استحق رصيف مجلس الشعب لقب «بطل المشهد الاحتجاجى» لعام 2010 بامتياز، فلم يكد يمر يوم دون أن يشهد رصيف المجلس اعتصاما أو تظاهرة لعمال إحدى الشركات أو المصانع أو الهيئات يحتجون فيها على أوضاعهم الوظيفية المتردية. ومع بداية 2011 تطور المشهد الاحتجاجى أمام رصيف المجلس، واستلهم المحتجون الذين فقدوا الأمل فى تحقيق مطالبهم عبر الهتاف والاعتصام تجربة الشاب التونسى محمد بوعزيزى مفجر الثورة التونسية الذى انتحر حرقا احتجاجا على أوضاعه الاقتصادية المتردية، وأقدم العديد من مواطنين خلال الأسبوع المنصرم على إشعال النار فى أجسادهم أمام رصيف المجلس، للاحتجاج على أوضاع لم تختلف كثيرا عن أوضاع بوعزيزى. كان عبده عبدالمنعم، صاحب مطعم صغير بالقنطرة بالإسماعيلية، قد أشعل النار فى جسده الاثنين الماضى أمام مجلس الشعب مستخدما بنزين 90 كما كشفت التحقيقات، احتجاجا على عدم حصوله على حصته من الخبز المدعم لمطعمه، لم تمض 24 ساعة على فشل محاولة عبده الانتحار حتى أقدم المحامى محمد فاروق على محاولة مماثلة احتجاجا على تباطؤ أجهزة الأمن فى إعادة ابنته المختفية إليه، فيما أحبط أمن المجلس محاولتين لمواطنين آخرين. الناشط العمالى كمال أبوعيطة رئيس نقابة الضرائب العقارية المستقلة، أكد أن ظاهرة الانتحار موجودة فى المجتمع المصرى بالفعل، بسبب سوء أحوال المعيشة وعدم وجود وظائف وغياب العدالة والحرية، ولكن ما يفرق بين مصر وتونس أن الثانية لديها تنظيمات نقابية جادة و«محترمة» على حد تعبيره، قادت الثورة ومنعت أيدى الناهبين عن السرقة وحمت مقدرات الشعب، فى حين لا يوجد فى مصر تنظيمات نقابية وحزبية حقيقية. وأكد أبوعيطة، أن الانتحار يعتبر مقدمة لخروج ثورة لأنها تعبر عن آلام الشعب ومعاناته الحقيقية، بعيدا عن مجلس الشعب الذى وصفه القيادى العمالى ب«مجلس حرق الشعب»، الذى يضطر الشعب لحرق نفسه. ووجه أبوعيطة رسالة للأنظمة العربية «إما أن تطلقوا الحريات، أو تحضروا حقائبكم وسبائك الذهب استعدادا للرحيل». من جانبه رفض القيادى بجماعة الإخوان المسلمين، محمد البلتاجى، عضو مجلس الشعب السابق، وصف حالات الانتحار ب«الظاهرة»، مؤكدا أنها مجرد حالات فردية تعكس التأثر بالأحداث السياسية المحيطة. وأشار البلتاجى إلى بلوغ النظام المصرى حالة من الذعر والهلع الشديدين خوفا من تفشى عدوى الثورات أو مجرد محاكاة السياق التونسى، خاصة أن «المقدمات الواحدة.. تؤدى لنتائج واحدة»، على حد تعبيره. وتابع البلتاجى: «فى ظل وجود حالة من اليأس والإحباط فى شرائح عريضة فى المجتمع المصرى وغياب أسس العدالة الاجتماعية، وجدت الحكومة نفسها مضطرة للتحرك السريع تجاه تلك الأحداث»، وهو ما دلل عليه البلتاجى بأن البرلمان المصرى أصبح يناقش حالات فردية مثل «تخصيص جلسة كاملة لمناقشة مشكلة محاول الانتحار الأول لعبده عبدالمنعم، فى حين استقر المئات من العمال على رصيف المجلس لمدد زادت على شهر ولم تلفت أنظار المسئولين لهم»، مستطردا «الوزراء كانوا يدخلون ويخرجون أمام المعتصمين دون اهتمام وكأنهم يخرجون لهم ألسنتهم». البلتاجى أوضح أن تخصيص جلسة مجلس الشورى لمناقشة مشكلة عبده ليس من باب حرص النظام على مواطنيه واهتمامه البالغ بهم، ولكنه انعكاس لحالة الخوف والهلع التى أصيب بها خوفا من تكرار التجربة التونسية. من جهته قال، خبير علم الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية، سعيد صادق، «إن المواطن المصرى عندما يقابل بتعسف بيروقراطى يلجأ لاستخدام الرشاوى أو ينفذ ما يريده»، مشيرا إلى أن حالة عبده تشير إلى أنه لم يجد أى حل للمشكلات التى وجد نفسه محاطا بها مما دفعه لإحراق نفسه». «وبدلا من إحراق نفسه أمام الجهة الإدارية التى رفضت مساعدته، قرر عبده الانتحار أمام مجلس الشعب وهذا مؤشر على أن المواطنين بدأوا فى الربط بين المشكلات الاقتصادية التى يتعرضون لها وبين المشكلات السياسية»، بهذا فسر صادق اختيار عبده إحراق نفسه أمام مجلس الشعب.