فعلتها فرنسا مرة أخرى.. قطعت الطريق أمام اليمين المتطرف بينما كانت كل التوقعات تقول إنه على أبواب الوصول للحكم. مفاجآت الانتخابات الحاسمة وضعت تحالف اليسار فى المقدمة، يليه تحالف الوسط بقيادة ماكرون، ثم جاء حزب اليمين المتطرف «التجمع الوطنى» ثالثا. للمرة الثانية تقترب أحلام عائلة لوبان من الوصول للسلطة فى نهاية السباق!! كانت المرة الأولى قبل 22 سنة، عندما فوجئ الفرنسيون بأن النائب اليمينى المتطرف «جان مارى لوبان» وصل إلى جولة الحسم فى انتخابات رئاسة فرنسا. يومها توحدت كل القوى السياسية وراء المنافس «شيراك» ليتلقى «لوبان» هزيمة ساحقة، ولتقوم ابنته «مارى» بإبعاده عن رئاسة الحزب اليمينى المتطرف وتتولى قيادة الحزب وتصل به بعد سنوات قليلة إلى أن يكون الحزب المتطلع للسلطة بعد حصوله فى الجولة الأولى من الانتخابات على المرتبة الأولى وثلث أصوات الناخبين، قبل أن يتراجع فى الجولة الانتخابية الحاسمة لحساب اليسار والوسط. كان اليسار هو نجم هذه الجولة الانتخابية. وحّد صفوفه وكثف جهوده، ولم يكتفِ بتصدر المشهد الانتخابى، وإنما مد يد المساعدة لتحالف الوسط من أجل إلحاق الهزيمة بحزب لوبان وإبعاد خطر سيطرة اليمين المتطرف على حكم فرنسا ولو مؤقتا!! ونقول «مؤقتا» لأن حزب لوبان «التجمع الوطنى» ما زال - رغم الهزيمة الكبيرة - حاضراً فى الحياة السياسية مع ربع مقاعد البرلمان وقاعدة انتخابية مؤثرة. ولأن نتائج الانتخابات لم تفرز أغلبية واضحة تؤمن حكومة مستقرة فى الفترة القادمة، بينما الظروف تحتم إجراءات إصلاحية عاجلة خاصة فى السياسات الاقتصادية والاجتماعية التى يعانى الفرنسيون من آثارها. تنفست فرنسا الصعداء بعد استبعاد الخطر العاجل لليمين المتطرف. لكن الموقف معقد ويحتاج لمرونة كافية من الرئيس ماكرون وتفاهمات مع قوى اليسار والمستقلين وأن يكون شاكراً لهم لأنهم عالجوا الخطأ الفادح الذى ارتكبه بحل البرلمان السابق والدعوة لانتخابات كادت تسلم الحكم لليمين المتطرف. وقد يكون الحل هو رئيس حكومة مستقل أو تكنوقراط، لكن ذلك أيضا يستلزم التوافق السياسى بين قوى اليسار والوسط، والإدراك الكامل بأنه لا بديل عن تغيير السياسات التى كادت تذهب بفرنسا إلى قبضة اليمين المتطرف!