود فى مصر» بحسب تعبيره. وربما يدلل على صحة وجهة النظر السابقة جزئيا، قيام عدد محدود جدا من الشركات بالإفصاح بطريقة مناسبة رغم أنها ليست صاحبة ظروف استثنائية خاصة، تضاف إلى استثنائية الظروف العامة التى تعيشها مصر، ويأتى على رأسها شركة آسيك للتعدين، حيث أشارت إلى توقف بعض مصانعها عن العمل، وقدرت خسائرها المبدئية منذ 25 يناير وحتى كتابة التقرير بنحو 12 مليون جنيه.