«جبالي»: لسنا مجلس اصطياد الأخطاء.. ونلقي الضوء على أداء الحكومة    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تعقد اجتماع اللجنة العليا للطوارئ بشكليها الجديد    المحافظون في الشوارع.. تسهيل الخدمات للمواطنين.. جولات ليلية مفاجئة.. والنظافة أولوية    مفاجأة فرنسا.. وهزيمة اليمين المتطرف!    بيراميدز يضرب الاتحاد السكندري برباعية ويعزز من صدارته لجدول الدوري    "قبل القمة النارية".. تاريخ مواجهات فرنسا وإسبانيا بأمم أوروبا    مدبولي يلتقي الرئيس التنفيذي ل "بوما" العالمية لبحث فرص تصنيع منتجاتها في مصر    محافظ البحرالأحمر ينتقل لموقع حريق ضخم في «أزق» صناعة وصيانة اليخوت    وائل جسار يوجه رسالة قوية ل شيرين عبد الوهاب    وكيل أوقاف الفيوم: الإقبال على البرنامج الصيفي غير مسبوق    الناتو.. وأوكرانيا.. محلك سر    زجاجة بيكفورد وجورب نوير!    تحالف أوربان اليميني المتطرف يؤسس رسميا كتلة سياسية في البرلمان الأوروبي    ضبط 57 منشأة طبية غير مرخصة في كفر الشيخ    مصرع طفل فى مياه البحر اليوسفى بسمالوط    أسعار الفاكهة اليوم الاثنين 8-7-2024 في الأسواق والمحلات    حقوق الإنسان بالنواب: بيان الحكومة يستهدف جميع التحديات فى مصر    مصدر رفيع مستوى: وفد أمريكى برئاسة مدير الCIA يصل القاهرة لمفاوضات الهدنة بغزة    وقف 3 أطباء عن العمل لتسببهم في وفاة طفل بمستشفى المبرة بطنطا    وكيل صحة الشرقية يتفقد سير العمل بمركز طب الأسرة بصافور بديرب نجم    لينك سريع نتيجة الدبلومات الفنية 2024 من خلال بوابة التعليم    أوكرانيا تعلن ارتفاع عدد قتلى وإصابات هجمات الجيش الروسي إلى 140 شخصًا    تزيد الوزن- 5 أطعمة بيضاء ممنوعة في الرجيم    شيخ الأزهر لرئيس وزراء تايلاند: لا بُدّ من حشد الجهود العالمية لإنهاء الكارثة الإنسانيَّة في غزة    على جناح دراجة:باريس عبر ثنائية الذكورة والأنوثة    هل تكون الزوجة لزوجها في الجنة؟ أسامة قابيل يوضح    حبس السائق المتسبب في مصرع شخصين في زفة أعلى كوبري المنيب    21 عاما على قرار سلطات الاحتلال بالسماح لليهود بدخول الأقصى    بعد اقترابه من مارسيليا.. رئيس لاتسيو: سنتعاقد مع لاعب أفضل من جرينوود ب10 مرات    الرئيس السيسي يمنح نوط الامتياز للحاصلين على ميداليات ذهبية بدورة الألعاب الأفريقية    أحمد يعقوب: صفقات الاستثمار ستدعم توفير فرص العمل ونمو الاقتصاد.. فيديو    «بلومبرج»: البنك الأهلي وكيل التمويل الأول بالسوق المصرفية المصرية    عبدالسند يمامة يُكلف بالتحقيق في الفيديو المسرب لتجارة الآثار داخل حزب الوفد    الحوار الوطني يشكر الرئيس السيسي لحرصه على تنفيذ مخرجات الجلسات    نائب رئيس هيئة المجتمعات: حجم التنمية بالساحل الشمالي الغربي تضاعف السنوات الماضية    حصاد الوزارات.. التعليم: امتحان اللغة 2 لطلاب ثانوي مكفوفين سارت دون مشكلات    لتجنب الإنفلونزا الصيفية.. نصائح مهمة لتقوية مناعة جسمك    "بعد تصريحات الكومي المثيرة".. قصة مباراة أُلغيت بعد استبدال سيارة الإسعاف بنقل موتى (صور)    إلغاء إجازات وتغيير قيادات.. 5 قرارات مهمة من الحكومة الجديدة بعد حلف اليمين الدستورية    تعرف على موعد صيام عاشوراء 2024 والادعية المستجابة    وزير الأوقاف يستقبل رئيس جامعة سوهاج لتهنئته بتوليه منصبه الجديد    بالأسماء.. وزير الأوقاف يعتمد 13 واعظة جديدة بالشرقية    مجازاة مدير مدرسة ومسؤولة شؤون طلاب ببني سويف لعدم إخطار طالبة برسوبها    العلمين الجديدة تستعد لإبهار زوارها بنسخة ثانية من الحدث الترفيهي الأكبر في العالم العربي    بورصة الكويت تغلق تعاملاتها على ارتفاع مؤشرها العام 68.46 نقطة    مستشار رئيس وزراء المجر: زيارة أوربان لروسيا وأوكرانيا كانت لبحث إمكانية وقف إطلاق النار    القبض على عاطلين سرقا مشغولات ذهبية من داخل مسكن بالسلام    إيرادات مفاجئة ل عصابة الماكس في مصر والسعودية (بالأرقام)    لمواليد برج الدلو.. ماذا يخبئ شهر يوليو لمفكر الأبراج الهوائية 2024 ؟ (التفاصيل)    عقب قصف مدرسة للنازحين.. الكويت تطالب بمحاسبة الاحتلال على جرائمه في غزة    مواجهة جديدة بين الأرجنتين وكندا في كوبا أمريكا 2024    حزب الأمة القومى السودانى: مؤتمر القاهرة فتح باب الحوار بين السودانيين    طارق الشناوي يكشف تطورات صادمة عن أزمة شيرين عبدالوهاب: تتعرض لعنف وسادية    الأرصاد الجوية تكشف تفاصيل حالة الطقس من اليوم حتى السبت المقبل .. اعرف التفاصيل    "توافر".. تفاصيل خدمة رسمية لتوفير الأدوية الناقصة (رابط وبيانات)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 8-7-2024 في المنيا    دعاء في جوف الليل: اللهم يا صاحب كل غريب اجعل لنا من أمورنا فرجًا ومخرجًا    هل العمل في شركات السجائر حرام؟ مبروك عطية يجيب (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلى أين تتجه الثورة المصرية؟
نشر في الشروق الجديد يوم 08 - 02 - 2011

يقدم النظام الحاكم فى مصر تنازلات يومية كبرى كل يوم للانتفاضة المصرية، التى نجحت فى تثبيت أقدامها على الأرض. ما حققته الانتفاضة حتى اللحظة لم يكن يحلم به أحد: تعهد مبارك بعدم الترشح، إنهاء مشروع التوريث، السقوط السياسى للحزب الحاكم بكل عفنه، والتخلص من قيادى حرسه القديم والجديد، الاعتراف بأكبر جماعة معارضة فى مصر كانت محظورة منذ أسبوعين مما يفتح الباب لكل القوى الوطنية خارج الشرعية، الموت السياسى بالسكتة للمشروع النيوليبرالى المعادى للفقراء فى السياسات الاقتصادية والاجتماعية، اهتزاز المجالس البرلمانية المزورة..والقائمة تطول والمكاسب تزيد كل يوم .
لكن ليس من الصدفة أن النظام الذى أصبح يقبل كل ذلك بين يوم وليلة مازال يتمترس وراء ضرورة بقاء مبارك رئيسا، بينما يرى الشارع تنحيه الفورى عن الحكم، وهو المطلب الأول الجامع للانتفاضة المصرية، ونقطة الانطلاق لأى شيء آخر. فهذا شيء منطقى للغاية لأن النظام ومن يستفيدون منه لن يتنازلوا دون مقاومة شرسة عن سلطتهم وثروتهم. بل انهم سيحاربون لسحب هذه المكاسب مرة أخرى.
إن الثورة هى امتحان صريح للقوى السياسية، والمواجهة الأكثر حدة بين الفئات الاجتماعية، فى صراع من أجل استلام الحكم. والسيطرة على الحكم هنا ليست غاية فى حد ذاتها، وإنما هى وسيلة لتحقيق الأهداف والمصالح المختلفة، ومن ثم فإنه من الطبيعى أن هز دعائم النظام القديم، كما حدث فى مصر، يفتح الباب لكل القوى الاجتماعية (بعضها يعيد تشكيل وتوجيه نفسه من النظام القديم، كقياداته البيروقراطية أو رؤساء أحزابه، أو رجال أعماله، وبعضها يجيء من خارج المشهد تماما كالشباب فى التحرير أو المتظاهرين فى ريف مصر وحضرها العمالي). وبهذا تتباين المصالح فيما يجب أن يحدث، وإلى أى حد يمكن أن يذهب النظام الجديد.
لقد كانت الانتفاضة المصرية والمظاهرات ضد حكم مبارك شاملة إلى حد استثنائي. فبعد المفاجأة الأولى التى جاء بها شباب الخامس والعشرين من يناير، انضم للمظاهرات الجميع تقريبا: فلاحون وعمال، موظفون ومهنيون، طلاب وعاطلون..لكن أيضا سار فى المظاهرات رجال أعمال ورؤساء شركات وقيادات كبرى بالقطاع المالى (أحد أهم القطاعات المستفيدة من مبارك وحكمه). وشارك فيها موظفون كبار بالدولة ومؤسساتها الدينية والقضائية و حتى مسئولون بالحزب الحاكم.
كان هذا الاصطفاف وراء مطلب اسقاط الديكتاتورية، قوة هائلة للانتفاضة، لكنه أيضا وضع استثنائي، ولن يكون قابلا للاستمرار كلما مر الوقت، وكلما انتقل المجال السياسى من فكرة التغيير فى عموميتها إلى أى نوع من التغييريجب أن يتم، ومن يسيطر على النظام الجديد لكى يقوم به.
فى هذا الإطار فإن النظام القديم لم يسقط حتى هذه اللحظة. فالانتفاضة المصرية لم تنجح بعد، برغم كل الانجازات التاريخية التى لا يمكن إنكارها، فى إنجاز الثورة السياسية باسقاط نخبة الحكم القديمة. صحيح أن الهجمة الكبرى للثورة المضادة بقيادة الجناح الأكثر فسادا فشلت مع اندحار البلطجية أمام بطولية المتظاهرين، لكن النظام يعلم جيدا أن بقاء مبارك، ولو حتى لفترة انتقالية، يظل دعامة أساسية لفلوله، التى تعيد تنظيم نفسها تحت راية الشرعية والاستقرار، ومن خلال فزاعات الفوضى، وتحاول كسب الوقت بحوارات مازالت تجرى بعقلية السلطة التى تستمع وتنتقى وتسمح أو لا تسمح، وليس الحكم الذى ينزل ديمقراطيا على رغبات الناس.
إن اتساع مظلة الانتفاضة المصرية لكل هذه القوى الاجتماعية التى اتفقت على التغيير بينما تختلف، جذريا فى حالات بعينها، وهو ماكان ميزة فى طبيعة الثورة المصرية وخاصية متفردة فيها، سيصبح عائقا أمام استمرارها ونجاحها فى تحقيق أهداف الثورة السياسية، ثم نقلها لما بعد ذلك إلى تحقيق الثورة الاجتماعية بتوجيه دفة الدولة والحكم لسياسات تحقق مصالح الأغلبية من الفقراء والمنتجين. تخيل موقف رجل الأعمال نجيب ساويرس من فرض ضرائب تصاعدية على أرباح رجال الأعمال لتمويل النهضة فى التعليم والصحة، أو تخيل رد فعل قيادات القطاع المالى تلك على إجراء كفرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية كأمريكا لدعم موازنة الدولة. عندما تنتقل الانتفاضة إلى المرحلة المقبلة، فإن رص الصفوف سيتغير لا محالة بناء على المصالح والخلفيات.
هكذا فإن الجدل حول تنحى مبارك الفورى من عدمه ليس إلا محطة الخلاف الأولى، وبرغم أهميتها البالغة من زاوية مصالح أغلبية من جار عليهم نظامه، إلا أنها لن تكون المحطة الأخيرة وربما لن تكون الأكثر حدة.
يصف الصحفى الأمريكى جون ريد وضع الحكومة الروسية فى أكتوبر 1917، فى كتابه «10 أيام هزت العالم»، قائلا إنه «فى مجال العلاقة بين حكومة ضعيفة وشعب ثائر يحل وقت، عاجلا أو آجلا، يغدو فيه كل عمل من أعمال الحكومة باعثا لغيظ الجماهير، وكل امتناع منها عن العمل يثير احتقارها». وليس هناك أصدق من هذا الاستنتاج، الذى يقفز لنا حيا من أوائل القرن الماضي، لوصف أحاسيس المنتفضين عندما يسمعون باستقالات قيادات الوطنى أو غيرها من التنازلات التى يقدمها النظام. لكن هذه التنازلات تخلق غبارا يرتع فيه من يرغبون فى أن يقف التغيير عند حدود معينة، ممن يحجزون مكانا فى ترتيب جديد، أو يغسلون تاريخهم الموالي، فى الانتفاضة ليستمروا على حالهم. وتحت كل هذا الغبار الكثيف من الحوارات والتصريحات التليفزيونية والتحالفات التى تعاد صياغتها، يكمن رأس الانتفاضة وعماد الثورة السياسية والاجتماعية التى تحتاجها مصر.
ولكى لا يعمى غبار السياسيين القدامى والجدد أعين الباحثين عن الحرية الحقيقية فى الرأى والديمقراطية السليمة فى الاقتصاد والثروة، فإن معلما آخر من الخصائص المميزة للانتفاضة يجب أن يتطور. فسيكون تحول الحشد فى التحرير، على أهميته وبرغم الضرورة الحتمية لاستمراره كالضمانة الحقيقية لعدم سرقة الانتفاضة أو وأدها، إلى أشكال ذات ديمومة فى مناطق السكن والعمل، هو العنصر الفاصل فى المعركة الحالية حول التنحى وفى المعارك المقبلة على دفة الدولة الجديدة. وبينما تتسلط الأضواء، عن حق، على بطولية معتصمى التحرير، فإن الإنتفاضة المصرية أكثر من ذلك بكثير: فقط راجع أعداد وخلفيات المتظاهرين خارج القاهرة. وهذا يعطى مساحة وفرصة لهذه البلورة المنظمة المسيسة للمنتفضين.
بقدر ما ينجح المنتفضون فى تأسيس لجانهم الشعبية المسيسة فى أماكن العمل (مستحوذين على قوة الإضراب)، وفى أماكن السكن (ممتلكين أداة التسييس المحلى الديمقراطي)، بقدر ما سيكونون قادرين على خوض غمار المخاض الثورى الصعب بنجاح، وعلى حماية انتفاضتهم من السراق المتربصين، ومدها على استقامتها لحرية الشعب فى الحكم والعيش


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.